مخطّطُ “اقتحام غزة” يتحوَّلُ إلى مأزق للعدو: “إسرائيل” محاصَرةٌ بمخاوف توسّع المعركة
تصاعد المواجهات مع حزب الله يجبر الاحتلال على إخلاء مستوطناته ومواصلة تأجيل “الاجتياح البري”
أمريكا ترسلُ المزيدَ من القوات والمعدات إلى المنطقة مع تزايد الخطر الإقليمي على الصهاينة
المسيرة | خاص
يواصلُ العدوُّ الصهيونيُّ جرائمَه ضد سكان قطاع غزةَ، بدعم أمريكي غير محدود، مع دخول معركة “طوفان الأقصى” أسبوعها الثالث، لكن تلك الوحشية لا تنجح في التغطية على هزيمته الاستراتيجية التي تلقاها يوم السابع من أُكتوبر، والتي توسع نطاقها الآن وباتت تهدّد كيان الاحتلال بحرب إقليمية بدأت بفرض معادلاتها قبل أن تنطلق بشكل رسمي، حَيثُ تمثل تداعياتها المزلزلة المحتملة عائقا رئيسيا أمام خطط العدوّ العسكرية الرئيسية، وأبرزها خطة اجتياح قطاع غزة التي يزداد ارتباك وتردّد الكيان وداعميه بشأنها مع تزايد مؤشرات ومخاطر اتساع رقعة المواجهة على المستوى الإقليمي.
العدوُّ يختنِقُ بمخطّطه لاجتياح غزة:
قالت وسائل إعلام إسرائيلية: “إن جيش الاحتلال أنهى ترتيباته للهجوم البري على غزة، لكن السياسيين داخل الكيان لا زالوا يعارضون شَنَّ الهجوم الذي يعتبره العدوّ الوسيلة الوحيدة “للرد” على الصفعة المدوية التي تعرض لها يوم السابع من أُكتوبر”.
الحقيقة أن مسألة الهجوم البري على قطاع غزة، لم تتعلق أبدًا بالتجهيزات، وعلى فرض أنها كانت كذلك في البداية، فَــإنَّها ومنذ عدة أَيَّـام أصبحت متعلقة أكثر بالمخاوف والتداعيات التي يبدو أن السياسيين الصهاينة أصبحوا يلمسونها يوماً بعد يوم، وهي مخاوف تتعلق بالوضع في غزة وفي المنطقة.
فيما يتعلق بقطاع غزة، وبعيدًا عن عنتريات قادة كيان العدوّ ودعاياتهم الإعلامية، أصبح الجميع يعرف أن قدرة جيش العدوّ على تنفيذ عملية برية ناجحة في قطاع غزة، شبه معدومة، في ظل نتائج الفشل التاريخي والهزيمة المدوية التي تعرض لها مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” والتي لا يزال عاجزاً حتى اليوم عن التغطية عليها، فضلًا عن معالجتها، حَيثُ لا يزال الوضع في مستوطنات غلاف غزة خارج السيطرة، ولا يستطيع المستوطنون العودة إليها، وقد صرح رئيس بلدية مستوطنة “سديروت” ألون دافيدي، بأنه لن تكون هناك أية عودة في ظل وجود المقاومة الفلسطينية في غزة.
وإذا كان الوضع كذلك الآن، فَــإنَّ مسألة دخول قطاع غزة، والمخاطرة بمواجهة المقاومة في أرضها، تمثل “انتحارا” واضحًا لجيش الاحتلال الذي أصبح يعتمد أصلًا على مجندي الاحتياط الذين لا خبرة لهم، بعد سقوط فرقة غزة بالكامل جراء هجوم المقاومة الفلسطينية في الأيّام الأولى.
هذا ما تواصل المقاومة الفلسطينية تأكيده من خلال رسائل واضحة للعدو بأن دخول قطاع غزة سيكون بمثابة دخول جهنم!
ومن خارج قطاع غزة يواجه العدوُّ مخاوفَ متعددةً وكبيرة تجبره على التردّد وإعادة حساباته فيما يتعلق باقتحام القطاع، وعلى رأس تلك المخاوف تصاعد وتيرة المواجهة مع حزب الله في الشمال، والتي تؤكّـد وسائل إعلام إسرائيلية أنها في مستواها الحالي قد أصبحت تمثل حربَ استنزاف خطيرة، ولم تعد مُجَـرّد مناوشات كما يظنها البعض، خُصُوصاً في ظل الإعلان المتكرّر عن إخلاء المزيد من المستوطنات هناك، وقد أوضح متحدث باسم جيش الاحتلال أن حوالي نصف مليون مستوطن نزحوا جراء ما وصفه بـ”التوترات” مع حزب الله!
وقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية هذا الأسبوع أن الولايات المتحدة الأمريكية أَيْـضاً تشعر بقلق كبير من احتمالية توسع المواجهة مع حزب الله، مشيرة إلى أن بايدن ومسؤولين أمريكيين أبلغوا قادة كيان الاحتلال بعدم “جر” حزب الله إلى معركة واسعة؛ لأَنَّ الجيش الصهيوني لن يستطيع المواجهة على جبهتَين.
وتؤكّـد وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن حزب الله أسهم بشكل رئيسي منذ دخوله خطَّ المواجهة في إعاقة خطط الهجوم على غزة.
ولا تنتهي مخاوفُ الكيان الصهيوني ورعاته عند هذا الحد؛ فتهديد الحرب الإقليمية ما يزال قائما على جبهات أُخرى، أبرزها اليمن والعراق، وقد أشَارَت وسائل إعلام عبرية، الأحد، إلى أن هناك تقديرات في “إسرائيل” باحتمالية التعرض لهجمات وضربات من هاتين الجبهتين مع استمرار المعركة.
وقد تواصل تصاعد مؤشرات دخول المقاومة الإسلامية في العراق على خط المواجهة خلال الأيّام القليلة الماضية من خلال الهجمات المكثّـفة المتتابعة على قواعد الاحتلال الأمريكية في العراق وسوريا، وآخرها هجوم بطائرات مسيرة وصواريخ استهدف قاعدة “عين الأسد” صباح الأحد.
أمريكا تواصلُ محاولةَ طمأنة العدوّ لكن بدون جدوى:
ونظرًا لما تؤكّـده مختلف وسائل الإعلام الصهيونية والأمريكية حول مخاوف توسع رقعة الصراع، فَــإنَّه لا يمكن فصل المعطيات السابقة عما يعلنه العدوّ الصهيوني بخصوص السقف الزمني “الطويل” للمعركة، حَيثُ يبدو بوضوح أن الحديث عن مواجهة طويلة ليست “استراتيجية” هجوم، بقدر ما هي محاولة اضطرارية لتفادي التداعيات وإيجاد “مخارجَ” أُخرى.
مخارجُ لا يبدو أن الكيان الصهيوني يملكُها، بل تؤكّـد كُـلّ المعطيات أن العدوّ يعول بشكل كامل على الولايات المتحدة الأمريكية في تهيئة الأجواء له؛ مِن أجل تنفيذ الهجوم على غزة بدون التعرض للتداعيات، وخُصُوصاً الإقليمية منها.
هذا ما تؤكّـده الولايات المتحدة الأمريكية أَيْـضاً بشكل واضح، من خلال مواصلة تعزيز وجودها وقواتها في المنطقة، حَيثُ أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الأحد، أن واشنطن سترسل المزيد من العتاد العسكري إلى الشرق الأوسط دعمًا للكيان الصهيوني؛ و”لتعزيز الموقف الدفاعي للولايات المتحدة في المنطقة”، مُشيراً إلى أنه سيتم إرسال المزيد من معدات الدفاع الجوي بما في ذلك أنظمة (ثاد) المضادَّة للأهداف التي تحلِّقُ على ارتفاعات عالية، وفرقًا إضافية من أنظمة باتريوت للدفاع الجوي، إضافة إلى تجهيز المزيد من القوات.
وبقدر ما يؤكّـده هذا الإعلان من حرص أمريكي على طمأنة الكيان الصهيوني، فَــإنَّه يكشف أَيْـضاً وصول رسائل وتحذيرات قوى محور المقاومة إلى “تل أبيب” و”واشنطن” بشكل واضح، كما يكشف أن المحور بات مؤثرا بشكل كبير في معادلات “طوفان الأقصى” وبات يشكل عائقا أمام اندفاع العدوّ لتنفيذ خططه الإجرامية بشأن قطاع غزة.
مع ذلك، فَــإنَّ إرسال المزيد من القوات والمعدات الأمريكية لا يشكل طمأنة حقيقية للكيان الصهيوني؛ لأَنَّ مخاوف توسع المواجهة أكبر بكثير من أن تتم إزالتها بهذه الصورة، وحتى إن “ضمنت” الولايات المتحدة الأمريكية التعامل مع المخاطر الإقليمية البعيدة عن الكيان الصهيوني جغرافيا (وهو أمر لا تستطيع ضمانه) فلن يخفف ذلك من درجة ومستوى الخطر الذي يواجهه الكيان داخل حدود فلسطين سواء من قطاع غزة أَو من جنوب لبنان.
هذا ما يفسره بوضوح استمرار الارتباك الصهيوني الذي يترجمه الإصرار على محاولة تهجير سكان قطاع غزة والتمادي في ارتكاب المجازر هناك، حَيثُ يبدو بشكل جلي أن العدوّ يريد استغلال الوقت الذي لا يستطيع فيه اتِّخاذ قرار الهجوم، بمحاولة الضغط على سكان القطاع وعلى المقاومة، وهو أمر لا يبدو أنه يعطي أية نتيجة حتى الآن.