قضيةُ توطين الفلسطينيين في سيناء.. التفاصيلُ والأبعاد
المسيرة | متابعات*:
في الساعات الأخيرة، أصبح هناك تصاعُدٌ في الحديث في مصر بشأن مخطّط يهدف إلى توطين الفلسطينيين في البلاد، يُذكر أن هذا الحديث تم تداوله سابقًا خلال فترة حكم الرئيس المصري محمد مرسي في عام 2012م، وقد أثار آنذاك العديد من الجدل والمخاوف.
وفي الوقت الحالي، يُجدد الحديث حول هذا المخطّط؛ ما أثار قلقًا لدى البعض واستياء لدى آخرين، وفي هذا السياق، يرى د. عبد العليم محمد، المستشار بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بصحيفة الأهرام، أن محاولة تهجير الفلسطينيين إلى مناطق في مصر، بما فيها شبه جزيرة سيناء، هي مخطّط قديم، نُظر إليه بجدية كبيرة من قِبَل الإسرائيليين.
وأشَارَ إلى أن مصر رفضت مثل هذه الفكرة في السابق، وهذا الحديث يثير مخاوف وتساؤلات لدى العديد من الأشخاص، حَيثُ يُعتبر توطين الفلسطينيين في مصر قضية حساسة تتعلق بالهُــوِيَّة والسيادة الوطنية وتطلب مناقشة شاملة ومستقبلية للتحديات المحتملة المرتبطة بهذا الموضوع.
مشروع إسرائيليّ خطير:
مع وصول الرئيس الإخواني إلى الحكم، تجدد الحديث حول هذا الموضوع، وعلى الرغم من تاريخ هذا المخطّط، إلا أن مصر تبقى معنية بشكل كبير بالصراع الدائر بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، وتدرك جيِّدًا خطورة هذا الأمر.
د. عبد العليم محمد يشير إلى أهميّة توفير الخدمات الأَسَاسية مثل الكهرباء والغاز والمياه لسكان قطاع غزة، وهو يجدد التأكيد على خطورة قطع هذه الخدمات، حَيثُ يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في القطاع وضغط كبير على الفلسطينيين، ويسأل عما سيبقى لدى الفلسطينيين للعيش والبقاء في ظل هذه الظروف الصعبة، مُشيراً إلى أن هذا الوضع قد تكرّر في السابق.
وهذا الحديث يجلب إلى الواجهة ضرورة التعامل مع الأزمة الإنسانية في قطاع غزة بأكثر من مُجَـرّد مساعدات إنسانية، ويطرح أَيْـضاً التساؤلات بشأن الحلول المستدامة والسبل لتخفيف معاناة الفلسطينيين هناك، وأكمل قائلًا: “مصر تجد نفسها مواجهة احتمال وجود هذا المخطّط ويتعين عليها التفكير بجدية كبيرة حول كيفية التصدي له”.
إضافة إلى ذلك، لم يستبعد أن تكون “إسرائيل” ترغب في استخدام هذا المخطّط لتحقيق أهدافها السياسية بطريقة غير شرعية، وشدّد على أن مصر لديها القدرة والقوة لمواجهة هذا المخطّط، وهو ليس بصراحة عداء للفلسطينيين، وإنما استجابة لضرورة ألا تكون مصر على استعداد لتحمل أعباء “إسرائيل” في ما يتعلق بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بكاملها دون تقصير.
وأشَارَ إلى أن مصر لديها خبرة طويلة في استضافة ودعم اللاجئين، حَيثُ استضافت ملايين اللاجئين من مختلف الدول، ما يجعلها ملتزمة بمساعدة الفلسطينيين وتقديم الدعم لهم في حالة الحاجة، هذا يعكس تاريخاً طويلاً من التضامن والتعاون بين الشعبين المصري والفلسطيني.
وختم عبد العليم محمد أن، الفلسطينيين رفضوا هذا المخطّط الذي يهدف لتوطينهم في مصر، وذلك بناءً على اعتزازهم بأرضهم وحقوقهم، وعلى قناعتهم بأن مصر تحترم هذه الحقوق وتقف إلى جانبهم في صراعهم المشروع مع “إسرائيل”، وفيما يتعلق بالخطوات اللازمة التي يجب اتِّخاذها، أوصى د. عبد العليم محمد بأن مصر يجب أن تتخذ خطوت دبلوماسية وسياسية للتواصل مع المجتمع الدولي وشركائها الإقليميين، ينبغي على مصر تقديم رؤيتها الوطنية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتسليط الضوء على الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون.
علاوة على ذلك، ينبغي على مصر أن تعمل على تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية مثل السعوديّة وتركيا، حَيثُ يمكن لهذه الدول تقديم الدعم والضغط الدبلوماسي الضروري لحماية حقوق الفلسطينيين.
محاولة لتهجير الإسرائيليين:
يؤكّـد مراقبون على أنهُ، يجب على مصر أن تستخدم نفوذها السياسي والدبلوماسي لدعم القضية الفلسطينية وتقديم مساهمة فعّالة في جهود إيجاد حَـلّ سلمي للصراع الدائم في المنطقة، كما أن الدعم الأمريكي والغربي لـ”إسرائيل” سيستمر ما دامت “إسرائيل” تمارس سياستها الحالية وتمضي في تنفيذ سياساتها في المنطقة، وهذا الدعم يأتي بمختلف الأشكال، بما في ذلك الدعم السياسي والمالي والعسكري، ومع ذلك، سيستمر أَيْـضاً إلى أن يتم تحقيق إصلاحات شاملة وعادلة في العلاقات بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وحينها قد تنخفض أَو تتغير ديناميات الدعم.
ومن ناحية أُخرى، أثار محللون تساؤلًا حول ما إذَا كان الوضع الحالي في القدس والأقصى يمكن مقارنته بحدوث بيرل هاربر الذي شهد هجومًا يابانيًا على القاعدة البحرية الأمريكية في هاواي في عام 1941م، وأدى إلى دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية.
هذا التساؤل يشير إلى القلق من تصاعد التوترات في المنطقة وإمْكَانية أن تؤدي الأحداث الحالية إلى تصاعد أكبر وصراعات جديدة في المستقبل، وأعرب عن قلقه من أن تكون الأحداث الحالية تذكيرًا بحدوث حوادث تاريخية مأساوية مثل حادث بيرل هاربر. وهذا يشير إلى مخاوف من تصاعد التوترات وتصاعد الصراعات في المنطقة.
من ناحيته، أكّـد السفير د. عبد الله الأشعل على مخاوفه المتعلقة بأن “إسرائيل” قد تستغل التوترات الحالية لتكثيف الهجمات على قطاع غزة؛ بهَدفِ دفع الفلسطينيين للنزوح إلى سيناء؛ ما يسهل تنفيذ مشروع دولة فلسطينية في تلك المنطقة ويسمح لـ”إسرائيل” بالتحكم في فلسطين وجلب المزيد من اليهود إليها.
مع الحديث أن مصر تتمسك بقدسية أراضيها وتؤكّـد حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين، كما أكّـدت مصر رفضها لمخطّط “إسرائيل” الذي يهدف إلى القضاء على قطاع غزة والمقاومة. وشدّد على أن مقاومة الاحتلال مشروعة ما دام الاحتلال قائمًا.
الإعلامي المصري مصطفى بكري أشار إلى أن هناك حاجةً ملحةً إلى جلسة نقاشية تجمع الخبراء والمتخصصين لمناقشة التطورات الحالية في قضية فلسطين والسيناريوهات والمخطّطات المحتملة. يرى أنه تجب مناقشة مخطّط تفريغ غزة وإطلاق مشروع دولة غزة الكبرى في سيناء والتحدث عن مخاطر ذلك بشكل موسع. ودعا إلى أن تكون هذه الجلسات مشابهة لجلسات حكاية وطن تمهيدا لفهم أعمق للتحديات والاستراتيجيات الممكنة في مواجهة هذه المخاطر.
وفي برنامج الإعلامي أحمد موسى، استضاف رجل الأعمال محمد أبو العينين، حَيثُ تحدثا عن رفضهما لما سمياه “الوطن البديل للفلسطينيين”، وعبّرا عن موقفهما الرافض لأي مخطّط يهدف إلى تفريغ غزة وإنشاء دولة فلسطينية بديلة في منطقة سيناء.
أبو العينين أعرب عن قلقه من مخاطر تنفيذ ما يُعرف بـ “صفقة القرن”، والتي تتضمن محاولة تنفيذ مخطّط لتفريغ قطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية بديلة في منطقة سيناء.
وأشَارَ إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة، بما في ذلك حركة حماس والجهاد الإسلامي، قد تم نفيهم من الضفة الغربية منذ عام 1948، وعلى الرغم من حق العودة المشروع لهم، إلا أن “إسرائيل” رفضت هذا الحق بشكل كامل، بدلاً من ذلك، قامت “إسرائيل” بطرح فكرة إيجاد وطن بديل لهؤلاء الفلسطينيين في سيناء.
الخلاصة، إخلاء أراضي رفح المصرية والمسافة التي تم إخلاؤها؛ مِن أجل منع إنشاء الأنفاق يُعد أحد تدابير الأمان الحدودي والأمني المهمة التي اتخذتها السلطات المصرية، تلك الإجراءات تهدف إلى التصدي للتهريب والأنشطة غير الشرعية عبر الحدود بين مصر وقطاع غزة.
يعتبر تفريغ وتأمين هذه المنطقة من الأنفاق إجراء ضروريًا للأمان الوطني، ولا سيما مع استمرار النزاعات والتوترات في المنطقة، وقرار إخلاء الأراضي ليس متعلقًا بأية محاولة لتوطين الفلسطينيين في مصر أَو إقامة دولة فلسطينية بديلة في سيناء، بل هو؛ بسَببِ التحديات الأمنية والتهديدات الإرهابية التي تشكلها الأنفاق التي تمتد من غزة إلى مصر، ويجب أخذ مثل هذه الإجراءات في سياق أمني وعسكري، ولا تشير بالضرورة إلى تنفيذ مخطّط لتوطين الفلسطينيين في مصر، تتعامل الحكومة المصرية مع الأمور الحدودية والأمنية بمرونة وحسب الحاجة لضمان سلامة المواطنين وأمن الحدود.
* الوقت التحليلي