على الأُمَّــة أن تنهَضَ من سُباتها قبلَ فوات الأوان
عبدالإله محمد أبو رأس
إن الموت قادم وهو حق مكتوب على رقاب العباد وهو نهاية حتمية للجميع، والوهن لن يؤخره، والذل والارتهان لن يبدله، والخوف والاستضعاف لن يرده على أعقابه، وخيار القوة إن كان خياراً صعباً علينا فهو خيار أصعب على إسرائيل، الأمر العارض العابر في منطقتنا، وهزيمة واحدة كافية لخلع إسرائيل إلى الأبد.
أيها السائرون نياماً!
إن الحفّارات التي حفرت الأنفاق تحت المسـجد الأقصى والتي تحفر الآن أَسَاســات المستــوطنة اليهودية الجديدة في غلاف غزة تحفر الآن في قلب كُـلّ مسلم متخاذل، وقلب كُـلّ مسيحي مساند، وتطعن في عروبة كُـلّ عربي ومستعرب، وتُصــنف حقيقة كُـلّ مؤمن ومُطبع ومحايد، وتطعن في إسلام كُـلّ واحد، وتنـــادي بالصوت العالي لكل حاكم عربي حر وثائر.
والذين يؤثرون السلام اليوم على أنفسهم ويمشون نياماً إلى جِوار الحائط هم أول من يطمع فيهم الأعداء الظالمون، هم أول من سوف يقعون ضحية المثالية المفرطة والمحبة للسلام الكاذب والـزائف.
قافلة طويلة تسير وهي نائمة وعيونها مفتوحة كأنما أصابها مَسّ والألاعيب تُحبك من وراءها، والقنابل تنفجر من حولها، والعالم يتغير والتاريخ يتبـدل، والأرض تُستـعمر والقدس تُحتل، والمقــدسات تدنس، والفتن تؤجج والنار تُسعر، والمؤامرات تُحبك والمخطّطات تنفـذ، والشرق الأوسط يُقســم ويُجزأ ويستعــمر لصالح قِوى شيطـانية سخرت كُـلّ قِـواها ونفــوذها وأموالها وإعلامها وعملائها وجواسيسها لخدمة مخطّطاتها وتمكين كيانٍ صهيونيٍّ من استعمار أراضينا ومقـدساتنا، وهؤلاء ما زالوا يمشون على غفلة من أمرهم وهم نيام.
إن ما يحدث اليوم في قطاع غزة يوقظ الموتى من قبورهم غضباً، أين صرخة الاحتجاج والتنـديد والإسناد من كُـلّ منابر صنـع القرار في الدول العربية والإسلامية؟، إنها جرائم شنعـاء بكل المقــاييس ولكن الجريمة الكبرى هي التخاذل والسكوت عَمَّا يدور من انتهاكات صارخة.
إن الموقف اليوم يحتاج إلى استراتيجية حازمة، وحسابات مختلفة، وتكتلات تحالفية، ودفاعات فيتـو عسكرية مشتركة، وصناديق نقدية داعمة، وشبكة عنكبوتية متناولة قضايا إسلامية منها فلسطينية وأُخرى عربية مهمـة.
والمطلوب اليوم من هذه الأُمَّــة أن تنهض من قبورها، وأن تصحوَ من سباتها وأن تفطن إلى عيـوبها وأن العيب فيها، وأمراضها القاتلة من صنع أيديها، وأن الدواء الشافي أقرب إليها مما تظن، يجب على المسلمين أن يتحدوا ويـؤمنـوا ويقفوا صفاً واحداً كبنيان مرصـوص، وأن يوقنوا أن الحق لا بُـدَّ غالب، أن ينســى كُـلّ واحد منهم هوى نفسه ولو لبرهة زمان، أن يكونوا مثل هؤلاء الذين رأيناهم يسجدون على الثلج والسماء تمطرهم بالموت فيهتفون قائلين “الله أكبر”.
إنهم يتصرفون اليوم وكأنهم يتعــاملون مع أصفار لا قيمة لها، وهذا الغياب الجموعي من المـوقف العربي والإسلامي المتشــرذم والمتفــرق والمتقــزم ســوف تكون له عواقب وخيمة، والنار المشتعلة لن تتوقف مكانها، بل ستـطال الكل وستصل نارها كُـلّ كراسي الحكم والنفـوذ، وســوف تأكل الأخضر واليابس، وخروج التصريحات من منــابر فردية مشتتة ومتفرقة لن تكف ولن تفعــل ما تفعله قرارات وتصريحات جدية تندّد وتهدّد وتتوعد بالهولِ والوعيد.
إلى متى ستظل الرايات البيضاء والشعـارات الهوجاء المحبة للسلام الكاذب ترفرف في سماء العلن، بينما الرايات الدمــوية والشعارات القاتلة للأعداء ترفرف على الدوام.
نريد حضورًا عربيًّا وإسلاميًّا مشتــركًا، وتنديدًا شعبيًّا مكثّـفًا، وصـوتًا إعلاميًّا موحدًا، وتصريحًا جموعيًّا مهدِّدًا ومنفذًا، وبهذا الحشد الجموعي الثائر سيكـون له صدأٌ مُدَوٍّ يهز الأعداء، وبهـذا سيعـرف الأعداء بإنه لم يعد من الممكن التعامل مع فلسطين بهذه السخرية والاستهتار والإجرام والاستخفاف.
لقد تنازل العرب عن الكثير ولم يبـــقَ إلَّا أن يتنــازلوا عن موضع أقدامهم، وليعلم الجميع بأنهم الآن على شفــا حفــرة، وأن المضي فـــي السلـــبية والتغــاضي والتجاهل وإغماض العين هو ما سيقود الجميـــع إلى الهاوية.
لقد جاء الوقت الذي ننفض به غبار ريشنــا وأن نقطع كُـلّ العلاقات الدبلـــوماسية والاقتصادية مع الكيـانات الغربية والمتصهينة وإيقاف التطبيع والعودة إلى المقاطعة والمواجهة، والمساندة ومد يد العون والإسنـاد لإخواننا في فلسطين المحتلّة، فالمواجهة اليوم ليست بالشيء البسيط، بل هي بشأن دين ومقدسات وكرامات ومستقبل وبقاء أُمَّـة أَو عدم بقائها.
نقول هذا الكلام لتصحوَ هذه الأمُّة صحوهً قبل المـوت ولتخرج من حالة الوهن والـركـود، والضعـف المصطنع والخوْف المُلتف حول الأعناق والسيــوف المُسلطة على الرِقاب ولتدع بضاعة التردّد وتخوض في إنصــاف المواقف، ولتخرج من حالة الاسترخاء والاستضعــاف عن معسول الكلام وزائف الـوعود.