أمريكا على خط النار.. مؤشراتُ حرب إقليمية واسعة
المسيرة | أيمن قائد:
للأسبوع الثاني على التوالي من عملية طوفان الأقصى، لا تزال المقاومة الفلسطينية تمسك فعلياً بزمام الميدان وتدك المستوطنات الصهيونية بالصواريخ بعيدة المدى على الرغم من القصف الهستيري على قطاع غزة.
وفي ظل هذا الغليان تتحَرّك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مفضوح لمساندة الكيان الغاشم، وإلى الآن فقد حركت حاملتين للطائرات، في رسائلَ لها أكثرَ من معنى ودلالة؛ لتؤكّـد أنها تقف إلى جانب إسرائيل، وستقمع أية تهديدات تطالها.
ويظل السؤال الأبرز هنا: ما جدوى التدخل الأمريكي وإرساله لحاملات الطائرات لمنطقة الشرق الأوسط؟ هل الأمر له علاقة بحماية إسرائيل، أم بتصعيد وتأجيج حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، أم أن التداعيات أكبر من ذلك بكثير؟
يقول اللواء يحيى المهدي: “إن عملية طوفان الأقصى هي البداية لتحرير الأقصى من دنس اليهود، بل وتحرير كافة الأراضي الفلسطينية المغتصبة الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948م”، مُشيراً إلى أن “هذه العملية أظهرت قوة وبأس وشدة وشجاعة أبناء المقاومة الفلسطينية وهشاشة وضعف وخوار البعبع الإسرائيلي والعدوّ الصهيوني، الذي أظهر العجز والضعف لقواته العسكرية الكبرى، والفشل الذريع للتصدي لهجمات مباغتة من أعداد قليلة من المجاهدين الفلسطينيين، وظهرت حقيقة إمْكَانات العدوّ العسكرية أنها أوهى من خيوط العنكبوت”.
ويضيف المهدي لـ “المسيرة” أنه “من خلال طوفان الأقصى ظهر الفشل السياسي والأمني والعسكري والاستخباراتي لدولة الكيان الصهيوني التي ارتبك فيها المشهد وانهارت ولم تتمكّن حتى من الدفاع عن جنودها المدججين بأقوى الأسلحة في العالم، وأصبحت ذليلة ضعيفة لا تساوي شيئاً وانتهت أُسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وقد ظهرت عليهم الذلة والمسكنة التي ضربها الله عليهم منذ آلاف السنين، حينما قام الفلسطينيون بما أمرهم الله به من الجهاد في سبيله بقتال أشد الناس عداوة للمؤمنين ووعدهم بالنصر المؤزر إذَا عملوا بتوجيهاته وكيفية التعامل مع أعداء الله ورسوله، قتَلة الأنبياء ونابذي كتاب الله وراء ظهورهم والمفسدين في الأرض”.
ويشير إلى أن “العالم بأكمله رأى كيف تحقّق النصرُ لأمة قليلة على فئة كبيرة مصداقاً لقوله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ)، ولقوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)”، لافتاً إلى أن “كُـلّ ما حصل للعدو ينبئ بتدهور الكيان الغاصب وقرب زواله ونهايته الحتمية”.
ويضيف أن “العملية لا تزال مُستمرّةً، وأن زمام المبادرة ما يزال بيد المقاومة وهي المتحكمة في الأمور جواً وبراً وبحراً، وأنها عملت بتخطيط دقيق جِـدًّا وسوف يحقّق لها النصر في نهاية المطاف والغلبة على العدوّ وستتمكّن المقاومة من تخليص الأقصى من دنس اليهود وتعنتهم وتحرير كافة الأسرى المعتقلين في السجون الصهيونية”، مُشيراً إلى أن “المعادلة العسكرية انقلبت وأصبحت الصواريخُ الفلسطينية تدك العاصمة تل أبيب وتصل إلى مطار بن غوريون، وأفشلت منظومة القبة الحديدية التي يتغنى بها الصهاينة منذ فترة طويلة من الزمن وأرعبت بها دولاً بأكملها حتى هرعت دول المنطقة للتطبيع مع الصهاينة؛ طمعاً منهم في نيل تلك القبة الحديدية التي انهارت في يوم واحد، وظهر فشلها الذريع؛ وهذا ما يؤكّـد استنجاد الصهاينة بأمريكا ودعمها بطائرات وصواريخ جديده لهزيمتها عسكريًّا”.
ويؤكّـد المهدي أن “أمريكا وإسرائيل وجهان لعُملة واحدة وأن ما ترتكبه إسرائيل هو بدعم أمريكي وغطاء أمريكي دائم ومُستمرّ وهذا قد يؤدي إلى نشوء حرب إقليمية شاملة”.
ويرى أن “دخول أمريكا على خط النار رغم الهالة الكبيرة للجيش الصهيوني، وَإذَا ما تدخلت بشكل مباشر عسكريًّا فَــإنَّه يتوجب على دول محور المقاومة أن تقومَ بواجبها للدفاع عن المستضعفين في الأرض وأن تكون حاضرة للدفاع عن الأقصى، وأن تلقن الصهاينة والأمريكان أقسى الدروس وتُلحِقُ بها أعظم الهزائم فقد ولّى زمن الهزائم العربية في ظل وجود دول محور المقاومة متماسكة وقوية وصادقة قولاً وعملاً”، منوِّهًا أن “الأُسطورة الأمريكية قد أصبحت في خبرِ كان مع وجود مقاومة فلسطينية قوية ثابتة مؤمنة بالله وبقضيتها، وقد أعلنت مبدأ الجهاد في سبيل الله فحقّق الله لها النصر، وأن هذا ما يشير إليه الوضع بأن هناك فشلاً استخباراتياً للأمريكان في المنطقة؛ لأَنَّها تراقب الوضع عن كثب منذ سنوات عديدة بشكل علني وواضح”.
ويوضحُ أن “استمرارَ المقاومة الفلسطينية برشق الأراضي المحتلّة بمئات الصواريخ يؤكّـد بما لا يدع مجالاً للشك أنها منتصرة بكل المقاييس وأنها قد اتخذت قرارها الحاسم بتطهير كافة الأراضي الفلسطينية من دنس الاحتلال الصهيوني”، لافتاً إلى أن “دخول دول محور المقاومة على خط النار في حال اتساع رقعة المواجهة؛ فَــإنَّها سوف تقلب الطاولة وتغير المعادلة العسكرية وتلحق الهزيمة بأمريكا وعملائها في المنطقة”.
ويشير اللواء المهدي إلى “فشل كُـلّ جهود العدوّ في تحييد القوة الصاروخية من غزة؛ فكيف إذا كانت الصواريخ من كُـلّ دول محور المقاومة؟! إذن لمَا استمر الكيان الصهيوني أسبوعاً واحداً”، لافتاً إلى أن “مطار بن غوريون الدولي الذي يستقبل الآلاف من النازحين اليهود قد توقفت رحلات الأجنبية؛ وهو ما يدل على الفشل الكبير والضعف والعجز، وأن النصر قاب قوسين أَو أدنى للمقاومة الفلسطينية المباركة التي أثبتت مدى قوتها وحنكتها وسياستها الحكيمة واعتمادها على الله أولاً وعلى سواعد مجاهديها الأبطال من إلحاق الهزائم المتتالية بالصهاينة”.
وفيما يتعلق بإرسال الطائرات الأمريكية لكيان العدوّ الصهيوني، يقول اللواء المهدي: “إنها لن تغير المعادلة القائمة حَـاليًّا؛ كون القواعد العسكرية في الخليج العربي هي أكبر من الطائرات المرسلة”، موضحًا “أنها فقط لذر الرماد في عيون الشعب الأمريكي، مفادها أن أمريكا لن تتخلى عن إسرائيل ودعمها في عنجهيتها وبغيها المُستمرّ منذ ٧٠ عاماً”.
ويُبَيِّنُ أن “ما نشهدُه اليومَ هو حربُ استنزافٍ للقوة الصهيونية التي ستنهار تماماً وستخر أمام بأس وعظمة وشدة المجاهدين في سبيل الله إذَا ما استمروا في جهادهم وثقتهم بالله الناصر لكل مستضعَفي الأرض، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وهذا تحقيق للوعود الإلهية التي سوف تتحقّق لا محالة لكل من آمن بالله تعالى ووعوده الصادقة في الدنيا والآخرة”.
من جهة موازية يرى مستشار وزارة الإعلام، توفيق الحميري، أن “عملية طوفان الأقصى المباركة هي الإرهاصات الحقيقية والمقدمات لحتمية معركة وعد الآخرة القادمة لامحالة”، منوِّهًا إلى أن “هذه العملية ليست مقتصرة فقط على الهجوم المباغت واقتحام مواقع العدوّ المحتلّ والتنكيل بقوات العدوّ قتلاً وأسراً واغتنام معداته وذخيرته ثم العودة وانتظار نتائج وخيارات ووساطات إقليمية متداخلة ومآلات لاحقة؛ بل هي عملية محسوبة جيِّدًا من حَيثُ التنفيذ والنتائج ومعروفة الأهداف ووفق خطة دقيقة ومحكمة وتتبين من خلال نوعية التنفيذ الهجومي المتقن بالتكتيك الحربي والأداء القتالي العملياتي الذي أظهرته كتائبُ المقاومة الفلسطينية في اليومين الماضيين”.
ويؤكّـد أن ”عملية طوفان الأقصى مُستمرّة وبفعالية متصاعدة وأن الجهوزية عالية وبقدرات مستعدة لمواجهة وإفشال أية خيارات يتخذها العدوّ ميدانيًّا مستقبلًا”.
ويقول الحميري لصحيفة “المسيرة”: إنَّ “عملية طوفان الأقصى هي عملية استعادة وتحرير أراضي ومناطق محتلّة وإن الأهم فيها هو أن قرارَ البقاء فيها والسيطرة عليها محسومٌ فلسطينياً بما فيها مستوطنات غلاف غزة”، مؤكّـداً أن “هذا هو الانتقال النوعي الذي يعتبر الكاسر الميداني لحواجز العمليات وأن النتائج السابقة والمتجاوزة للقراءات المعادلاتية لميزان القوة وقياس قدرات الأطراف وتطور أسلحتها الأشبه بما يمكن وصفه سابقًا بنتائجِ جَسِّ النبض وإظهار وتجريب قدرات حديثة ومن ثم تتمحور النتائج الجزئية عبر مكاسب الردع أَو الحسابات الجيوسياسية الاستراتيجية فقط”.
ويشيرُ إلى أن “عمليةَ الطوفان تتميَّزُ بنتائجِها المحقّقة على واقع الأرض بصورةٍ أشملَ من العمليات والانتصارات الأخيرة في الـ٥ الأعوام الماضية، بدليل أنها أظهرت هشاشة وضعف العدوّ وارتباكه وتخبطه وانهياره بصورة أكثر وضوحاً مما مضى، وأنها حقّقت وأثبتت لكل العالم أنه وبفضل الله نظرية تصاعد قوة المقاومة التي أصبحت أكثر كفاءة وإعداداً”.
ويواصل بالقول: “إننا اليوم بحمد الله أقوى من الأمس، وهذا العام نحن بقوة الله أقوى من العام الماضي، وبكل تأكيد سنكون غداً أقوى من اليوم طالما وثقنا بالله وأعددنا الاعتبار للنتائج الميدانية والمحقّقة عمليًّا، ونزعنا ثقتنا بأية نتائج أُخرى، وقطعنا الأمل في انتظارِ قدومها بأساليبَ أُخرى”.
المطبِّعون في مأزق:
من جانبٍ متصلٍ، يقول الناشط الإعلامي عبدالخالق القاسمي: “فيما يخص الدعم الأمريكي الإسرائيلي فليس غريباً المشاركة الأمريكية في مساندة الصهاينة، موضحًا أنه لولا أمريكا لما كانت إسرائيل أَسَاساً”.
ويشير إلى ما قاله السيد القائد -يحفظه الله-: “من يقبَلْ بأمريكا سيقبَلْ بإسرائيل”.
ويضيف القاسمي: “رأينا موجةَ التطبيع الأخيرة في المنطقة وعندما اشتد الوطيس بين الصهاينة والفلسطينيين تابعنا الموقف السعوديّ المهزوز الذي يمثل بقية دول التطبيع، ولا ننسَ بأن السعوديّ قدَّمَ مليارات الدولارات لأمريكا التي تساندُ إسرائيل، وأن ترامب ذات يوم قال بأنه لولا السعوديّة لكانت إسرائيل في ورطة كبيرة، إضافة إلى سجن أعضاء من حماس الذين ذهبوا لأداء فريضة الحج”، مُشيراً إلى أن “حجم التآمر كبير جِـدًّا وأن أعداء فلسطين كثر”، موضحًا أنه “ينبغي أن تكون المساندة من قبل دول محور المقاومة بحجم التآمر، وأن نتذكر جميعاً بأن النصر من عند الله، لا بالعدد ولا العتاد”.
وتظل عملية طوفان الأقصى هي الحديث الأبرز الذي يشغل الرأي العام العالمي والمحلي والإقليمي؛ لضخامة ما تحمله من أحداث ومآلات.
وفي هذا الشأن، يقول الناشط الثقافي مالك السراجي: “إن عملية طوفان الأقصى تمثل الموقف الصحيح واللائق بكتائب القسام والجهاد الإسلامي وكلّ فصائل المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين وانتهاكهم للمقدسات وإيقاف جرائمهم بحق أبناء الشعب الفلسطيني المظلوم والمعتدى عليه على مدى ما يقارب ٧٥ عاماً”، مُشيراً إلى أن “العملية البطولية والشجاعة والواسعة أظهرت أن الكيان الصهيوني أضعف وأوهن من بيت العنكبوت، وتجلت في هذه العملية آيات الله سبحانه وتعالى في نصره للمؤمنين المجاهدين والربط على قلوبهم والتثبيت لأقدامهم”.
ويزيد: “لقد رأينا هزيمة اليهود المحتلّين وكيف ضرب الله على قلوبهم الذلةَ والخزيَ والهوانَ والخوفَ كما وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم عندما قال: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ، بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ}”.
ويرى الناشط السراجي أن “نهاية وزوال الغدة السرطانية المتمثلة بالكيان الصهيوني الغاصب قد حان، وأن هذه العملية المباركة تعتبر بدايةَ النهاية الحتمية؛ لأَنَّ اليهود قد عاثوا في الأرض الفساد ولا بُـدَّ من تحقّق الوعد الإلهي وأن تتحرّر أرض فلسطين والمسجد الأقصى والقدس الشريف”، مُشيراً إلى قول الله تعالى في كتابه الحكيم: {وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً} (الإسراء:٤)، وإلى قوله تعالى بعد هذه الآية المباركة: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} (الإسراء:٥).
ويتوقع السراجي أن “العدوّ الصهيوني سيتمادى في قتل الأبرياء من الأطفال والنساء ويسعى إلى تدمير البنية التحتية للفلسطينيين حتى يظهر نفسه أنه لا يزال قوياً وأن مشاركة أمريكا في دعم الكيان أمر حتمي؛ لأَنَّ مصيرهم واحد وخبثهم وعدائهم للإسلام والمسلمين واحد، فهم الأعداء التاريخيين للأُمَّـة الإسلامية، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.
وَيرى أنه “إذَا فكَّرَ العدوُّ الصهيوني باجتياح غزة براً فَــإنَّ حزبَ الله سيرُدُّ وتتوسعُ المعركة وسيتحملُ محورُ المقاومة المسؤوليةَ في تأديب وكبح جماح هذا العدوان الصهيو أمريكي وسيتم ضربه من كُـلّ جهة إن شاء الله تعالى، من مجاهدي محور المقاومة، وسيتحَرّك كُـلّ حر من أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية، وما النصرُ إلا من عند الله، هو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير”.