فار التنورُ وبدأ الوعدُ المذكور
بلقيس علي السلطان
إنها فلسطين وما أدراك ما فلسطين؟ هي من تحمَّلت مكر اليهود وبطشهم على مدى أكثر من سبعين عاماً، فقطعت أوصال أرضهم وجزأتها تحت مسميات عبرية، وأسرت شبابهم حتى شاب رأسهم وشاخوا في السجون، وقتلت الآلاف منهم فنضحت الأرض بدمائهم على مختلف أعمارهم، ناهيك عن انتهاك المقدسات الإسلامية وتدنيسها والتحكم بها وجعل أجزاء منها للعبادات اليهودية الشيطانية، لقد جمع الفلسطينيون جميع هذه الأوجاع وجعلوا منها الوقود الذي تزودوا به والذخيرة التي ملأوا بها طاقاتهم، حتى إذَا ما فار تنور الغضب وأمطرت السماء المجاهدين من فوق أسوار اليهود وحصونهم وأخرجت الأرض الصواريخ والعتاد، حينها بدأ الطوفان الكبير الذي جرف معه هيبة اليهود وعناوينهم الزائفة عن الجيش الذي لا يقهر؛ لكنه قُهر وأذل على يد المجاهدين الأبطال الذين طالما استهدفهم اليهود بأخبث الوسائل وأحقر الطرق ظانين أنهم سيطفئون نور الجهاد الوضاء، لكنهم ما زادوه إلا اتقاداً وإصراراً.
الـ٧ من أُكتوبر يوم ستخلده ذاكرة الأجيال وتحكيه لمن بعدها، فهو اليوم الذي قلب الموازين وأرعب اليهود وأحلافهم وفاجأ العملاء وأذيالهم، فقد سجل المجاهدون في فلسطين معارك عظيمة ضد اليهود وثبتوا ثباتًا منقطع النظير، فالفرق واضح بين المجاهدين واليهود، فالمجاهدين لا يملكون ما يملكه اليهود من العتاد والعدة؛ لكنهم يمتلكون العتادَ الأكبر وهو: الإيمان بالله وبالقضية الأم التي هي قضية العالم بأكمله.!
قد يقول البعض إن ما يجري في فلسطين هو صراع عربي إسرائيلي، وهذا غير صحيح، فالصراع مع اليهود لا يختصه العرب فقط؛ بل هو صراع عالمي يستهدف جميع الشعوب دون اليهود، فهم بحسب ثقافتهم العنصرية يرون البشرية مُجَـرّد قطعان وبأنهم خلقوا فقط لخدمة اليهود، ومن زاغ منهم عن الطاعة وأصبح عنده وعي عن خطورة اليهود ومكرهم كان مصيره الحرب والتشويه الإعلامي والإبادة تحت مسميات كاذبة يتشدق بها اليهود.
ما يحصل اليوم في غزة وسائر فلسطين وكذلك في جنوب لبنان، هو رد هيستيري من اليهود الذين لم يتحملوا حجم الصدمة التي أخرجتهم عن نطاق الإنسانية والأخلاق، وما يرتكبونه اليوم من مجازر بحق الأبرياء ليست الأولى من نوعها ولا الجديدة في بشاعتها وخبثها، فمن يقرأ التاريخ الدموي لليهود سيجد الكثير من المجازر التي أحدثها اليهود بحق الفلسطينيين وغيرهم، فما زالت مذبحة صَبرا وشاتيلا ومذبحة دير ياسين والمسجد الإبراهيمي تقف كشاهد حيٍّ على نازية اليهود وعنصريتهم وخبثهم، كما هي كذلك بصمات الشيطان الأكبر (أمريكا) في كثير من الدول العربية كالعراق واليمن وسوريا، والإسلامية كأفغانستان، وعالمية كفِتنام واليابان.
جميعها أحداث تشهد على أن اللوبي الصهيوني هو المنفذ والمقرّر لكل الدمار في العالم ولكل الإبادات البشرية التي لهم بصمات فيها، والتي كان آخرها المستشفى المعمداني بغزة، الذي أضيف إلى قائمة الجرائم الصهيونية الأكثر دموية في العالم.
الخبث اليهودي ليس وليد عصره بل هو متجذر عبر التاريخ، فمن سولت له نفسه قتل أنبياء الله بغير حق، لن يتوانى بقتل بقية البشر، ومن سولت له نفسه تحريف كتاب الله لن يتوانى في تحريف الحقائق وجعل الجلاد هو الضحية والإلقاء باللائمة على ثلة المجاهدين الأحرار، وتلفيق الجرائم بهم بمواقف وتصريحات هزيلة تعكس الإفلاس الإعلامي والأخلاقي والإنساني الذي وصلوا إليه، وكذلك التخبط في تبرير المجازر الإبادية التي يرتكبونها كُـلّ يوم.
يبقى دور الشعوب القابعة تحت سلطة العملاء من حكام العرب، هو الدور الأكبر في الضغط على حكوماتهم ومرؤوسيهم وملوكهم وأمرائهم بتغيير مواقفهم بمواقف مشرفة وبالدعم الإنساني والفعلي للشعب الفلسطيني، لكن الدور الأبرز والأكثر تأثيراً هو دور محور الجهاد والمقاومة الذي له كلمته ودوره المحوري، ومن ذلك ما صرح به السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بأن الشعب الفلسطيني ليس وحده وأن اليمن هو جاهز لتقديم مئات الآلاف من المجاهدين، وبأن التدخل الفعلي قائم ما إذَا تدخلت الولايات المتحدة في الاجتياح البري لغزة بالصواريخ والمسيَّرات، وكذلك ما يفعله حزب الله من رد فعلي باستهداف معدات ودبابات إسرائيلية في الجنوب اللبناني وكذلك بقتل الجنود اليهود المحتلّين لجنوب لبنان، وكذلك التصريحات القوية لإيران بأن الصمت على الجرائم الوحشية لن يطول، وهو لن يطول ولا بد للشعوب أن تثور وتخرج مزمجرة بأن الصبر قد نفد وبأن الوقت قد حان لرفع أذان الجهاد في الناس ليأتوا رجالاً وليصدقوا الله ما عاهدوه عليه، ويصدق الله ما وعدهم إياه من النصر والغلبة والعزة والكرامة، وما ذلك على الله بعزيز، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.