مشروع إعادة لم شمل تعز: مبادرة سلام تستحق التأييد
حسام باشا
منذ أكثرَ من تسع سنوات، يتعرضُ اليمنُ لعدوان وحصار ظالم ومدمّـر، أفقر البلاد وأوجع شعبها وأزم حياتها الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي هذا السياق المأساوي، تظهر محافظة تعز كرمز للصمود والمقاومة، ولكن أَيْـضاً للجراح والآلام.
تعز -التي تقسمها الجيوغرافيا بين أنصار الله الذين يحافظون على سيادة الوطن، والعدوان الذي يزعزع استقرارها- تشهدُ تبايُنًا كَبيراً في أوضاع المواطنين بين شِقِّها الوطني وشقها المحتلّ. ففي الشق الأول، يتمتع الناس بحَدٍّ كبير من الأمان والكرامة، بينما في الشق الآخر، يعاني الناس من نقص حادّ في الموارد الأَسَاسية، وانتهاكات مُستمرّة لحقوقهم الإنسانية.
ولعل محافظة تعز هي الوحيدة في البلاد التي تحملُ هذا المشهد المتناقِضَ ضمن جغرافيتها الواحدة، والذي قد يستمرُّ حتى بعد إحلال السلام ووقف العدوان. لذلك، كانت مبادرةُ فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، التي أطلقها خلال زيارته التاريخية للمحافظة والتقائه بأبنائها، خطوة شجاعة وحكيمة نحو إعادة لَمِّ شمل تعز، وإرساء قواعد السلام والأمن والاستقرار في ربوعها؛ إذ دعا إلى إنهاء التصعيد ووقف كافة الجبهات في محافظة تعز من قبل جميع الأطراف، وتفعيل دور الشراكة في إدارة شؤون المحافظة.
المبادرة فرصةٌ نادرةٌ لبدء صفحة جديدة من التآزر بين أبناء محافظة تعز؛ إذ تعبر عن رغبة صادقة وجادة، لا تحمل خلفها أيةَ مخطّطات خفية أَو مصالح ذاتية، بل تستجيبُ لمطالب أبناء المحافظة، الذين يتوقون إلى السلام والاستقرار والتنمية، وستساهم في وضع حَــدٍّ للمعاناة والدمار التي يتعرض لها المواطنون في شق المحافظة المحتلّ خُصُوصاً، وفي استرجاع روابط الأُخوَّة والتضامن بين أبناء المحافظة عُمُـومًا. وهذا سيساعد في التخلُّص من كُـلّ أشكال التفرقة والصراع التي زرعها العدوان وأذنابه؛ بهَدفِ تمزيقِ نسيج المجتمع. كما سيحفز روح الانتماء للوطن، وبما يؤكّـد على أن تعز -بشقَّيْها: الوطني والمحتلّ- جزءٌ لا يتجزأ من اليمن، وأن مصيرها مرتبط بمصير اليمن.
حقيقَةً، لم تكن هذه المبادرة عفويةً أَو مفاجئة، بل كانت ثمرةَ سلسلة من المبادرات التي قدمها الأنصار منذ بدء العدوان، والتي رفضها تحالف العدوان، الذي يسعى إلى استمرارِ الصراع، وإحباط كافة المساعي السلمية. لكن هذه المرة، يبدو أن المشير المشاط قد حسم الموقف، وأظهر حكمةً وشجاعةً في تقديم هذه المبادرة التي تنُمُّ عن حرص القيادة الثورية والسياسية على إنقاذ تعز من دائرة العنف والدمار، التي دخلت فيها منذ اندلاع العدوان على اليمن.
إن من يتابع وضع تعز يشعرُ بالأسى لما يحصل فيها من استغلال واضح وسلبي للوضع القائم في مناطقها المحتلّة؛ نتيجةً للإدارة الهشة وتبعية أجندات العدوّ الذي يتجاهل حقوق المواطن، فالعدوان يصر على إبقاء الفتنة داخل المناطق التي يهيمن عليها وتخريب كُـلّ ما يتصل بالإنسان. وفي هذه الظروف، يقدم المشير المشاط مبادرته السلمية، والتي تتطلب من الطرف الآخر التخلي عن المصالح الضيقة، ووضع مصلحة المحافظة فوق كُـلّ اعتبار من خلال التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة التي تعتبر مبادرةً وطنيةً قابلةً للتطبيق، تهدفُ إلى تحقيق السلام في تعز، وتخدم مصلحة جميع أبنائها، ولا تحتاجُ إلا إلى إرادَة صادقة من قبل هذه الأطراف التي عليها أن تقومَ بتقييم الفترة الماضية بشكل صحيح، فتسع سنوات كافية وزائدة للوصول إلى نتيجة واضحة لكل من لديه أدنى عقل أَو ضمير أنه لا حَـلّ إلا بالاتّحاد والتضامن بين الجميع لمواجهة الخطر الحقيقي القادم من خارج الوطن.
رغم التحديات التي قد تواجهُ هذه المبادرة، إلا أنها تحظى بتأييدٍ واسعٍ من قبل أبناء محافظة تعز، الذين يشعرون بالأمل في أن تكونَ هذه المبادرة بداية لانفراجة في وضعهم الصعب، وفرصة لإعادة بناء محافظتهم التي دمّـرها العدوان. فأبناءُ تعز -في الشِّقَّين: الوطني والمحتلّ- يدركون أنهم يشتركون في مصير واحد، وأنهم يجب أن يتحدوا في مواجهة العدوان الذي يسعى إلى تفتيت وحدتهم وسلب ثرواتهم.
ولذلك، فَــإنَّ هذه المبادرة تستحقُّ كُـلَّ التقدير والتشجيع من قبل جميع الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية. فهي -إذ تمثل خطوة مهمة لتحقيق السلام في تعز- ستؤثِّرُ وبما لا يدع مجالا للشك بشكل إيجابي على السلام في اليمن بأسره؛ فتعز هي قلب اليمن، وَإذَا نما قلبُ اليمن، فَــإنَّ كُـلَّ جسده سينمو.