ملحمةُ “طوفان الأقصى” في أسبوعها الأول.. قدراتُ المقاومة في تصاعُدٍ مُستمرٍّ

المسيرة | متابعة خَاصَّة:

مع انقضاءِ الأسبوع الأول من معركة “طوفان الأقصى” الملحمية، يَظهرُ كيانُ الاحتلال وكأنه لا يزال يحاولُ استيعابَ الضربةِ الأولى التي تلقاها في الـ7 من أُكتوبر، السبت الأسود الفائت، ولا يزال يعمل على الحد من تداعياتها الاستراتيجية عليه، في ظل فداحة الخسائر التي لحقت به، وعمق الخروقات التي استطاعت المقاومة الفلسطينية إحداثها في جدار هيبته، وعلى طريق ذلك، عزَّز كيان العدوّ من قصفِه الهمجي على غزة، خلال أَيَّـام الأسبوع الفائت، بتدمير المنازل على رؤوس ساكنيها، واستهداف المدنيين العُزّل والنساء والأطفال، وطواقم الإسعاف والمساجد والمدارس، وقصف الأبراج والمكاتب الإعلامية، فضلاً عن استخدام القنابل الفوسفورية المحرّمة دوليًّا.

 

معادلةُ وحدة الساحات تُبطِلُ منسوبَ عدوانية العدو:

يدركُ العدوّ جيِّدًا أن ما أعلنه من نيّته القضاء على المقاومة في غزة بعيد المنال؛ إذ إنَّ أية محاولة لتنفيذ هذه النية ستعني توسيع دائرة المواجهة، في ظل معادلة “وحدة الساحات” التي رسّختها قوى المقاومة سابقًا، والتي يصعب عليه أبطالها برفع مستوى العدوانية، ولعل استنفار قوات الاحتلال في شمال فلسطين المحتلّة، ودويّ صافرات الإنذار هناك باستمرار، فضلاً عن الدعوات إلى الاختباء في الملاجئ، كلُّها تشيرُ إلى حجمِ الإرباك الذي تشكله الجبهة الشمالية للعدو حَـاليًّا، حَيثُ يخشى اشتعالها هي الأُخرى، ولا سيما في ظل عدمِ تمكُّنه من تحمُّل جبهة غزة وحدَها، وانشغاله بمحاولة “تأمين” الحدود من أية اقتحامات إضافية، بدلاً عن شن هجمات ميدانية، فيما لم يستطع حتى الآن السيطرة بشكل كامل على “الغلاف”، مع استمرار مجاهدي المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عمليات تسلُّل إلى داخله.

هنا، أعلنت الفصائلُ الفلسطينية، الجمعة، سابعَ أَيَّـام الطوفان، عن بدء حملة استهداف واقتحامات واسعة لمستوطنات غلاف جنين والحواجز العسكرية في الضفة الغربية المحتلّة، وقالت سرايا القدس – كتيبة جنين، في بيان: “نعلن بدء حملة استهدافات واقتحامات واسعة لمستوطنات غلاف جنين والحواجز العسكرية ردّاً على العدوان”، كما قالت قوات العاصفة – الجناح العسكري لحركة فتح، في الضفة: “يقوم مقاومونا مع فصائل أُخرى بالاشتباك واقتحام المستوطنات المقامة في جنين ضمن “طوفان الأقصى”.

 

المقاومةُ تتفوَّقُ ميدانيًّا وقدراتُها لم تتضرر:

أكّـدت مصادرُ إعلاميةٌ في المقاومة، أن المجاهدين في غزة، واصلوا على مدار أَيَّـام الأسبوع الفائت، تنفيذ عملياتهم العسكرية في مناطق “غلاف غزة، خلافاً للإعلان “الإسرائيلي” عن القضاء عليهم، مضيفةً أن المجاهدين الفلسطينيين “نفّذوا عمليات إنزال جوي وعمليات إبرار بحري، إلى جانب عمليات التحام ومواجهة وتسلّل، وخاضوا اشتباكات مع قوات الاحتلال في عدة مناطق في الغلاف”.

وتفيد المعلوماتُ والتقاريرُ الميدانية أنه وعلى الرغم من القصف الهمجي من قبل جيش العدوّ، لم تتضرّر قدراتُ المقاومة، وأن جميع استهداف الاحتلال تتركّز على المدنيين العُزّل؛ بهَدفِ الضغط على الحاضنة الشعبيّة”، مضيفةً أن المقاومة “تنفّذ خطتها بقوة واقتدار، ولا تزال مفاعيل التحكّم والسيطرة لديها تعمل بجودة عالية جِـدًّا وهي تدير المعركة وتُفقد الاحتلال القدرة على المبادرة أَو على إضعاف قدراتها العسكرية”، ودائماً ما تؤكّـد “كتائب القسام” تمكّنها، من القيام كُـلِّ 48 ساعة، باستبدال المقاتلين في المحاور المشتعلة مثل: “زيكيم – عسقلان – صوفا” والتي تشهد اشتباكات عنيفة، ومحاور أُخرى.

كما نفّذت المقاومةُ، خلال الأسبوع الفائت، سلسلةَ عمليات إطلاق صواريخ مكثّـفة على منطقة “غلاف غزة”، وعلى مدن في الداخل المحتلّ، تركّز أكثرها على عسقلان، وذلك ردّاً على استمرار تهجير المدنيين من غزة، وضمن معادلة “التهجير بالتهجير”، التي أعلنها الناطق باسم “كتائب القسام”، أبو عبيدة، منتصف الأسبوع، وأفَادت وسائل إعلام العدوّ بوقوع “أضرار كبيرة جداً” في عسقلان؛ بسَببِ سقوطِ أعداد كبيرة من الصواريخ التي أطلقت من غزة، فيما تحدّثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن إصابة 12 إسرائيلياً من جراء القصف.

وبحسب تقاريرَ “إسرائيلية”، كانت قد سجلت في عسقلان وحدها تضرر أكثر من 1460 مبنىً، و534 مركبة، في حين سُجّلت في تل أبيب إصابة 850 مبنى، و288 سيارة، على الأقل، من جرّاء إصابات صاروخية، منذ بدء معركة “طوفان الأقصى”، وقصفت صاروخية المقاومة برشقات صاروخية مناطق في “تل أبيب” ومطار “بن غوريون” وبئر السبع وأسدود المحتلّة، كما، قصفت مدينة حيفا المحتلّة بصاروخ من طراز «R160»، وأطلقت صاروخين من طراز “متبر1” تجاه طائرات الاحتلال في سماء خانيونس، واستهدفت مُسيّرة صهيونية من نوع “هيرمز” في سماء غزة الوسطى بثلاثة صواريخ من الطراز نفسه، أَيْـضاً، هاجمت مربضاً للآليات والأفراد شرق غزة بطائرتين انتحاريتين من طراز “الزواري”، فيما نشرَ “الإعلامُ العسكري لكتائب القسام”، أمس، مشاهدَ من اقتحام موقع إسناد مدرّع تابع لكتيبة “كيسوفيم” شرق محافظة خانيونس، وقتل وأسر من فيه.

إلى ذلك، استهدفت كتائبُ القسام الجمعة، مقرَّ قيادة المنطقة الشمالية الصهيونية في صفد المحتلّة بصاروخ “عياش 250″؛ رداً على التهجير والمجازر بحق المدنيين، وأفَاد موقع “واينت” الإسرائيلي بأن الصاروخ الأخير أبعد صاروخ يطلق من غزة على الإطلاق بما في ذلك الحروب السابقة، كما كشفت وسائل إعلام فلسطينية عن تصاعد الدخان في صفد شمال فلسطين المحتلّة بعد إطلاق القسَّام “صاروخ عياش 250”.

وفيما يتعلق بالمسار العملياتي، يرى مراقبون أنهُ يشيرُ إلى مسألتَين:-

“أولاً: يُظهر أن الاشتباك قد يحدث على الأرض والبحر وفي الجو”، وثانيًا: “يُشير إلى أن المواجهة ليست بالضرورة مقتصرة على إطلاق الصواريخ، بل إن جميع سيناريوهات عملية غلاف غزة قد تمت دراستها ووُضعت بعناية في غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بجميع تفاصيلها”.

وإضافة إلى ذلك، هناك مفاجآت أُخرى في الطريق، وهي القدرات العسكرية المتاحة التي ستستخدم بشكل قريب، يعتقد القادة العسكريين في المقاومة أنهم سيستخدمون هذه القدرات بحذر وبمرونة وفقًا للمستجدات، حَيثُ “إذا ارتفع عدد الشهداء والجرحى نتيجة للقصف الإسرائيلي، ستتم زيادةُ إطلاق الصواريخ والقذائف وإحداث تعطيلات في الاقتصاد الإسرائيلي”.

ويعتبر مراقبون أن النقطةَ الأكثرَ أهميّةً هي أن هذه العملية التي جذبت انتباه العدوّ “الإسرائيلي” مجدّدًا، حَيثُ أصبح من الواضح أن غزة ليست الوحيدة التي تقاتل، وأن سلاحَ المقاومة لم تعد تقتصر على إطلاق الصواريخ فقط، بل تشمل الآن عمليات “كوماندوز” واحتلال الأراضي وتطهيرها، واختطاف الأسرى، وإجراء مواجهات مباشرة.

 

معادلةُ الأسرى و “تبييض السجون الإسرائيلية”:

خلال الأسبوع الفائت، شهدنا عمليةً واسعةً تم التخطيطُ لها بدقة من قبل المقاومة الفلسطينية، تم خلال هذه العملية الأخذ بعين الاعتبار كُـلّ العوامل والتداعيات المحتملة والنتائج المرتقبة، ورغم الثمن الباهظ الذي يدفعه سكان القطاع وأفراد كتائب القسام وكوادر حركة حماس، إلا أنها تمثلت في عملية دقيقة ومدروسة لتحقيق أهدافها.

طوال 75 عاماً من التاريخ الزائف لهذا النظام، عاشت السلطاتُ الصهيونية دائماً كابوساً مفادُه أنها ستستيقظ ذات يوم على صَوتِ الأحذية الفلسطينية، لكن الآن أصبح هذا القلق المُستمرّ حقيقةً واقعةً، وقد هاجم الشبابُ الفلسطيني المستوطنات الصهيونية، وتم انتزاعها من المحتلّين.

ومنذ أن بدأت المقاومة الفلسطينية معركة “طوفان الأقصى” بعناصرَ متكاملة من الاستخبارات والتحضير والمفاجأة والإدارة الذكية، إضافةً إلى قتل وجرح الآلاف من الصهاينة، فقد أسرت عدداً كَبيراً من جنود الاحتلال والمواطنين، وفي اليوم الأول حقّقت أحد أهم أهدافها العملياتية، وشكّلت المقاومة بإنجازاتها الميدانية غير المسبوقة فصلاً جديدًا في تاريخ الصراع بين فلسطين والكيان الصهيوني، سيغير المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.

حيث تؤكّـدُ قيادةُ حماس أن وجودَ العشرات من الأسرى “الإسرائيليين”، سواءٌ أكانوا عسكريين أَو مدنيين، يمثل ورقة رابحة على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه أهالي القطاع جراء قصف الطيران “الإسرائيلي”، وتشير تقارير ميدانية، أنهُ في حالة استمرار صمود المقاومة مع القدرة على الاحتفاظ بالأسرى، فإن حركة حماس ستمتلك ورقة قوية قد تؤدي إلى تحرير الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال “الإسرائيلي”.

عبارةُ “تبييض السجون” تُستخدم حتى في إطار المناقشات والتحاور بين كبار قادة حركة حماس على الصعيدين السياسي والعسكري، وهؤلاء القادة الذين قامت عدة حكومات ووسطاء بالتواصل معهم؛ بهَدفِ التوصل إلى حَـلّ وتحقيق تقدم في التسوية، وكانت العملية تركّز أَسَاساً على مسألتَينِ:-

الأولى: إظهار قدرة كتائب القسام وفصائل المقاومة على القتال والتقدم برا وجوا نحو المواقع الإسرائيلية المحصنة وشن هجمات ضدها، مؤكّـدة بذلك القدرة على التصدي للعدو، واستخدام مسألة الأسرى “الإسرائيليين” كوسيلة استراتيجية لتحقيق أهداف المقاومة، حَيثُ تمتلك حركة حماس فرصة لتحرير العديد من الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجون الاحتلال “الإسرائيلي” من خلال المفاوضات والمساومات.

الثانية: فيما يتعلق بتآكل قوة الردع “الإسرائيلية” في وجه أجيال الفلسطينيين، فإن الهدف كان تسليط الضوء على تدهور هذه القوة على مر الأجيال، حتى في الضفة المحتلّة، وأشير إلى أن الوقت قد حان لزيادة تكلفة الاحتلال الصهيوني، وأن هناك فرصةً لمواجهة الاحتلال وتحقيق أهداف متصلة ومتناسقة، حتى على الرغم من مرارة التكلفة وزيادة عدد الضحايا بين السكان الفلسطينيين غير المحصنين الذين يتعرضون لقصف الطيران “الإسرائيلي”، والتي أَيْـضاً عكست للمجتمع “الإسرائيلي” عدم اكتراث كيان العدوّ لأسراه، حَيثُ أعلنت المقاومة مقتل 13 أسيراً “إسرائيلياً”، من بينهم أجانب، في الغارات “الإسرائيلية” على قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، مشيرةً إلى “أنّ 6 منهم قتلوا في محافظة الشمال، فيما قضى 7 في محافظة غزة”، وكانت قد أعلنت بدء الطوفان عن مقتل 3 منهم.

ويجدر بالذكر أن أية عملية اقتحام بري ستشهدُ تصاعدًا في مستوى الاشتباك مع أطراف أُخرى في الإقليم، وقد يتطلب استخدامَ مدفعية ثقيلة مثل بعض القطع الثقيلة التي نُشرت بواسطة قواعد الجيش الإسرائيلي باتّجاه غلاف غزة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى بدء مرحلة جديدة من العمليات داخل الأراضي الفلسطينية، ويبدو أن الرهان لا يزال مُستمرّا وصامدًا على تحريك معطيات المقاومة وزيادة الاحتكاك في مناطق الضفة الغربية، وفقًا لمصادر حركة حماس، فإنها تمتلك أَيْـضاً سيناريوهات للتحريك في الضفة الغربية المحتلّة، حَيثُ تكون كوادرها جاهزة للمشاركة في الاحتكاك، ومن المتوقع أن تتضمن هذه العمليات استخدام قذائف صاروخية صغيرة واقتحام مستوطنات في الضفة الغربية، ما قد يشكل مفاجأة إضافية للعدو في المستقبل القريب.

 

عواقبُ التفريط بقضية الأسرى الصهاينة على “تل أبيب”:

لا شك أن مئاتِ الأسرى الصهاينة في سجون فصائل المقاومة شكلوا ضربة موجعة للمحتلّين، وهذا الموضوع يمكن أن يسبب إرباكًا في صفوف قوات الأمن التابعة للنظام الصهيوني؛ فالإعلانُ عن أسر الصهاينة ونشر صُوَرِهم على شبكات التواصل الاجتماعي يُضعِفُ بشدة معنويات الجنود الصهاينة ويجعلهم خائفين من مواجهة قوات المقاومة.

باعتبار أن الجنود والضباط الصهاينة هم في غالبيتهم من المرتزِقة الأجانب أَو الذين التحقوا بالجيش للحصول على حق الإقامة أَو العثور على عمل ودخل مالي، وذلك على الرغم من الحافز الوطني والديني العالي لقوى المقاومة المدربة تدريباً جيِّدًا على حرب العصابات، والحروب غير المتكافئة، فإنهم يشعرون بقلق بالغ بشأن تعرضهم للقتل والأسر.

وفي هذا الصدد، قال ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية للكيان الصهيوني: “إن التمردَ في الجيش امتد تدريجيًّا من قوات الاحتياط إلى أجزاء من الكادر والجنود النظاميين”، وتابع، إن “في وحدات النخبة في الجيش، يجتمع القادة مع ضباط يقولون إنهم لا يريدون أن يكونوا في جيش يهينه أعضاء الحكومة وأعضاء الكنيست ويخدمونه؛ إنهم لا يعرفون كيفية التعامل معها”.

وترى وسائلُ الإعلام العبرية، أن “إضعافِ معنويات العدوّ يمكن أن يستمر في مصلحة المقاومة التي أعدت نفسها لأي سيناريو ولا تخشى حتى حرباً بريةً مع الجيش الصهيوني في قطاع غزة؛ لأَنَّ كُـلّ الخطط تم تقييمها ومراجعتها مسبقًا، جديرٌ بالذكر أن جيش الاحتلال هو الجيش الوحيد في العالم الذي لا يحمي القوات العاملة في الميدان ويفضل قتلهم بدلاً عن أسرهم، وبدلاً عن التفاوض مع العدوّ لإطلاق سراحهم، لكن ومع وجود مئات الأسرى الصهاينة في أيدي المقاومة الفلسطينية سيضيق المجال أمام حكومة نتنياهو المتطرفة، ولا شك أن المتطرفين قلقون من إمْكَانية أن تصبح قضيةُ الأسرى أدَاةً في يد المعارضة لإسقاط الحكومة، والحقيقة أن نتنياهو يجد نفسه الآن أمام معادلة خاسرة مزدوجة”.

وتضيف، “إذا كان على استعداد لقبول شروط المقاومة لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة فسيتم اتّهامُه بالمحاباة، وَإذَا رفض قبول الشروط سيواجه انتقادات من المجتمع لعدم قدرته على إعادة الأسرى وتعريض حياتهم للخطر”، ومن ناحية أُخرى، فإن “تهديدات مجلس الوزراء الصهيوني فيما يتعلق بالتحضير للدخول البري إلى قطاع غزة ستؤدي بالتأكيد إلى خطر تدمير قضية الأسرى السابقين وزيادة عدد الأسرى الصهاينة؛ الأمر الذي سوف يُربِكُ الجيشَ أَيْـضاً والقادة السياسيين”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com