“طوفانُ الأقصى” عنوانٌ لمرحلة القول الفصل
محمود المغربي
قد تكون عملية طوفان الأقصى الأولى في تاريخ الصراع مع العدوّ الصهيوني، من حَيثُ المبادرة والاستهداف المباشر لعمق العدوّ وسقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى الصهاينة، وبلا شك أنها كانت الأنجح من حَيثُ التخطيط والتنفيذ والإتقان والجرأة، وربما تكون هي الأكثر رعبًا وصدمة وتأثيرًا على الكيان، وقد يمتد تأثيرها لعقود، وقد لا يتعافى منها الكيان الصهيوني إذَا لم تتدخل أيادي الأنظمة العربية المتصهينة لإنقاذ الموقف.
وقد يترتب عليها نتائج غير معهودة بغض النظر إذَا ما كانت سلبية أَو إيجابية، إلا أن هناك شيئًا قد تحقّق في هذه العملية، ويجعلها مميزًا وغير مسبوقة في تاريخ الصراع مع اليهود، وأكثر أهميّة من كلِّ ما تحقّق من إنجاز، ويتمثل ذلك في تخلص المقاومة الفلسطينية من العملاء والخونة وتطهير الجبهة الداخلية منهم وإحراق أهم وأعظم ورقة بيد العدوّ الصهيوني، بل هي أقدم وَأنجح الأوراق التي استخدمها اليهود وأعداء الأُمَّــة طوال القرون الماضية ضد أعدائهم، وقد كانت سببًا رئيسًا في كُـلّ الفشل والهزائم المتتالية للأُمَّـة أمام اليهود، والمتمثلة في اختراق صفوفنا وتجنيد العملاء والخونة وزراعتهم في كافة المواقع، مما أتاح للعدو التقدم علينا والاستعداد وإفشال ما يعد له.
ولعلها أول مرة يتم فيها مباغتة العدوّ وأخذه على حين غرة، ولأول مرة يتم توجيه ضربة عنيفة له، دون أن يكون على علم بها أَو مستعد لها؛ ما أربك العدوّ وهز كيانه وجعل نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكية يظهران بتلك الصورة المهزوزة، وأفشل قدرة الكيان الصهيوني على الرد أَو استعادة المبادرة واسترجاع غلاف غزة، الطوق العسكري الذي يضم أهم وأكبر الثكنات العسكرية التي تحمي الكيان وخط الدفاع الأول عن تل أبيب وعن الكيان بأسره، بعد أن أصبح لا يمتلك عيونًا أَو آذانَ في داخل المقاومة الفلسطينية، ولا يعلم أين سوف يضع القدم التالية، وماذا سوف يواجه، ومن أين سوف تأتي الضربة القادمة بعد خسارة أهم ما كان يمتلك ويتميز به.
على عكس المقاومة الفلسطينية التي ظهرت أكثر ثقة وقوة وثباتًا، وتعلم أين تضع قدمها، وما هي الخطوة التالية، وماذا يواجهون، ومن أين سوف تأتي الضربة القادمة، بعد أن استطاعت اختراقَ العدوّ، ولها أدوات وأعين وآذان في عمق العدوّ وأرضه، وبعد أن باتت قادرة على تضليل العدوّ وأدواته والتحَرّك بحرية، مع محدودية المساحة والإمْكَانات والقدرة الهائلة والإمْكَانيات الكبيرة التي يمتلكها العدوّ الصهيوني، خُصُوصاً في مجال الرصد والعمل الاستخباراتي، بل إن الكيان الصهيوني من بين الخمس الدول الأول في العالم بهذا المجال، إلا أنه وكما شاهدنا قد ظهر هذه المرة مصعوقًا ومذهولًا مما حدث ومما تمتلك المقاومة الفلسطينية من أسلحة ومعدات، وكيف تطورت عقلية المقاوم الفلسطيني، وكيف أصبح بهذه الجرأة والقوة.
وهذا يجعل من عملية طوفان الأقصى شيئًا غير عادي، بل هي تطور هائلٌ وغير مسبوقٍ من شأنها أن تغيِّرَ طبيعةَ الصراع ونتائجه، وتجعل دول المنطقة والإقليم تعيد النظر في كافة التحالفات، وتفرغ الإنجازات السابقة للعدو الصهيوني من محتواها، وتجعل عمليات التطبيع السابقة بلا جدوى أَو ثمار، بعد أن كان العدوّ قد أُصيب بالغرور وظن العدوّ والصديق أن المعركة محسومة، وأن حدوث شيء كهذا الذي حدث بالأمس غير وارد أَو ممكن، بعد أن أعتقد العدوّ الصهيوني أن القضية الفلسطينية قد تم تصفيتها وظهر بمظهر المنتصر، بل وذهب يعربد ويهدّد دول المنطقة والإقليم حتى بات الجميع يعتقد أن الكيان الصهيوني قوة لا تقهر، مما دفع بالكثير من الأنظمة العربية إلى فتح أبواب مدنهم وقصورهم أمام الصهاينة، وتوجّـه الكثير من تلك الأنظمة نحو تل أبيب لتأدية الولاء والطاعة على مبدأ “يدٌ لا تستطيع كسرَها قبّلْها”.
ما قام به المجاهدون الفلسطينيون من أبناء غزة المحاصَرة من قبل العدوّ وأتباعه أربك المشهدَ وأدخل الصراع مع العدوّ الصهيوني في حقبة زمنية جديدة مختلفة عن حقبة الهزائم والنكبات والخيانات والقهر الذي عشنا فيه لعقود من الزمن.