غزوةُ الأحزاب و “طوفانُ الأقصى”.. دروسٌ وعِبَر
فايز البتول
لا ينكر عاقلٌ أنّ عمليةَ (طوفان الأقصى) التي نفذها مجاهدو المقاومة والتي كسرت شوكة اليهود، وعرّت فزّاعة استخباراتهم، وَأهانت كبرياء وغرور جيشهم، هذه العملية كشفت معادن الناس، ففي حين ظهر موقف الشعوب الحرة والرافضة للقمع الإسرائيلي والدعم الأمريكي لهم ولجرائمهم.
فضحت طوفان الأقصى الأنظمة العربية العميلة أمام شعوبها، وأظهرت قُبحَ عمالتهم، وَمدى انبطاحهم، وَخزي مواقفهم.
يتسابقون لإثبات الولاء، وإظهار مواقف تقربهم من سيدتهم أمريكا وربيبتها المدللة إسرائيل، متناسين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أولياء بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِين) سورة المائدة، هل يعي هؤلاء مدلول هذه الآية وخطورة تولي اليهود والنصارى؟ ألا يعلمون أن من تولاهم فهو منهم؟
أي أنه خارجٌ عن دائرة الإسلام عرف ذلك أم لم يعرف، وأكاد أجزم أنهم لم يعُد يمثل لهم انتماؤهم للإسلام أدنى أهميّة، وَما تطبيعهم وَالتقرب من أعداء الله إلا خير شاهدٍ على ذلك.
هل يعرف هؤلاء الحكام حقيقة اليهود الذين يخافونهم وَباتوا يخشونهم أشد من خشيتهم لله؟
هؤلاء اليهود، الذين وصفهم الله بأشنع الأوصاف؛ بسَببِ أفعالهم التي تجاوزت كُـلّ وصف، يهود الأمس هم يهود اليوم، مئات الآيات في القرآن الكريم تفضحهم وتكشف عورهم، وسوء نياتهم، وتطاولهم على ربهم، وَتكذيبهم وقتلهم لأنبيائهم وتحريفهم للكتب السماوية ونقضهم للعهود والمواثيق وإفسادهم في الأرض.
قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كيف يشاء)،(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)،(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ)،(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)،(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِـمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)،(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض أُولئك لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدار).
ما أشبه الليلة بالبارحة!
في غزوة الأحزاب لما جمع أئمة الكفر من كفار قريش والقبائل المتحالفة معهم، يعاونهم ويساعدهم لوجستياً منافقو المدينة ويهودها المتحالفون أصلاً مع النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-.
صوّر الله سبحانه وتعالى موقفَين مهمَّين:- موقف أهل الإيمان الثابتين، الذين لم تخفهم جموع أعدائهم ولا كثر عددهم وعدتهم، وموقف أهل الكفر والشقاق والنفاق، الذين أرادوا تسجيل مواقف تُحسب لهم وتشفع لهم عند أعداء الإسلام، ظناً منهم أن الغلبة ستكون لهم.
كان موقف المؤمنين واضحًا وجليًّا كما صوّره الله سبحانه بقوله: (وَلَـمَّا رَأَى الْـمُؤْمِنُونَ الْأحزاب قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) سورة الأحزاب.
على النقيض من ذلك جاء موقف المشككين والمرجفين والمنافقين مُناقضاً، بل ومخيّباً، قال تعالى واصفاً موقفهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْـمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، شتان بين الموقفين، وشتان بين الفئتين.
الموقف الأول: صادرٌ عن فئة مؤمنة موّحدة لا تغتر أو تتأثر بالكثرة، واثقة بربها ووعده.
أما الموقف الثاني: فهو صادر من فئة منبطحة، تخشى الموت ومستعدة لتقديم التنازلات وإبرام الصفقات ضماناً لبقائها تبتغي العزة من أذلاء (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أولياء مِنْ دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا)، يتكرّر الحدث، ويتكرّر الموقفان وتتمايز الفئتان، ويشاء الله أن يميز الخبيث من الطيب.
اليوم وأمة الملياري مسلم تشاهد فظائع الصهاينة ووحشية قصفهم لمنازل المدنيين، ما سلمت حتى المدارس التابعة لمنظمة الأونروا، ولا المستشفيات ولا الكنائس التي يلجأ إليها النازحون من هول القصف، صبّ المحتلّون جام غضبهم على المواطنين العُزّل، والنساء والأطفال دون تحقيق أي هدف استراتيجي يُــذكر، سوى المزيد من الجرائم المضافة إلى سجلهم الأسود الملطخ بدماء الأبرياء وانتهاكات كُـلّ العهود والمواثيق.
اليوم تقف الشعوب الحرة عاجزة عن نصرة إخوانهم في فلسطين، لم تجد سوى التظاهر كوسيلة للتعبير عن مشاعرهم الغاضبة وتنديداً بجرائم الصهاينة الملاعين، يقابل ذلك قمعٌ وعنفٌ من أنظمتهم العميلة وَتنكيلٌ من أجهزتها القمعية التي صنعتها فقط لقمع شعوبها وتدجينهم.
لكن لن يخلف الله وعده، فبشائر النصر تلوح في الأفق ومعنويات المجاهدين وتصريحاتهم الإعلامية القوية، وضرباتهم الموجعة لليهود تنعش فينا الآمال والتطلعات أن نهاية اليهود باتت قريبة، وقريبة جِـدًّا.
وكما طرد اليمنيون البريطانيين من جنوب اليمن بعد استعمار جثم لأكثرَ من قرن ونصف قرن على ترابنا الطاهر وسقطت هيبة المملكة التي حكمت ربع سكان العالم والتي لم تكن تغيب عنها الشمس، وَكما أخرج الجزائريون الاستعمار الفرنسي البغيض بعد تضحيات تعدت المليون شهيد، سيخرج اليهود من فلسطين أذلاء صاغرين، هذا وعد الله وَهذه سننه الكونية.
إن بعد العسر يُسرًا، والنصر مع الصبر، والفرج مع الشدة، والمنحة مع المحنة، وأن الحرية والاستقلال ثمنهما غالٍ ونفيس.
لكم الله يا من تروون بدمائكم الزكية تراب فلسطين الطاهر أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، لكم الله، يا من اصطفاكم الله وشرفكم بالدفاع عن المقدسات وَجز رقاب أسوأ الخلق وَشر البرية، نقبل أقدامكم، يحدونا الشوق للانضمام في صفوفكم والقتال معكم، وتسبقنا الدعوات لكم بالتثبيت والنصر المؤزر بإذن الله: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).