تحالُفُ العدوان بعد الطوفان
توفيق الحميري
لم يعد الأعرابُ من أنظمة دول تحالف العدوان والحصار على اليمن يتجرؤون بالحديث عن يافطة الأمن القومي العربي؛ لأَنَّهم استهلكوها وأصبحوا جميعاً أنظمةً مطبِّعةً ومفضوحةً بالخيانة والتطبيع العلني مع كيان العدوّ الإسرائيلي ولم تعد تنطلي ادِّعاءاتُهم العروبية على شعوبهم.
ولأَنَّهم طبَّعوا واقترفوا الجرائم والمجازرَ في حق الشعب اليمني فلم يعد لديهم الجرأة أَيْـضاً على إدانة جرائم كيان العدوّ في حق الفلسطينيين، ولو حتى من باب المغالطة والخداع لامتصاص غضب شعوبهم؛ لأَنَّها لم تعد تنطلي على شعوبهم أَيْـضاً، بل ولأنهم أصبحوا مشاركين في اقترافها ويؤيدونها.
فمن يعتقد أن موقف تلك الأنظمة حيال ما يجري في فلسطين مؤخّراً بأنها تقوم بدور وموقف المتفرج فقط فهو مخطئٌ تماماً، لقد انتقلت تلك الأنظمة إلى دور المشارك الفاعل عسكريًّا وسياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا في صفِّ كيان العدوّ الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية، وبالنسبة لنا كيمنيين فهذا ليس بمستغرَبٍ على أنظمة تعتدي وتحاصر الشعب اليمني لـ٩ أعوام، وُصُـولاً لتحقيق رغبة الكيان الصهيوني بدرجة أولى وأَسَاسية، وليس مستغرَبًا لنا كمؤمنين بالله وكتابه الكريم الذي يخبرنا عنهم وعن حقيقة موقفهم بكل وضوح في القرآن الكريم من الآية ٥١ في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ) وكذلك الآيات العشر اللاحقة لهذه الآية الكريمة وبما فيها من مواقف لاحقة للواقع المعاصر.
ولذلك نقول لشعوب تلك الأنظمة: حتى لا تكونوا متفاجئين أَو مخدوعين مستقبلاً من مواقف حكامكم وأنظمتكم القادمة المعادية لأحرار الأُمَّــة عُمُـومًا وتجاه اليمن وفلسطين تحديداً والذين لم يعد بإمْكَانهم طرح عناوين (مِن أجلِ الشرعية ولا مِن أجلِ المذهب وَلا مِن أجلِ العروبة ولا وقف نفوذ إيران… إلخ) فما بعد طوفان الأقصى الذي أسقط ما تبقى من العناوين الزائفة سيصبح عنوان أنظمتكم العدوان والحصار؛ مِن أجلِ التطبيع، وقد تستخدم ديباجة تحقيق السلام في المنطقة أَو أية ديباجة أُخرى تصيغها أمريكا وبريطانيا؛ ولذلك أكرّر لا تستغربوا من استمرار استخدام أموال وسلاح أنظمة الأعراب في قتل وحصار أحرار الأُمَّــة واليمنيين تحديداً تحت ذلك العنوان الجديد.
وهنا ستصل الشعوبُ وليس الأنظمة إلى خيارَينِ لا ثالث لهما: إما قبول التطبيع مع كيان العدوّ، وهذا الخيار الذي فشلت الأنظمة في ترويض الشعوب عليه، وإما أن تتجه الشعوبُ إلى خيار الموت لإسرائيل، وهي النقلة الأخيرة لواقع المعركة والصراع الإسلامي الصهيوني أَو لواقع الصراع العربي الإسرائيلي، وأقول النقلة الأخيرة لكونها الخيارَ النهائي، وجميعنا يعلم أن النقلة الأخيرة والحتمية هي تطبيق معركة وعد الآخرة على أرض الواقع مصداقاً لوعد الله الصادق الذي لا ريب فيه، وبما لا شك فيه أن انطلاق طوفان الأقصى المبارك في الـ7 من أُكتوبر نقل شعوب الأُمَّــة إلى مرحلة ومعركة متغيراتها بمعطيات وتحديات جديدة والشعوب أمام استحقاقات جديدةٍ، أهمُّها انتهى زمن الأنظمة الهجينة والمنفصمة المواقف تجاه رغبات شعوبها وقضاياهم: فإما نظامٌ مناهضٌ للغرب بصريح الموقف والعبارةِ، أَو نظام عميل للغرب بصريح الموقف والعبارة، وبعبارة أصح: إما مؤمن صريح أَو منافق صريح.
ولطالما ونحن دائماً نقول: إن القدس هو القضية المركزية والمحورية لشعوب الأُمَّــة. ولكن هناك الكثير لم يفهموا هذا التمحور جيِّدًا فبإمْكَانهم أن يعتبروا هذا الحديث جزءًا من التوضيح.