“طوفانُ الأقصى” وفتحةُ الجدار.. بشارةُ الانتصار وبدايةُ التحرير
منير الشامي
وأنا أتصفَّحُ بعضَ المواقع الإخبارية وبعضَ صفحات الاجتماعي لفت انتباهي مقطعُ فيديو لضابط بجيش الكيان الصهيوني المجرم وهو يبدي اعتراضَه على اختياره للتحَرّك نحو مواجهة أبطال المقاومة الفلسطينية قائلاً: لماذا أنا.. ومطالبًا بخروج كُـلّ القادة كشرط لتنفيذه هذا الأمر، حينها تذكرت قول الله سبحانه وتعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جميعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَو مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جميعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ).
هذه هي حقيقة جيش العدوّ الصهيوني وما موقف هذا الضابط الصهيوني إلا تجسيد واقعي لهذه الحقيقة التي بيَّنها الله -سبحانه وتعالى- عن واقع نفسية اليهود المجبولة على حب الحياة وكراهة الموت، لدرجة اندفاعهم للفرار منه وهو المستحيل الذي لن ينالوه أبدًا، وهو الأمر الذي يجعلهم لا يقاتلوننا جميعاً إلا من خلف قلاع محصَّنة أَو من وراء جُدُرٍ كجدران العزل التي بنوها وحصّنوها بأحدث أجهزة المراقبة والاستشعار الذكية وأصبحت بامتدادها لعشرات الكيلومترات لا تعني لهم شيئاً بمُجَـرّد أن أحدث فيها أبطالُ المقاومة الفلسطينية فتحةً لا تزيدُ عن بضعة أمتار، دخلوا منها إلى أراضيهم المحتلّة لقتال هذا الكيان المجرم.
إن هذه الفتحة الصغيرة والمحدودة أصابت كُـلّ أفراد وضباط جيش العدوّ الصهيوني وكل مستوطنيه بالرعب والهلع وأفقدتهم الثقةَ في كُـلّ الجدران العازلة التي شيَّدوها.
ولا غرابة في ذلك؛ لأَنَّ تلك هي نفسيتهم المضروبة بالرعب وقلوبهم المجبولة على الجبن والخوف في كُـلّ زمان ومكان، ولذلك فأنا لا أشك أبدًا في أن تلك الفتحة التي أحدثها أبطال فلسطين الأحرار في الجدار العازل هي بوابة الفتح المبين بإذن الله؛ فكل حقائق تاريخ اليهود وكل الشواهد من حولنا تؤكّـد ذلك منها على سبيل الاستدلال لا الحصر ما يلي:
1- عندما عجز كبارُ الصحابة عن فتح خيبر في أسابيعَ طويلةٍ اختار رسول الله -صلى الله عليه وآله- الإمام عليًّا -عليه السلام- وقال واثقًا من قوله: (لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه)؛ لأَنَّه -صلى الله عليه وآله- يعلم أن عليًّا سيتحَرّك من منطلق معرفته القرآنية بنفسية اليهود، وبالتالي ستكون أول خطوة يخطوها هي ضرب تلك النفسية في مكمن صمودها، وهو ما فعله أمير المؤمنين باقتلاعه لباب حصن خيبر الذي كان سر صمود اليهود؛ لأَنَّه بمُجَـرّد أن اقتلعه لم يصمد أمامه مرحَبٌ دقيقة واحدة وهو الفارس المشهور الذي كان يخشى منازلتَه كُـلُّ فرسان جزيرة العرب؛ لقوته وصلابته وحنكته القتالية، لكنه فقد فروسيته كلَّها بمُجَـرّد أن اقتلع الإمامُ بابَ الحصن وقضى عليه بالضربة الأولى استسلم اليهود بعدَها مباشرة.
2- من يرجع إلى تاريخ اليهود يجد أن أطول دولة استمرت لبني إسرائيل لم تتعدَّ 80 عاماً عبر عصورهم الغابرة، وهَـا هي اليوم دولتهم على مشارف بلوغ هذا الرقم.
3- من يتأمل رَدَّ فعلِ الكيان المجرم اليوم على عملية طوفان الأقصى يجد أن هذا الكيان الغاشم اتجه للانتقام من الأبرياء المدنيين بقصف منازلهم ومنشآتهم بجميع مدن قطاع غزة بالطيران؛ لأَنَّه التحصين الوحيد الذي تبقى لديه؛ ولذلك تحاشى خوضَ مواجهة مباشرة مع أبطال المقاومة، واتجه ليصُبَّ جامَ غضبه على العزل الأبرياء من ارتفاع عشرات الكيلومترات.
4- اندفاع الآلاف من الصهاينة الكبير والحثيث نحو مغادرة الأراضي المحتلّة من بعد بدء عملية طوفان الأقصى.
إن هذه الحقائق المؤكّـدة تؤكّـد أن عملية طوفان الأقصى تمثل أعظمَ وأثمن فرصة فتحت أبوابها أمام العرب والمسلمين أنظمة وشعوباً؛ ليستشعروا مسؤوليتهم تجاه قضية الأُمَّــة المصيرية الأولى ولينطلقوا لتأديةِ هذه المسؤولية ويخرجوا من عباءة الذل والتبعية والارتهان لأعداء الأُمَّــة من قوى الاستكبار ويتحَرّكوا لمواجهة هذا الكيان الغاصب؛ فهذا واجبهم الديني والقومي؛ فإن أبت أنظمة التطبيع ذلك وحالت دون ذلك فَــإنَّنا نطالبها أمام الله أن تقومَ حتى بواجبها الإنساني وتتحَرّك لوقف قصف الكيان المجرم لغزة وتوقفَ جرائم الإبادة والتهجير القسري للفلسطينيين وتصمت عن طعن المقاومة الفلسطينية وتتركها وشأنها، وهي بإذن الله قادرة على مواصلة درب جهادها لتحرير الأرض العربية من دنس الصهاينة، وتطهير مقدَّسات المسلمين من رجسهم فهل يعجزون حتى عن الصمت؟