أُستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء الدكتور عبد الملك عيسى لـ “المسيرة”: الدخولُ البري للكيان الصهيوني إلى غزةَ سيدفعُ حزبَ الله للدخول في المعركة وإذا تدخلت أمريكا سيتدخل محورُ المقاومة
المسيرة- حاوره إبراهيم العنسي:
أكّـد أُستاذُ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الملك عيسى، أن ما حدث في عملية “طوفان الأقصى” يوضح حقيقة ما تحدث عنه السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، عن الحتميات الثلاث، وأهمُّ حتمية أن إسرائيل ستُهزم.
وقال عيسى في حوارٍ خاص لصحيفة “المسيرة”: إن “الطوفان كشف للرأي العالمي عن حقيقة الجيش الذي يدّعي بأنه لا يُقهر، حَيثُ هُزم وأصبح ذلك حقيقة واقعية”.
وأشَارَ إلى أن الدخول البري للكيان الصهيوني إلى قطاع غزة سيدفعُ حزب الله للمشاركة جنباً إلى جنب مع حركات المقاومة الفلسطينية، وَإذَا ما تدخلت أمريكا بشكل مباشر، فَــإنَّ محور المقاومة من اليمن والعراق وسورية سيدخلون إليها.
إلى نص الحوار:
– بدايةً دكتور عبد الملك لنتحدث عن أبعاد عملية “طوفان الأقصى” على المستوى السياسي والعسكري والاجتماعي… إلخ؟
أولاً نُقَدِّمُ التهنئةَ لكتائب عزالدين القَسَّام -الجناحِ العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس- على هذه العملية الكبرى والنوعية، عملية “طوفان الأقصى” التي تشكّلُ اليوم منعطفاً جديدًا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
وفيما يخُصُّ “طوفانَ الأقصى” فهناك تداعياتٌ كثيرةٌ حملتها هذه العمليةُ على المستوى العسكري؛ فقد تم إذلالُ الجيش الصهيوني الغاصب على يد مجموعة واحدة من مجموعات المقاومة الفلسطينية وهي حركة حماس، وليس كُـلّ الحركات الفلسطينية المقاومة، حَيثُ استخدمت كتائب القسام استراتيجية الصدمة ضد الجيش الصهيوني؛ ممَّا شكّل مفاجأة كبرى للجيش الصهيوني وشكل إلى جانب الإذلال إرباكاً كَبيراً جِـدًّا على المستوى القيادي بداخل الجيش وصف الضباط والجنود ولم يدركوا ما أصابهم إلا بعد مرور 10 ساعات، كذلك هناك الفشل الاستخباراتي الكبير للجيش الصهيوني والشاباك وغيرها من الأجهزة رغم الميزانية الكبرى التي تصرف على الجانب الاستخباراتي بمليارات الدولارات.
أما على المستوى السياسي، فحالة الارتباك العسكري انتقلت إلى المستوى السياسي، فلم يظهرْ أيُّ قائد سياسي واحد ليُخبِرَ الصهاينة ما الذي أصابهم ويقومَ بتطمين الصهاينة، حَيثُ ساد الارتباكُ على المستوى السياسي كليًّا من رئيس الكيان ورئيس الوزراء ووزير الدفاع وغيرهم ولم يستوعبوا المسألة إلَّا بعد مرور ساعات كثيرة على بدء الطوفان، لكن التأثير الأكبر كان في الجانب الاجتماعي، فهناك أثران هامَّان في هذا الجانب:-
أولُهما: فقدانُ الثقة الكبرى في الجيش الصهيوني من قِبل المستوطنين الذين كانوا يراهنون على الجيش؛ مِن أجلِ الحماية من أية عملية فلسطينية بعد فقدان الثقةِ منذ سنوات في المستوى السياسي.
وثانيهما: الهجرةُ العكسية من قبل المستوطِنين إلى خارج غلاف غزة، وفي الحدود الشمالية كخطوة أولى ومن ثم الخروج خارج الكيان الغاصب إلى دولهم التي أتوا منها، فلم يعد أحدٌ يثقُ في حماية الجيش، و”طوفانُ الأقصى” عمل على كَيِّ الوعي لدى هؤلاء الصهاينة، وهو العنصرُ الجوهري الذي حقّقته هذه العملية.
– مع كُـلّ ما رأيناه.. كيف تقرؤون دلالاتِ التحوُّل في جبهات المقاومة من الحجر إلى المواجهة بالصواريخ واقتحام المستوطنات… إلخ؟
المؤكّـد أن الظلمَ الذي عانى منه الشعبُ الفلسطيني على مدى أكثرَ من 70 عاماً وخِذلانَ الدول العربية والإسلامية لهذا الشعب العظيم وتحمُّلَ المسؤولية الجهادية من قبل شباب المقاومة الفلسطينيين والتخلُّصَ من القيادات العميلة بداخل الشعب الفلسطيني، عواملُ ساهمت في تحول المقاومة من الحجر إلى الصاروخ وهي سُنة الله في الكون؛ فلا يمكن أن يرضى اللهُ عن الظلم شرطَ أن يتحمَّلَ المظلومُ المسؤوليةَ الحقيقيةَ، وهذا ما تم، فسخّر اللهُ لهم الجمهوريةَ الإسلامية في إيران وفقَ ترتيبٍ إلهي، فنحن نعرفُ أن معظمَ هذه الحركات المقاومة أُسِّست بعد قيام الجمهورية الإسلامية (حماس 1987م) وَ(الجهاد الإسلامي 1981م) وحزب الله (1982م) وغيرها من الحركات المقاومة الإسلامية بتأثير من الثورة الإسلامية في إيران، وقد قامت الجمهورية الإسلامية بتقديم الدعم المناسب من الكلاشنكوف وَالآر بي جي وحتى الصواريخ الحديثة ذات المديات الكبيرة والطيران المسيَّر؛ وهو ما جعل إسرائيل تنكشف على حقيقتها، وأنها ليست كما كان يصور للعرب بأنها تملك الجيش الذي لا يقهر، بل قهر وعلى يد حركات إسلامية لا يتجاوز جيشها آلاف.
– مرَّ قرابةُ أسبوعين من “طوفان الأقصى”.. ما الرصيد الذي أضافته العمليةُ لمحور المقاومة؟
رصيدٌ هامٌّ جِـدًّا، فإلى جانب ما تحدثت عنه فقد كشف الجيش الصهيوني على حقيقته وبأنه جيش “مهزوم” لا يمكن أن “يتنصر” كما تحدث السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- عن الحتميات الثلاث، وأهمُّ حتمية أن إسرائيل ستُهزم؛ فعمليةُ “طوفان الأقصى” كشفت للرأي العام العربي والإسلامي والعالمي إمْكَانيةَ هزيمة هذا الكيان، وقد أصبح ذلك حقيقةً واقعةً، وغيّرت صورةَ “الجيش الذي لا يُقهر”.
– مع كُـلِّ الصَّخَبِ الأمريكي الدعائي بدعم تل أبيب.. كيف تقرؤون استعداداتِ دول المقاومة لخوض غمارِ الحرب في حال اجتياح العدوّ لغزة مع تقليل البعض من هذا الدور المقاوم المتقدم جداً؟
القصةُ بأكملِها تدارُ من غرفة عمليات مشتركة تمتلكها فصائل المقاومة: (حماس، الجهاد، حزب الله، أنصار الله، الحشد الشعبي، سوريا، إيران، وغيرها) وليست مسألة تتعلق بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، هذا من جانب، والجانب الآخر والهام هو التفكير البارد في التعامل مع التحديات والتهديدات؛ فالاستعجال في معركة استراتيجية كالقضاء على الكيان الصهيوني عمل عبثي؛ ولذلك أعلن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، معاييرَ التدخل والخطوط الحمر التي تم رسمها أمام الأعداء منذ أعلن (الردع الإقليمي المتدرج) ضمن سياق الكلمة، وهو يُعتبَرُ رَدَّا عمليًّا على مصطلح (نتنياهو) (الردع الإقليمي) عندما تحدث أن هناك خطوطًا حمراء، بحيث تصبحُ المعادلةُ على النحو الآتي:
الردع الإقليمي المتدرج:
أ- العدوان والمعارك هي بين حركات المقاومة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني.
ب- الدخول البري واقتحام مدينة غزة من قبل الكيان الصهيوني إلى قطاع غزة، سيجابه بدخول حزب الله في المعركة.
ج- إذَا قامت أمريكا بالتدخل لمنع حزب الله للدخول في المعركة عندها سيقومُ أنصارُ الله في اليمن والحشد الشعبي بالعراق بالتدخل العسكري ضد أي تدخُّل أمريكي وضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، بما فيها استخدام الطيران المسيَّر والصواريخ البالستية طويلة المدى.
د- إذَا تدخلت دولٌ أُخرى كبريطانيا وفرنسا ستتدخل عندها الجمهورية الإسلامية في إيران في الحرب العدوانية ضد قطاع غزة.
فأنت هنا لا تحاربُ الكيان الصهيوني فقط، بل تحاربُ الغربَ الكافرَ بأكمله أُورُوبا وأمريكا كاملةً الذين هم خلفَ هذا الكيان الغاصب.
– إذَا ما قيَّمنا مواقفَ الدول العربية والإسلامية.. إيرانُ في طليعة المواقف المساندة للمقاوِمة منذ وقت طويل وقد نَسَبَ رئيسُ المكتب السياسي لحركة حماس نصرَ “طوفان الأقصى” للشهيد قاسم سليماني، وهذا في حَــدِّ ذاته مدعاة فخر.. ما تعليقكم؟
أصبح من المعروف على المستوى العالمي مَن هو الداعمُ الأَسَاسيُّ للقضية الفلسطينية وكلّ قضايا الظلم على المستوى العربي والإسلامي كاحتلال لبنان وتأسيس حزب الله، والظلم الواقع على اليمن مع الحرب العدوانية على الشعب اليمني؛ فكانت الجمهورية الإسلامية هي الدولة الوحيدة التي تناصر هذه القضايا بالموقف السياسي، ومن ثَمَّ الدعمُ العسكري حتى تحقيق النصر، وقد أعلن الكثير من قيادات حركة حماس عن دورِ الشهيد القائد قاسم سليماني، والشهيد القائد عماد مغنية وكيف زاروا قطاعَ غزة وأشرفوا على الخطة الدفاعية ضد الاجتياح الصهيوني للقطاع، إلى جانب أن الجمهورية الإسلامية أسست فيلقاً متخصصاً لنصرة الشعوب المظلومة وهو (فيلق القدس)، والذي ترأسه الشهيد القائد قاسم سليماني، ومؤكّـد أن هناك أدوارًا لا نعرف عنها شيئاً؛ لأَنَّه عمل سري، فلا نحن ولا غيرنا يعرف ما الذي قدمته إيران لحركات المقاومة، والأمر المقطوع به هو أنه لولا إيران لما بقيت أية حركات مقاومة للظلم في المنطقة العربية ولما حصل هذا التحول.
– كيف تقيِّمون موقفُ حزب الله وَسوريا وأنصار الله وَمصر وَالأردن وَمواقف الدول الخليجية والعراق في ضوء ما يحدث.. في أي تراتبية يمكن تصنيف مواقفها؟
هناك أربعةُ مستويات في هذا الجانب:
المستوى الأول: هو موقفُ دول محور المقاومة، وعلى رأسها إيران وسوريا والعراق ولبنان وصنعاء، وهذه موقفها واضحٌ للعلن؛ فحزب الله انخرط مباشرةً في التخفيف عن قطاع غزة، وأعلن عبر رسائلَ وصلت لجميع الوسطاء بأن الدخول البري إلى قطاع غزة واقتحام مدينة غزة سيدفع حزبَ الله للانخراط في الحرب العدوانية للدفاع عنها، وكذلك صنعاء (أنصار الله) فقد أعلن السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن أيَّ انخراط أمريكي في العدوان على غزة سيدخل أنصار الله المعركة نصرةً لغزة وكذلك باقي الفصائل في محور المقاومة ومنها إيران وغيرها.
المستوى الثاني: موقفُ الغرب الكافر، كُـلّ دول أُورُوبا وأمريكا وهو أصبح معروفًا بأنه إلى جانب العدوّ الصهيوني سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا وغيرها.
المستوى الثالث: الأنظمة العربية الحاكمة من مصر وحتى الخليج، وهذه الدول معروف أنها تقف حَيثُ يقفُ الأمريكي مهما كانت المواقف المعلَنة رفضاً أَو دعماً، ففي السر تتم الأمورُ وفق إرادَة الأمريكي.
المستوى الرابع: الشعوبُ العربيةُ، وهذه خرجت في مظاهرات مليونيةٍ؛ دعماً لحركات المقاومة، وغيَّرت حتى خطاب قادة الأنظمة العربية التي أصبحت تجامِلُ شعوبَها ولو بالكلام.
– ماذا لو غامرت الولاياتُ المتحدة الأمريكية بخوض حرب إلى جانب اليهود.. ألا تبدو المعطياتُ الواقعيةُ في المنطقة والعالم في غير صالح هذه القوى الاستعمارية والغرب تحديدًا؟
كُلُّ ما تقومُ به الولاياتُ المتحدة الأمريكية هو بمثابة حرب نفسية، فهناك إشكاليات كبرى تعاني منها أمريكا، فقد انسحبت من العراق وأفغانستان ووجّهت القواتِ لمجابهة الصين وروسيا وحرب أوكرانيا، والخلاف الحقيقي ما بين الحزبين (الديمقراطي، والجمهوري) فلا مصلحةَ لأمريكا في فتحِ صراعٍ حقيقي في المنطقة العربية، وَإذَا غامرت فمؤكَّـدٌ أنها ستكون الخاسرةَ وستنتهي “إسرائيل”.
– ماذا عن القوى العالمية الصاعدة الصين وروسيا.. أليس من مصلحتها لجمُ جماح أمريكا في هذا الوقت الذي لا تبدو فيه واشنطن وأُورُوبا العجوز على خير ما يرام؟
نعلمُ بأن العالمَ تُديرُه المصالحُ، ومصلحةُ الصين وروسيا يكمُنُ في تسجيل موقف ضد السياسَة الأمريكية، وهذا أصبح واضحًا للعيان، فروسيا قدمت مشروعَ قرار لمجلس الأمن الدولي، والصين تتحدث عن جرائم الحرب في قطاع غزة، وهذا أقصى ما يمكن الحصولُ عليه منهما (الشماتة بالأمريكي).
– كيف تقرأ رسائلَ الأمريكان أَو الإيحاءاتِ تلك بإرسال حاملتَيْ طائرات وجنود إلى شرق البحر الأبيض المتوسط؟ أليست واضحةً بأنها نوع من رفع روح الصهاينة بعد الضربة القاصمة للطوفان؟
هي كذلك، فما حدث في عملية “طوفان الأقصى” أَدَّى إلى نتائج هزيمة كبرى للصهاينة، فكان لا بُـدَّ من إرسال حاملتَي الطائرات؛ مِن أجل رفع الروح المعنوية للكيان المحتلّ (جيشاً، ومستوى سياسيًّا، وصهاينةً) للقول بأن أمريكا ستحمي “إسرائيلَ” فلا قلق.
أمَّا قصةُ أنها ضغطٌ على حزب الله في الدخول إلى الحرب، فهي وَهْمٌ لا معنى له؛ فحزبُ الله يعرفُ جيِّدًا كيف يتم إغراقُ مثل هذه الأشياء في البحر وضربُها، ولكن وعلى الرغم أن الهدفَ هو رفعُ الروح المعنوية لإسرائيل إلا أنها فشلت، ولن تنجحَ، والدليل على ذلك الهجرةُ المعاكِسةُ والخروجُ من مستوطنات غلاف غزة.
– أخيرًا، أَلَا يبدو موقفُ الإمارات والسعوديّة الأبعدَ عربياً وإسلامياً بالنظر لبقية المواقف؟
هذا واضحٌ من توجّـهاتهما وسلوكياتهما، وقد ظهر موقفُهما كموقفِ المنافقين، الذي تحدَّثَ فيها السيدُ القائدُ عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خِطابٍ سابقٍ له عن الحتميات الثلاث، وبأنهم سيخسرون؛ لأَنَّهم يقفون مع الباطِلِ والظلم.