“طوفانُ الأقصى” بعد أسبوع: فلسطينُ ليست وحدَها
المسيرة | خاص
بعدَ مرورِ أسبوعٍ على انطلاقها، تواصلُ معركةُ “طوفان الأقصى” التأريخية فَرْضَ نفسِها على المشهدِ العالمي كأهم وأكبر حَدَثٍ راهن، وقد جعلت العالَمَ الغربي يستنفر طل قوته السياسية والعسكرية والدعائية بشكل غير مسبوقٍ، نازعًا عن وجهه أقنعة الحقوق والحريات، وكاشفًا عن كُـلّ قبحه وعنصريته وإجرامِه، في مواجهة المقاومة الفلسطينية التي بعد أن نجحت في توجيهِ الصفعة الأقسى للكيان الصهيوني في تأريخه، تقدمت نحو تثبيت معادلات واقع ما بعد هذه الصفعة، من خلال مواصَلة التنكيل بالعدوّ والثبات في وجه إجرامه المتصاعد وتضليله الإعلامي الفاضح، إلى جانبِ التنسيق الواسع مع محور المقاومة؛ لقطع الطريق أمام أية محاولات غربية لتجاوز المعادلات الجديدة، سواء بالحيلة أَو بالقوة.
المقاوَمَةُ تحافظُ على مكاسبِ النصر والعدوُّ يتخبُّط:
قالت وسائلُ إعلام صهيونية، الجمعة: “إن خسائر كيان الاحتلال وصلت إلى 1500 قتيل وأكثرَ من 3400 جريح، في حصيلة تأريخية تمثل عنوانًا واضحًا لأكبر هزيمة تلقاها الكيان على أيدي المقاومة الفلسطينية، علمًا بأن الأرقامَ لا تزالُ مرشَّحةً للزيادة، مع استمرار أبطال المقاومة بالتوغل الميداني وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيَّرة ضد المستوطنات، وَأَيْـضاً مع دخول الضفة الغربية على الخط بمواجهات مُستمرّة.
معادلةُ واقع جديد لم يستطع العدوّ طيلة أسبوع أن يغيِّرَ موازينَها الصادمة بالنسبة له؛ إذ لا يزال مسؤولوه يؤكّـدون باستمرار أن ما حدث كان صاعقًا وغيرَ مفهوم، ولا يزال رَدُّ فعلهم يتأرجح بين الوحشية ضد المدنيين في غزة، والتعويل على أمريكا، والتجنيد غير المسبوق من داخل ومن خارج الكيان، ومحاولة تسليح المستوطنين الذين وجدوا أنفسهم مُجَـرّدين من أكاذيب “جيش الدفاع” و”القبضة الأمنية” التي كانت تعطيهم الأملَ بالبقاء والاستقرار على أرض غيرهم.
“لا نتيجةَ مهمة” لكل هذه الخطوات -بحسب وسائل إعلام إسرائيلية-، فالمقاومة لا زالت تهاجمُ وتعزز مقاتليها على كافة الجبهات، بل وتتوعَّدُ بخيارات أُخرى مرعبة، منها: تنفيذُ اقتحام مماثل لما حدث يوم السبتِ الماضي، لكن هذه المرة من خارج فلسطين، بحسب ما أعلن الناطق باسم سرايا القدس قبل أَيَّـام، وهو ما يشيرُ بوضوحٍ إلى إعدادٍ مسبقٍ لخيارات واسعة تواكبُ تطوراتِ المعركة واحتمالاتها بصورة تجعل واقعَ هزيمة العدوّ حتميًّا.
وقد أثبتت المقاومةُ الفلسطينية طيلة الأيّام السبعة الماضية أنها قادرة على تصعيد العمل العسكري بخطط محكمة ومدروسة تبدو وكأنها لا تتأثر بحملةِ القصف والحصار الوحشية التي يفرضها العدوّ الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما يجعل العدوّ غيرَ قادر على توقُّعِ سقفِ ونوعية المفاجآت التي تنتظره، وبالتالي غير قادر على التعامل معها.
بل إن حملةَ القصف والحصار الوحشية ضد قطاع غزة تفسِّرُ بوضوح ارتباكَ وإفلاسَ العدوّ وعجزَه عن التعامل مع الوضع؛ إذ يبدو بوضوح أنه يحاولُ القفزَ على المعطيات العسكرية نحو معادلات أُخرى يفترَضُ أنها ستنهي عجزَه مرة واحدة بدون أن يضطرَّ للتعامل مع التفاصيل، وعلى رأس هذه المعادلات إبادةُ سكان القطاع، غير أن ذلك في الحقيقة مُجَـرَّدُ اندفاع انتقامي إجرامي، وليس استراتيجية مواجهة، كما أنه مخاطرةٌ بتلقي تصعيد معاكس وصفعات أُخرى.
الغربُ يحتشدُ خلفَ “كذبة”:
على وَقْعِ الهزيمةِ الإسرائيليةِ المُستمرّة، يندفعُ العالَمُ الغربي؛ لمساندةِ الكيان الصهيوني بصورة تعبر بوضوح عن حجم الصدمة غير المسبوقة التي يعيشُها منذ أسبوع؛ إذ تخلى بشكل فاضح عن “رزانته”، وبدأ بالاحتشاد خلفَ عناوينَ عُنصرية وهمجية فاضحة كالانتقام من الفلسطينيين وضرورة حماية “الشعب اليهودي”.
عناوينُ تم تعزيزُها بحملةِ تضليل وخداع هي الأكبر والأفضح، حَيثُ لجأ الرئيس الأمريكي بكل وقاحة إلى ترويج أكاذيب عن قيام المقاومة الفلسطينية بقطع رؤوس أطفال رضع، الأمر الذي اعتبره مراقبون محاولةً واضحةً لخلق عنوان حرب واسعة على غرار عناوين “مكافحة الإرهاب” و”أسلحة الدمار الشامل” التي استخدمتها الولاياتُ المتحدة؛ مِن أجل التدخل المباشر في الكثير من البلدان وتدميرها.
هذا أَيْـضاً ما أكّـده إصرارُ امبراطوريات الإعلام الغربي، على ترويج الكذبة بالرغم من انكشاف حقيقتِها على لسان مسؤولين صهاينة، بل إن البيت الأبيض نفسَه نفى أن تكون هناك أيةُ أدلة على قطع رؤوس أطفال رضع، لكن وسائل الإعلام الغربية تجاهلت ذلك تماماً ولجأت إلى ترويج صور مصمَّمة بالذكاء الاصطناعي لدعم هذه الكذبة، كما استخدمت مِنصةَ يوتيوب لبث إعلانات عنها، وقامت بإدراجها في موسوعة “ويكيبيديا” بكل وقاحة.
وبدا بوضوح أن هذا الإصرارَ على ترويج الكذبة وتثبيتها، يُخفِي وراءه نوايا لخطواتٍ تصعيدية واسعة ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته، أبرزُها “تهجير” الفلسطينيين من قطاع غزة واجتياحُه تحت عنوان القضاء على حركات المقاومة؛ وهو ما بدا أن العدوَّ الإسرائيلي يعوّلُ كَثيراً على الغرب لتحقيقه؛ مِن أجل ترميمِ الهزيمة المدوية.
محورُ المقاومة يوازِنُ المشهدَ واليمنُ في الصدارة:
الاحتشادُ الغربي وعناوينُه التضليلية قوبل بتأكيدات واضحة من قبل أطراف محور المقاومة، وعلى رأسها اليمن، بالتدخل العسكري المباشر في فلسطين، للرد على أية مشاركة غربية في استهداف الفلسطينيين، وبالمثل، قوبلت العناوين التضليلية الغربية، بتضامُنٍ جماهيري غير مسبوق على مستوى المنطقة والعالم، بما في ذلك اليمن الذي شهدَ، الجمعة، تظاهرات حاشدة في عدة محافظات؛ دعمًا وإسنادًا للمقاومة الفلسطينية وحقها المشروع في تحرير الأرض الفلسطينية.
الإعلانُ عن الاستعداد للتدخل المباشر إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وعن التنسيق المُستمرّ معها، ودخول حزب الله اللبناني على خَطِّ المواجهة بضربات محدودة لكن مؤثرة ودقيقة، جعل آمالَ العدوّ المعلقة على أمريكا والاحتشاد الغربي تبدو غيرَ مُجدية؛ لأَنَّ خيار التصعيد ضد غزة، سيشعل حربًا إقليمية ستكون نتائجها وتداعياتها مفتوحة على احتمالات مرعِبةً قد تصل إلى إزالة الكيان الصهيوني، فضلًا عن توجيه ضربات كبرى للقواعد والقوات الأمريكية؛ الأمر الذي سيعني انتقالَ المنطقة كلها إلى عهدٍ جديد عنوانه التحرّر من نفوذ الصهيونية.
وقد كشف موقفُ محور المقاومة بوضوحٍ عن نجاحٍ كبيرٍ في التنسيق والإعداد للاحتمالات ومواكبة خيارات العدوّ ومستويات الصراع؛ إذ يجدُ الكيانُ الصهيوني اليوم نفسَه أمام تداعيات خطيرةٍ في كُـلِّ خيار مطروحٍ، وكل التداعيات تصُبُّ في مصلحةِ تثبيتِ انتصار “طوفان الأقصى”.