مماطلةٌ واضحةٌ ولا وقتَ إضافيًّا لاستمرارها.. على العدوِّ تحديدُ وسيلة إعادة الحقوق بصورة عاجلة
المسيرة: نوح جلّاس:
على الرغم من تأكيدات صنعاء العملية على الانفتاح نحو السلام العادل والمشرف ومساعدة النظام السعوديّ للخروج من الابتزاز الأمريكي والورطة التي وقع فيها، إلا أن الأخير ما يزال ينتهج سياسة المماطلة؛ بغرض كسب الوقت، وهو الأمر الذي خلق حالة من التأهب والاستعداد في الصف الوطني لمباشرة الخيارات اللازمة لاستعادة حقوق الشعب اليمني المسلوبة، والتي بات تحالف العدوان معترفاً بمشروعيتها وأحقية تسليمها لأهلها، لكنه على النقيض من ذلك يمارس المماطلة والتهرب من الاستحقاقات، تارة؛ بسَببِ الابتزازات الأمريكية، وتارة أُخرى؛ بسَببِ النزعة العدوانية التي تتلذذ بمعاناة الشعب اليمني، ليفتح النظام السعوديّ بهذا السلوك باباً كان في غنىً عنه، وقد يكون مليئًا بالردع، وقد ظهرت هذه الملامح في رسائل صنعاء الأخيرة على لسان الرئيس مهدي المشاط، ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة.
مماطلةٌ مُستمرّةٌ.. الخطرُ كُـلّ الخطر في الحسابات الخاطئة:
وفي خطابه عشية الذكرى الـ60 لثورة الـ14 من أُكتوبر المجيدة، أشار الرئيس المشاط، إلى طبيعة السلوك السعوديّ الراهن في مسار السلام والحرب، غير أنه ومن خلال ما قدمه الرئيس المشاط، يتضح أن النظام السعوديّ ما يزال متمسكاً بسياسة المماطلة والتهرب؛ بغرض كسب المزيد من الوقت الذي تريده قوى العدوان لترتيب أوراقها.
وقال الرئيس المشاط في خطابه: “وفي الوقت الذي نؤكّـد حرصنا على السلام في ما بيننا وبين تحالف العدوان، فَــإنَّنا نعبر عن بالغ استيائنا تجاه المماطلة والتمنع عن الانخراط في إجراءات بناء الثقة”، في إشارة إلى أن عجلة السلام التي دفعت بها صنعاء عند إرسال الوفد المفاوض إلى الرياض، لم تتحَرّك أكثرَ من ذلك؛ بسَببِ السلوك السعوديّ الواضح وغير المتغير.
وفي خطابه أَيْـضاً أوصل الرئيس المشاط رسالةَ تحذير للنظام السعوديّ، نقلت جانباً من ملامح ردود الفعل الوطنية تجاه استمرار المماطلة والإصرار على نهب الحقوق ومصادرة استحقاقات الشعب اليمني المشروعة والعادلة، حَيثُ نوّه الرئيس المشاط، إلى أن صنعاء “تعتبر الاستمرارَ في الحصار ليس فقط مؤشرًا إلى عدم جدية وإنما تصعيدٌ وعملٌ إجرامي مستفز يعطينا كاملَ الحق في الرد المناسب والمماثل ما لم نلمس تجاوباً سريعاً”، في إشارة إلى أن صنعاء لن تمنح الكثير من الوقت للنظام السعوديّ، لا سيَّما أن سلوكه أكّـد انتهاجه سياسة كسب الوقت لتحقيق أهداف مشبوهة، وَأَيْـضاً نظراً للفترة الكبيرة التي أعطتها صنعاء للرياض كفرصة للخروج من الابتزاز الأمريكي الذي يدفع نحو التصعيد.
خيارانِ أخيرانِ والنتيجةُ واحدة:
التحذيراتُ الوطنية لم تتوقف عند هذا الحد، بل سعت صنعاء لإكمال الحجّـة البالغة على النظام السعوديّ، حَيثُ أشار وزير الدفاعِ اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري، إلى أن هناك خطواتٍ حاسمةً أكبرَ مما يتصوره الأعداء ومن يساندهم إذا استمرت المراوغة السياسية.
وفي برقية تهنئة رفعاها للقيادة الثورية والسياسية بمناسبة العيد الـ60 لثورة الـ14 من أُكتوبر، قال الوزير العاطفي واللواء الغماري: “إن كان العدوّ يراوغ سياسيًّا أَو يسعى إلى حلول جزئية لا تحترم السيادة ولا تستوعب معطيات الواقع فَــإنَّ تلك المساعي ستبوء بالفشل الذريع”، في تأكيد على أن سلوك النظام السعوديّ الراهن قد يدفع صنعاء لمباشرة الخيارات الرادعة، والتي قد تبدو أكثر ألماً من سابقاتها نظراً للتطور الكبير والمتسارع في قدرات القوات المسلحة اليمنية.
وفي ظل حساسية التوقيت ونفاد الصبر، لم يؤصد الغماري والعاطفي الأبواب بوجه النظام السعوديّ حيال مماطلته، وقدَّما له فرصةً جديدةً مشروطة بسرعة القرار، حَيثُ أكّـدا أنه بات أمام المعتدين المماطلين فرصة قصيرة لـ “أن يختاروا مصيرهم إما خروج بما تبقى من ماء الوجه أَو أن ينتظروا مصيرهم المجهول”، وهذه رسالة توحي بأن الخيار الوحيد إزاء التهرب والتعنت والمماطلة لا يخرج عن إطار الردود العسكرية الاستراتيجية.
التعويلُ على المتغيرات الإقليمية غير مُجدٍ.. قواتنا كفيلة بالمواكبة:
وأمام هكذا معطيات، فَــإنَّ على النظام السعوديّ استغلالَ ما تبقى من فرص سانحة لأن يخرج بأقل الخسائر، وأن لا يعول على المتغيرات الإقليمية والدولية؛ كونها لا تفيد ولا تنجي من الردع اليمني وأياديه الطولى، لا سيَّما أن القواتِ المسلحةَ اليمنية سبق أن أعلنت جهوزيتَها العالية لمواكبة التطورات العسكرية في اليمن والمنطقة، مؤكّـدة قدرتها على خوض معارك الدفاع على امتداد الرقعة الجغرافية التي تدير وتشارك في العدوان على اليمن، من الخليج، وحتى المحيط وما أبعد من ذلك، وَأَيْـضاً سبق وأن أعلنت استعدادها لخوض أية عمليات عسكرية في عمق الكيان الصهيوني.
وجدَّد العاطفي والغماري إعادةَ رسائل القوة اليمنية إلى المشهد، حَيثُ أعلنا أن “القوات المسلحة اليمنية على أُهبةِ الاستعداد والجاهزية ورهن توجيهات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي؛ لكي يشملنا شرفُ المشاركة في أية مهام تتطلبها المرحلة”، مؤكّـدين الجاهزية القصوى لمواكبة التطورات في المنطقة وعلى رأسها عملية (طوفان الأقصى) التي ستجرف الكيان الصهيوني إلى غير رجعة”.
ومن خلال هذه الرسائل –لا سيَّما أنها لا تأتي من باب الاستعراض وإنما من باب النصح وإقامة الحجّـة– بات لزاماً على النظام السعوديّ الاستفادة من الدروس التي تلقنها طيلة السنوات الماضية، وأن يعبر الطريق الأقرب والأسلم، خُصُوصاً أن الأبواب والخيارات أمامه قد تضاءلت وتقلصت بفعل سياساته العدوانية التي مارسها طيلة سنوات العدوان والحصار على اليمن، وأصبح أمام خيارَين لا ثالث لهما:- الأول: التسليم بمشروعية استحقاقات الشعب اليمني العادلة والمشروعة، أَو الاستمرار في غيه ومماطلته حتى يأتي الردع الكفيل بإعادة الحقوق المسلوبة، وفي كلتا الحالتين لا مناصَ ولا مجال لمصادرة حقوق اليمن واليمنيين، وقد تتعدد الوسائل والطرق لاستعادتها، ولكن الهدف واحد، ولذلك باتت الكرة في ملعب النظام السعوديّ الذي عليه تحديد طبيعة المسار القادم سلماً أَو حرباً، مع العلم أن الوقت المتبقي أمامه ضيق جِـدًّا، وَأَيْـضاً كفيل بإيصاله للطريق الأسلم، أما المماطلة فلم ولن تعد مجدية.