مشروع جسر الملك سلمان.. محاولة سعودية لإغراء مصر أم استثمار بين دولتين إسرائيل ثالثهما؟
بعدَ فترةٍ من التوتُّر بين البلدَين، أثارت زيارةُ الملك سلمان إلَـى مصر، موجةً من التساؤلات لدى العديد من المراقبين والمحللين، خصوصاً بعد التوقيع على مشروع جسرٍ عملاق يربط بين مصر والسعودية عن طريق جُزُر تتنازَعُ ملكيتَها الدولتان وتخضع للسيطرة الإسْرَائيْلية.
صدى المسيرة/ حسين الجنيد
قالت بعضُ الصحف المهتمة بالشأن السعودي- المصري: إن زيارةَ الملك سلمان لمصر كان لها مردوداتٌ ايجابيةٌ للجانبين، تمثِّلُ أبرزُها في احتواءِ التوترِ القائمِ بينهما والذي ارتفع منسوبُه مؤخراً على خلفية تباين بعض السياسيات في البلدَين إزاء العديد من الملفات.
وفي تشخيصٍ لماهية تلك التباينات ومسبباتها، أوضحت تلك الصحف أنها ابتدأت منذ الأيام الأولى لتولي الملك سلمان عرش المملكة، فبعد أن تلقّفت السعودية في عهد الملك السابق عبدالله ما حدث في مصر في الثلاثين من يونيو العام 2013، ورمت بثقلها السياسي والإعلامي والمالي وراء السلطة الجديدة التي أطاحت بحكم الإخوان؛ بغية إعادة التوازن لصالحها في المنطقة بعد “خسارتها” لمصر منذ العام 2011، لصالح المحور (الإخواني- القطري- التركي)، وقررت استعادتها مجدداً وإعادة العلاقة بها كما كانت في عهد مبارك، وتكريس مبدأ الشراكة وتقاطع المصالح، وهو ما كان يُرضي كلاً من السلطة الجديدة في مصر التي احتاجت إلَـى الدعم المالي والسياسي السعودي، ورغبة السعودية في استيعاب ما حدث بعد العام 2011، بظهور محور منافِس يهدّدُ نفوذَها حتى في منظومة التعاون الخليجي.
لكن هذا التلاقي التامّ بين القاهرة والرياض لم يستمر أكثرَ من عام؛ بسبب ارتباطه بشخص الملك عبدالله، فعقب وفاته والانقلاب داخل البيت السعودي، الذي انعكس على السياسات الخارجية بتغير بوصلة الرياض للتعاون مع قطر وتركيا، بدأ التباين في الاتساع بين مصر والمملكة، خَـاصَّـةً أن الأخيرة أخذت تدير علاقتها مع الأولى من منطلق التبعية وشراء المواقف لا الشراكة، انطلاقاً من وجوب امتنان القاهرة للمساعدات السعودية وربطها مستقبلاً بمدى استجابتها للمطالب التي تحددها السعودية، وكل ذلك في ظل عشوائية وفشل السعودية في الـيَـمَـن وسوريا، وهو ما فضّلت القاهرة أن تواجِهَه بالمماطلة والتسويف، خَـاصَّـةً في ما يتعلق بمسألة إرسال قوات مصرية إلَـى الـيَـمَـن أو سوريا أو المصالحة مع “الإخوان المسلمين” وتطبيع العلاقات مع تركيا.
هذا الأمر بحسب رؤية تلك الصحف، خلّف عند السعوديين طيلةَ الفترة الماضية تذمراً لم تتمكن الابتسامات أمام الكاميرات ولا التصريحات الدبلوماسية المؤكِّدة على متانة العلاقة بين البلدين إخفاءَه.
وأكّدت أن هذا الغضَبَ ليس منبعه فقط ضعف استجابة القاهرة لمطالب وتوجيهات الرياض، ولكن لأن القدرةَ الماليةَ للمملكة النفطية لم تعد كما كانت، وأن إغداقَ الأموال بلا حساب أصبح طَيَّ الماضي؛ بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعانيها السعودية منذ العام الماضي، وهو ما ترجمته السياسة الحالية للملكة بترشيد المال السياسي، الذي يقود إلَـى معادلة جديدة مفادها أن أي إنفاق في هذا الصدد ينبغي أن يصاحبه مقابلٌ سياسي حاسم، خَـاصَّـةً وأن الرياض تشعر حالياً بوحدتها في ورطة الـيَـمَـن التي تدخل عامها الثاني من دون أي إنجاز سعودي يهوّن عليها هذا التورط، وكذلك قُرب خروجها من سوريا بلا تحقيق أي مكاسبَ، وأيضاً خسارتها القدرة على إدارة دفة سياسات المنطقة في الهامش الذي خلّفته سياسات إدارة أوباما، التي وعلى ما يبدو اتضح للنظام السعودي أنها لا تسعى سوى خلف يخدم مصالحها ومشاريعها في المنطقة.
الجسرُ العملاقُ وعاصفةُ التساؤلات
من جهةٍ أخرى، كانت الاتفاقية التي وقّع عليها الملك سلمان والرئيس المصري خلال هذه الزيارة والتي تنصُّ على إنشاء جسرٍ بحري عِملاق يربط بين البلدين في منطقة خليج العقبة، أحد أهمّ الجوانب البارزة في المشهد، لإثارتها عاصفةً من التساؤلات لدى العديد من المراقبين والمحلّلين في مصر وخارجها، وذلك بسبب الغموض الذي اكتنف هذا المشروع الذي وصفته بعضُ وسائل الإعلام في مصر والمملكة بالأضخم في تأريخ العلاقة الاستثمارية بين الجانبين.
فبحسبِ ما نقلته تلك الوسائلُ الإعلامية أن مشروعَ جسر الملك سلمان الذي أطلق عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هذا الاسم تكريماً للملك سلمان، سيربط مصر من منطقة منتجع شرم الشيخ مع رأس حميد في منطقة تبوك شمال السعودية، ويبلغ طوله 50 كم، ومن المخطط أن يتم تنفيذُه خلالَ 7 سنوات بتكلفة تصل إلَـى 4 مليارات دولار، وسيحقّق مردوداً مالياً يصل حدَّ الـ 200 مليار دولار سنوياً نتاج التبادل التجاري بين دول الخليج ومصر.
ومن المقرر أن يمر جسر الملك سلمان من منطقة تبوك إلَـى جزيرة صنافير ثم جزيرة تيران الواقعتين في مدخل خليج العقبة ثم إلَـى منطقة النبق، أقرب نقطة في سيناء، وهو الأمر الذي أثار جَدَلَ المراقبين والمحللين واستغرابَهم؛ كون هذه الجزر تعد مثار خلافٍ قديم بين المملكة ومصر من حيث تبعيتها، فالبعض يقول إنها جزر تخضع للسيادة المصرية وذلك وفقاً للبروتوكول العسكري لمعاهدة “كامب ديفيد” الذي وضع هذه الجُزُر ضمن المنطقة (ج) المدنية التي لا يحقُّ لمصر أيُّ وجود عسكري فيها، حتى تضمنَ إسْرَائيْل أن مصر لن تتحكمَ بهذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر.
والبعضُ الآخرُ يقولُ إن هذه الجُزُرَ تتبع السيادة السعودية، فتأريخياً تُعد جزيرة تيران وجزيرة صنافير ضمن الأراضي السعودية وتم تسليمُها لمصر في عهد الملك فيصل لمصر لمنعِ مرور السفن الإسْرَائيْلية إلَـى ميناء إيلات، وظلت تحتَ سيادة مصر حتى وقعت تحت سيطرة إسْرَائيْل في حرب عام 1967، إلَـى أن تم التوقيعُ على معاهدة كامب ديفيد التي اقتضت بموجبها إخلاء الجزر من أيةِ سيطرةٍ عسكريةٍ لأي طرف؛ للتأكُّد من امتثال مصر وإسْرَائيْل للأحكام الأمنية الواردة في المعاهدة والمتعلقة بفتح خليج تيران.
وبعيداً عن مسألة صراع السيادة على الجُزُر ومقدّمات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، يرى بعضُ المراقبين أن مشروعَ الجسر ليس سوى الطُّعم الأكثر إغراءً لدفعِ مصرَ باتجاه المشاركة الفعلية ومساندة السعودية في مأزق حربها على الـيَـمَـن.
الجسْــرُ المرهونُ بالموافقة الإسْرَائيْلية
ومن جهته طرَحَ الصحفي الأردني الشهيرُ “نصر المجالي” المقيمُ في لندن، عدَّةَ تساؤُلاتٍ نُشِرت في مدوّنته عن مدى إمكانية البلدَين، أي مصر والسعودية، في إقامة هذا الجسر بمدخل خليج العقبة الاستراتيجي والواقع تحت سيطرة البحريةِ الإسْرَائيْلية، بما فيها الجُـزُر التي سيتم الربط من خلالها!، مجيباً أن الإمكانية متوفرة في حال كانت إسْرَائيْل الشريك الثالث في هذا المشروع، حيث أشارَ في مقالِه إلَـى أن هذا المشروع ليس بجديد الملك سلمان، بل هي فكرة قديمة طُرِحَت منذ 28 عاماً مضت، خلال اجتماع القمّة المصرية السعودية بالقاهرة بين الملك فهد بن عبدِالعزيز، والرئيس حُسني مبارك عام 1988.
حيث اتفق الجانبان خلالَ البيان المشترك على إنشاءِ جسر يربط البلدَين عبرَ مضيق تيران بمدخل خليج العقبة، ويعبر البحر الأحمر؛ ليكون طريقاً برياً مباشراً يربط بين الدول العربية، لكن توقف المشروع تماماً ولم يأخذ طريقه إلَـى النور.
وأوضح مجالي، أن ملامح الجسر في تلك الفترة كانت تدورُ حول أنه يربط مصر من منطقة منتجع شرم الشيخ مع رأس حميد في منطقة تبوك شمال السعودية عبرَ جزيرة تيران بطول 50 كيلومتراً، مختصراً زمن الرحلة بين مصر ودول شمال إفريقيا وبين دول شرق خليج العقبة، السعودية ودول الخليج جميعاً وسورية والعراق والأردن إلَـى 20 دقيقة فقط.
وكانت تقدّر تكلفة المشروع في تلك الفترة نحو 3 مليارات دولار أمريكي، على أن يتم الانتهاء منه خلال 3 سنوات، ولن تدفع مصر أو السعودية دولاراً واحداً لتمويل انشائه، بعد أن تقدمت مجموعاتٌ اقتصادية عالمية لتنفيذ المشروع بنظام (B.O.T) أي استثماره من قبل القطاع الخاصّ لمدة زمنية محددة ومن ثم يسلم للدولة.
وظلت المناقشاتُ حولَ مشروع الجسر الضخم قائمةً لعدّة سنوات، وتم تأجيلُ المحاولات المصرية السعودية لبناء الجسر لأسباب مالية في عام 2006، حتى أعلنت مصرُ رفضَها للمشروع في 2007، بحُجَّة الإضرار بالسياحة في شرم الشيخ.
وأكَّد مجالي في سياق مقاله أن الأمرَ لا علاقة له بالسياحة في شرم الشيخ، كما برّرت الحكومة المصرية في عهد مبارك، بل كانت المسألةُ تتعلقُ بالرفضِ والاعتراض الإسْرَائيْلي للمشروع؛ كون المشروع يهدّد أمْنَ ملاحتها في الخليج، وذلك وفق ما نشره موقعُ “صوت إسْرَائيْل” آنذاك.
خاتماً مقالَه التحليلي بالتأكيد أن رفْضَ إسْرَائيْل للمشروع أيامَ مبارك، لن يغيّرَه في الوقت الراهن إلا مشاركتها فيه بحيث تضمن تداخلها الاقتصادي مع مصر والسعودية، وهذا ما يُخفيه الجانبان عن شعوب المنطقة.
وفي سياقٍ متصلٍ، يؤكّدُ ما ذهَبَ إليه المجالي، نَشَرَ المغرِّدُ السعودي الشهير “مجتهد” على حسابه في “تويتر” معلوماتٍ حول الموضوع تفيدُ أن السعودية ومصر وافقتا على إشراف ومراقبة إسْرَائيْل لكافة مراحل تنفيذ المشروع والمشاركة في إدارته وعائداته.
وأشار في تغريدةٍ أخرى إلَـى أن مشروعَ الجسر لم يكن سوى إيعازٍ إسْرَائيْليٍّ للنظام السعودي؛ لتحجيمِ الموقعِ الاستراتيجيِّ لباب المندب، في استباقةٍ مستقبليةٍ لمواجهةِ خطرِ إقامةِ مشروعِ الربطِ بين القارتَين الآسيوية والأفريقية عن طريق الـيَـمَـن.