فلسطينُ وسياسةُ الانفراد الأمريكية
أنس عبد الرزاق
لا تبدو الولايات المتحدة الأمريكية في وضع يؤهِّلُها أن تستقلَّ بمواقفَ خاصةٍ في القضايا الإسلامية حتى لو كانت مقتنعة بها فلماذا!؟
الاستبداد دائماً وأبداً سياسة أمريكا تجاه الإسلام والمسلمين؛ فلماذا لا يوجد في العالم العربي احترامٌ حقيقي للإرادَة الشعبيّة، أَو حتى توظيف براغماتي لها يصار من خلاله إلى تصليب الموقف السياسي للأنظمة العربية تجاه فلسطين وقضايا الأمة؟
لقد ضعف الرأي العام العربي ودمّـرت فاعلية المواطن العربي إلى درجةٍ بالغة، بحيث صار أضحوكة ولا يقبل أحد أخذه مأخذ الجد، هكذا أَو عقب عقود طويلة من تجاهل الرأي العام وقمعه.
فَــإنَّ الرسالة التي أوصلت لكل الأطراف السياسية في العالم دولاً ومنظمات، أن الحكومات العربية لا تهتم برأي شعوبها وأن بإمْكَانها المضي في سياسة النخبة المسيطرة، ومن الطبيعي أن يلتقط الأعداء هذه الرسالة بالترحاب، حَيثُ يسهل عليهم التعامل مع حكومات غير ديمقراطية، ولا تحتاج إلى المنهج الإلهي للتدقيق في قراراتها وخياراتها السياسية الاستراتيجية والمصيرية.
بذلك نصل إلى عملية يتناسخ بها العجز في معظم الحالات العربية إن لم نقل كلها، ويقدم لنا حاصل جمع تهميش ذاتي مذهل من ناحية، ونطاق إقليمي مُغْرٍ لكل الأطراف المعادية للإسلام، بحيث أصبحت المنطقة العربية مشاعاً سياسيًّا يتيح لأمريكا وإسرائيل مغامرات سياسية غير متوقعة، انتهت بالعمالة، وكما شهدنا في حالات القرارات الكبيرة (الحروب).
إنَّ رد الفعل العربي -منفرداً أَو مجموعاً- يعد أدنى الحسابات وقد راكم ذلك مع الأسف الشديد خبرة دولية مثبتة في هذا المجال، جوهرها أن رد الفعل العربي لا يؤثر عمليًّا في مسار أية سياسة أَو انعطافه سياسية أَو حتى عسكرية يمكن أن تقوم بها أمريكا وإسرائيل في الدول العربية؛ فلماذا لا يكون الدور والتأثير بحسب الحجم والتوقع؟ ربما لا جديد في القول إن التأثير العربي في السياسات الدولية ومن ضمنها القضايا الاستراتيجية وفي مقدمتها فلسطين منفرداً أَو مجموعاً يؤول إلى الصفر.
ذلك أن أي عرضٍ سريعٍ للقضايا الكبرى التي تواجه العالم اليوم يشيرُ ضِمن أشياء أُخرى إلى الموقع القيادي المتقدم لمجموعة من الدول والقوى الكبرى، وإلى الموقع المتأخر للدول العربية التابع لأمريكا وقواها بما فيها الكيان الصهيوني.
ومن غير المنطقي بطبيعة الحال افتراض تأثير متساوٍ يتجاوز الفروق الهائلة بين الدول العربية وإسرائيل، في المكانةِ والقوة والتأثير لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
إن هناك حالات تفارق في الحجم والتأثير لا تحتاج إلى نقاش وتُستنتج بالبداهة، العدائية للإسلام، فهنا يتقزم الفعل العربي والفاعلية في صوغ السياسات الإقليمية والمحلية، والتي تؤثر مباشرة في مستقبل الدول العربية، وبلدانها.
إن الحكام العرب يظهرون عجزاً ولا مبالاة صاعقة، فمن فلسطين إلى العراق إلى أفغانستان، إلى مصر، يستقيل العرب استقالة تامة، تاركين القرار بأيدي أمريكا والكيان الصهيوني، التي تعزز وتنفذ تبعاً لمصالحها هي، وكأن ما يحدث الآن وما قد تتطور إلية الأمور في المستقبل لا يعني الدول العربية، وفضلاً عن قضية فلسطين هناك قائمة طويلة لا تكاد تنتهي من القضايا الموكلة إلى أمريكا لحلها والتدخل فيها والحسم بشأنها.
في ضوء ما سبق، هل يمكن فعلاً إيجاد جواب عن السؤال التقليدي والممل الخاص بغياب العرب وتحولهم إلى أصفار في معادلة السياسات الدولية والإقليمية؟ أم السؤال ذاته يعاني خللاً بنيوياً يقوم على فرضيةٍ غير صحيحة أصلاً تستبطن انتظار موقفٍ عربي، أَو قرارٍ عربي، أَو تحَرّك عربي موحد تجاوز القضايا المختلفة وعلى رأسها فلسطين المحتلّة.
في نهاية المطاف نخلص إلى تحليل نظري واحد فقط هو الاتي: أن مجموعة الدول التي تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط معروفة بمصالحها الوطنية فقط، وكلّ دولة تتدافع مع الدول الأُخرى لتحقيق تلك المصالح، وهذه الدول تعبر عن نفسها في الساحة الدولية منطلقة من تلك المصالح الوطنية فحسب، دون اعتباراتٍ إسلامية غير مصلحية.
بمعنى أن المنهج الحقيقي للإسلام والذي تمثله الجمهورية الإسلامية في إيران هو الذي يحقّق المصالح للأُمَّـة الإسلامية في وجهتها، بل ويغير من شكل الشعب العربي المعهود إن لم يكن فرض تغيير جذري في ميزان قوى المقاومة كما شهدناه في السنوات الأخيرة؛ أي أن الرياح التي هبت في إسرائيل اليوم تجري كما تشتهي أشرعةُ سفن المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية في إيران، وهو ما يعتبر رَدًّا قويًّا على غطرسة واشنطن وإسرائيل، وانتقالة عملية في تاريخ الإسلام والمسلمين.