السبتُ الأسـودُ لـ “إسرائيل”
رحـاب الـقـحـم
طوفان الأقصى يواصل فيضانَه المرعب، بثبات أبطال المقاومة الفلسطينية على القتال في المستوطنات المحاذية للقطاع ليتحول غلاف غزة إلى ساحة معركة للمرة الأولى منذ حرب 48، ورسالة التحذير العسكرية الآتية من الجبهة الشمالية بقصف حزب الله مواقع إسرائيلية -في مزارع شبعا اللبنانية المحتلّة- شكل من أشكال الفيضان في الوقت اللازم، والمواجهة مع حزب الله تهديد وجودي لا مزاح فيه وتهرب منه إسرائيل منذ آخر حربٍ بينهما.
المسيرات اليمنية روافد استراتيجية لطوفان الأقصى، وإلى مصر وقد وصل رذاذ من الطوفان بمقتل إسرائيليين على يد شرطي مصري في الإسكندرية، فيتم استنفار سفارات الكيان حول العالم بأخذ الحيطة والحذر، هذا ولا يزال العدوّ يعاني صدمة السبت الأسود منشغلاً بإحصاء خسائره الدامية قتلى وأسرى وجرحى ومفقودين بالمئات، ليجد نفسه أمام هزيمة مذلة حلت به في ذات صباح بشكلٍ خاطف، خاطفة عليه النوم من عينيه، وقد أوشكَ أن يطبقَهما على أحلام أمريكية وردية بالتطبيع الوشيك مع السعوديّة وإعادة ترتيب الشرق الأوسط على نحوٍ يكرس إسرائيل دولة طبيعية.
جاء الطوفان وما أدراك ما الطوفان وما بعد ما بعد، وَإذَا بمشاريع التطبيع القائمة والقادمة في خبرِ كان، وبات على إسرائيل أن تفكر إذَا تبقى لها عقل ووقت للتفكيرِ كيف تعيد تطبيع الأوضاع داخل غلاف غزة، وكيف تعيد ثقة مستوطنيها بجيش كاد أن يجثوا على ركبتيه رافعاً الراية البيضاء أمام حركة مقاومة تقطن داخل قطاع محاصر، لكنها فعلت بالكيان النوويِ ما لم تفعل به دول، إنها الهزيمة الأقسى والأكثر إذلالاً للصهاينة والمتصهينين، وبما لا مجال لمحو هذه المذلة مهما بذل لذلك من الجهودِ والموارد.
رعب يجتاح الصهاينة على امتداد فلسطين المحتلّة، وما إن تفجر الطوفان فجرًا ودون سابق إنذار حتى اجتاح الإعلام العسكري للمقاومة وسائل الإعلام المختلفة بمشاهد وصور لعمليات الاقتحام والالتحام لا مثيل لها في تاريخ الصراع مع العدوّ، وأفاق العالم على أمر غير معهود وغير مسبوق، ولكنه الدم الفلسطيني المهدور والمسفوك ظلماً كُـلّ يوم وعلى مدار الساعة يفعل فعله بتحوله إلى طوفان جارف، لتنقلب الصورة رأساً على عقب، فإذا بإسرائيل النووية والمتحدية والمهاجمة والمتغطرسة والضاربة بكل القوانين عرض الحائط واقعة تحت الصدمة لا تعرف ماذا حَـلّ بها، ومن غزة أخذت إسرائيل على حين غرة، مستوطنوّها يهربون مذعورين أمام فرسان المقاومة، اقتحموا عليهم مخادعهم وقلاعهم في يوم سبتهم، يطلبون نجدة جيشهم، وجيشهم الأكثر تدريعاً وتسليحاً في العالم يتساقط جنوده كالفراش المبثوث بين قتيل وجريح وأسير بالعشرات، واحتراق والسيطرة على دبابات ومدرعات، وآلاف الصواريخ تدك المدن المحتلّة والمستوطنات، وطائرات حربية تم تهريبها على ناقلات حتى لا تقع في يد المقاومين، إنه طوفان عسكري أشرقت به شمس السابع من أُكتوبر، وطوفان إعلامي بحشد من الصور الحية أذل إسرائيل كما لم تذل من قبل، إنه السبت الأسود لإسرائيل، وفلسطين تتقدم خطوات جسورة نحو التحرّر الكامل، ليبدأ عمليًّا زمن الوعد الحق.
المعركة على أشدها، والجميع نحو الاستنفار، فالطوفان يمتد ويتسع، وما دعا إليه قائد القسام من التحام جبهات محور المقاومة هو الآتي بإذن الله، أمريكا مع إسرائيل، ومحور المقاومة مع فلسطين، وقد جاء اليمن بطوفانه الجماهيري إيذاناً بطوفان إسلامي عسكري هادر، قادم وجارف إن شاء الله للمحتلّين وكلّ المطبعين والمتأمركين.
يخرج كيان العدوّ من نكبة يوم السبت، إلى تشديد الحصار على القطاع بمنع الكهرباء والوقود والماء ولو بمقدوره لمنع الهواء، كما لجأ إلى وحشيته المعهودة بشن الغارات المكثّـفة، وانتشاء بالدعم الأمريكي تتورط إسرائيل أكثر وأكثر في ارتكاب مجازر دامية تظن بها إحراز إنجاز ترمم به صورتها المنهارة وهيبتها المدمّـرة.
لقد أخطأ المجرم نتنياهو في الحسابات وعليه انتظار المزيد من مفاجآت مقاومة قلبت بساعات محدودة موازين الصراع، وعجلت ليس فقط بهزيمة هذا العدوّ في هذه الجولة، بل عجلت بزواله، وزوال من ارتبط به وانغمس في جريمة التطبيع كحال ما يسمى بالإمارات، وقد أصدرت بياناً مخزياً يحمل حركات المقاومة مسؤولية ما يحصل، فجاء رد اليمن على لسان ناطق أنصار الله بأن كان عليها أن تخجل، وأن تلزم الصمت وألا تتورط إلى جانب الصهاينة في ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، ولا تسامح مع أية جهة تطعن فلسطين في الظهر وفي خضم معركة تاريخية ومقدسة تنتصر بها قضيةٌ كانت ولا تزال جامعة للعرب والمسلمين وأحرار العالم إلا من أبى وأصر على موالاة الأعداء فحكمه حكمهم ومصيره مصيرهم وقد خاب من خان ومن استعلى.
رغم الجنون الإسرائيلي إلا أن ثالث أَيَّـام الطوفان العظيم يشهد للمقاومة احتفاظها بزمام المبادرة، والاستمرار في قصف المستوطنات بصليات كبيرة من الصواريخ، ومواصلة القتال والالتحام في الغلاف، ووقوع صهاينة جدد في الأسر، وارتفاع حصيلة قتلى العدوّ ليلامس حدود الألف قتيل إسرائيلي، ثم إن هناك تصاعد التوتر في الجبهة الشمالية بتعرض مناطق في جنوب لبنان لغارات إسرائيلية نجم عنها شهيد من حزب الله، وهو ما يضاعف من الخطر المحدق بعدو أعمته الذلة والمهانة عن تقدير الموقف، ولعله الطوفان الفلسطيني ينذر في يومه الثالث أن يتحول إلى طوفان إقليمي.