طوفانُ الأقصى: “إسرائيلُ” المهزومةُ بين واقع الفشل والآمال المعلَّقة على الغرب
المسيرة | خاص:
دخلت معركةُ “طوفان الأقصى” يومَها الرابع، بمواجهاتٍ مُستمرّةٍ بين المقاومة الفلسطينية والعدوّ الصهيوني في مستوطنات غلاف غزة، التي لا يزال الاحتلالُ عاجزاً عن السيطرة على الأوضاع فيها؛ بسَببِ عجزِه عن إيقافِ توغُّلِ المجاهدين إليها أَو التصدّي للهجمات الصاروخية المُستمرّة عليها، الأمر الذي يحاولُ تعويضَه برفع مستوى الوحشية في استهداف المدنيين ووسائل الإعلام بقطاع غزة، غير أنَّ تلك الوحشيةَ لا تعوض شيئاً، بل تؤكّـدُ واقعَ الهزيمة التي يعيشُها كيانُ الاحتلال عسكريًّا وأمنيًّا ونفسياً، وهو واقعٌ تؤكّـده كُـلّ التقارير والأخبار القادمة من داخل الكيان والتي تتحدث بوضوح عن لجوء غير مسبوق إلى “التجنيد” مع فوضى ونقصٍ في التجهيزات والإعدادات، وسخط متصاعد من جانب المستوطنين تجاه حكومة الاحتلال التي تواصل الكشف عن وجهها العُنصري وتعوِّلُ على عدوانيةِ وبدائية دوافع حلفائها الغربيين في خوض حرب إبادة ضد الفلسطينيين.
محاولةٌ لتعويض الهزيمة العسكرية والأمنية بالوحشية:
خلال الـ48 ساعة الماضية، أطلق جيشُ العدوّ الصهيوني حملةً وحشيةً ضد قطاع غزة، تحت عناوينَ إجراميةٍ عُنصريةٍ معلَنةٍ، منها إبادة الفلسطينيين؛ باعتبَارهم “حيوانات بشرية” ودفعهم لمغادرة القطاع باتّجاه مصر؛ بهَدفِ “تغيير شكل الوضع لسنوات”، وقد أقدم مِن أجلِ ذلك على قطع كُـلّ وسائل الحياة عن القطاع وشَنِّ غارات عنيفة متواصلة أسفرت عن استشهاد المئات وإصابة الآلاف من الأبرياء.
الحملةُ الوحشية بعناوينها الهمجية وما خلَّفته من دمار ودماء، لم تغيِّرْ ميزان المعركة، لكنها كشفت عن إفلاس كبير وتخبط واسع لدى قيادة الكيان الذي استمرت وسائلُ إعلامه بالتأكيد على أنه لم يستطع بعدُ أن يعرفَ كيف يتعاملُ مع استمرار توغل مقاتلي المقاومة في مستوطنات غلاف غزة، وهو ما أكّـد أن لجوءَه إلى الإجرام كان مدفوعاً بالذعر والشلل الذي خلقته عملية “طوفان الأقصى”؛ باعتبَارها أكبرَ وأخطرَ هجوم تعرض له الكيان منذ قيامه.
وفيما بدا أنَّ كيان الاحتلال يحاول الضغط على المقاومة من خلال استهداف المدنيين لإيقاف عملياتها، أظهرت المقاومةُ ثباتاً كَبيراً وحنكةً في التعامل مع وحشية العدوّ، وعكست الضغطَ بتأكيدات على مواصلة استهداف عمق العدوّ، وإنذارات قوية بخصوص سلامة أسراه، مع تلويحٍ بالمخاطر الإقليمية المترتبة على تصعيد الإجرام والاعتداءات.
فوضى وتخبُّطٌ داخلَ صفوف جيش الاحتلال:
الإرهابُ الذي لجأ إليه العدوُّ بالاستهداف الوحشي للمدنيين ووسائل الإعلام في قطاع غزة، لم يفلحْ في تعويض الهزيمة الواسعة والتخبط الكبير الذي يعيشُه على كُـلّ المستويات، وعلى رأسها المستوى العسكري؛ إذ لجأ جيشُ الاحتلال إلى تجنيد 300 ألف ضمن خطة استدعاء قوات الاحتياط، وقد شمل ذلك استدعاءَ أطباء وسائقين وحُرَّاس أمن، وهو ما كشف بوضوح عجزاً واضحًا عن تغطية الجبهات التي فتحتها المقاومةُ داخل المستوطنات.
مع ذلك، نقلت وسائلُ إعلام العدوّ عن الكثير من المجندين الذين تم استدعاؤهم، أنهم فوجئوا عند وصولهم إلى القواعد العسكرية بعدم وجودِ تجهيزات، حَيثُ قال أحدُ المجندين لصحيفة “معاريف” العبرية: إنَّ “الوضع فظيع جِـدًّا وهناك نقصٌ حادّ في المعدّات القتالية الأَسَاسية ولا توجد لأيِّ أحد دروعٌ وخُوَذٌ وسترات واقية ولا أية وسائلَ نحمي بها أنفسنا في خلال القتال”، وَأَضَـافَ أنَّ جيش الاحتلال أوكل إلى من تم استدعاؤهم مهاماً لم يتدربوا عليها، وسخر من قيام بعض الوحدات “بجمع التبرعات” قائلًا: “نحن لسنا بحاجةٍ إلى المال، نحن بحاجة إلى سترات واقية، وليس من المنطقي أنَّ الجيش ليست لديه ستراتٌ كافية لتوفير الحماية لمقاتليه”.
وإلى جانب ذلك، كشفت وسائلُ إعلام العدوّ أنَّ جيشَ الاحتلال يعاني الأمرَّين خلالَ المواجهات المباشِرَة مع المقاومين الفلسطينيين داخل المستوطنات، حَيثُ أوضحت أنه يخوضُ اشتباكاتٍ “عنيفة ومرهقة” ويتكبد فيها خسائرَ، وعند الوصول إلى مصدر النيران، يكتشف أن كان يواجه مقاتلاً واحداً فقط من مقاتلي المقاومة، الأمر الذي يكشفُ عن استمرارِ الفشلِ الاستخباراتي والمعلوماتي التام، كما يفضح عجزاً مخزياً لجنود الاحتلال في قراءة الميدان ومواكبة أساليب المقاومة.
هذا الفشلُ توضحه أَيْـضاً التأكيداتُ المُستمرّةُ للمقاومة بخصوصِ تبديل المجاهدين على جبهات المقاومة وإرسال الدعم لهم عبر مسارات إمدَاد لم يستطع العدوُّ حتى أن يحدّدَها أَو يتعاملَ معها، كما تؤكّـدُه الخسائرُ التي يتم إعلانها باستمرار في صفوف جيش الاحتلال، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 124 قتيلاً بين جندي وضابط.
المستوطنون بين الرعب والسخط:
ولا تقتصرُ مشاكلُ العدوّ داخل مستوطنات غلاف غزة على العجز العسكري عن المواجهة؛ إذ تحدثت وسائل إعلام صهيونية عن عمليةِ إخلاء عددٍ من المستوطنات بشكل كامل، وهو تطور كبير يرسل رسالة واضحة للمستوطنين بأن جيش الاحتلال غير قادر على حمايتهم وأن سبيلهم الوحيد إلى النجاة سيكون دائماً المغادرة، وهي رسالة يبدو أنها قد وصلت مبكراً، حَيثُ يزدحم مطار بن غوريون بشكل مُستمرّ بالمستوطنين الذين يحاولون المغادرة.
والحقيقة أنَّ علاقة المستوطنين بحكومة الاحتلال وجيشه قد تزعزعت بصورة كبيرة منذ اليوم الأول، فإلى جانب فشله في حمايتهم من هجمات المقاومة وتوغلاتها، يواجه كيان العدوّ سخطاً كَبيراً فيما يتعلق بعجزه عن التعامل مع ملف المفقودين والأسرى، حَيثُ يرى المستوطنون أنَّ حكومة الاحتلال لا تعير أقاربهم الأسرى والمفقودين أي اهتمام، وهو استنتاج مبني على تصريحات رسمية أظهرت لا مبالاة واضحة بمصيرهم فيما يتعلق بالقصف على غزة.
استنجاد بالغرب وتعويل على الأحقاد الهمجية المشتركة:
عجزُ جيشِ الاحتلال عن التعامل مع الوضع داخل مستوطنات غلاف غزة، بعد مرور أربعة أَيَّـام على بدء المواجهة، يعتبر فضيحة كبرى، تؤكّـدُهُ بوضوح تصريحات قادة الكيان التي تستنجد بشكل مخزٍ على المساندة العسكرية الأمريكية، وتعول على الدوافع الهمجية المشتركة بين الكيان وحلفاءه الغربيين مثل العنصرية ضد العرب.
وفي هذا السياق، واصلت العديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، التعبير عن اصطفافها العدائي الواضحِ مع الكِيانِ الصهيوني ضد الفلسطينيين، واعتبار جرائمه بحقهم “دفاعاً عن النفس”، وهو ما يأتي بالتوازي مع تضليل واسع تقوده وسائل الإعلام الغربية في السياق نفسه، حَيثُ يتم تجاهل المجازر المروعة التي تُرتكب بحق الأبرياء في قطاع غزة، في مقابل حشد عناوينَ “إنسانية” للتعاطف مع المستوطنين، وإبراز عمليات المقاومة كممارسات “إرهابية”.
ومع ذلك، فَــإنَّ تعويلَ الكيان الصهيوني على دول الغرب يبدو أكبر من حجم المساعدة الفعلية التي يمكن أن تقدمه له، فالولايات المتحدة -وبرغم إعلانها عن إرسال دعم عسكري ضخم- تبدو قلقةً بوضوح من توسُّع رَقعة المعركة ودخول أطراف إضافية من محور المقاومة فيها، خُصُوصاً أنَّ هذا الأخير قد حذَّر بوضوح من أنَّ التدخل الأمريكي المباشر وتصعيد الجرائم ضد الفلسطينيين قد يقودُ إلى انفجارٍ واسع، وهو ما صرّح البيتُ الأبيض بأنه لا يريدُ حدوثَه.
وبالتالي، لا يبدو أن الدعمَ الغربي سيصلُ إلى مستوى تحقيق الأهداف عالية السقف التي أعلنها الكيان الصهيوني، كالقضاءِ على المقاومة ومسح قطاع غزة، وما إلى ذلك من شطحات، بل يبدو أنَّ جزءاً كبيراً من هذا الدعم “معنوي” حتى الآن.
وعلى أية حال، فقد أعلنت المقاومةُ الفلسطينية بوضوح أنها مستعدةٌ لمعركة طويلة وواسعة، وقد بعث حزب الله برسالة عملية على الاستعداد لأية متغيرات من خلال الرد السريع على استشهاد ثلاثة من مجاهديه بقصفٍ صهيوني على الحدود اللبنانية الفلسطينية مساء الاثنين.
وبالإجمال، فَــإنَّ طموحاتِ وآمالَ الكيان الصهيوني لا تبدو واقعيةً، بل متضخِّمَةٌ؛ بفعل الذعر والشعور غير المسبوق بالهزيمة والتهديد، ولا تزال الحقيقةُ الثابتةُ على الأرض حتى الآن هي عجزه وفشله عن السيطرة على الأوضاع أَو التعامل معها، واستمراره بتكبد خسائرَ غيرِ مسبوقة.