يمنُ الصُمودِ فِي مَطلعِ الشُّعُوب مُناصِرً
رُؤى السوسوة
عدوٌ واحد وأوجاعٌ مُتقاسمة، مناظِرٌ وحشية أدمَت القلوب وأعيَت الفؤاد وأعادَت لنا أوجاعاً رُسِمت في ذاكِرتنا بمشاهد مُتشابهة وصُراخ دَارِج وجُروح وأشلاء كأنما هي غارات واحدة، فما أكثر الأوجاع التي عشناها في آن واحد وما أشبه المجازر والمواقف ببعضها، يتامى وثكالى، حصار ونُزوح وخراب، وإنسانية مدمّـرة؛ وكأنما القصف في غزة وتتفتق الجروح في صنعاء ثائرة لم تبرد، فما زالت تحكي عن بشاعة المجرم وقبح أفعاله، من صنعاء إلى غزة، من بيروت إلى بغداد، من حلب إلى طرابلس عدو واحد أسهب في جرائمه ليرسم معالم حقده في صنع صورة مدمية تفنن فيها بشيطانيته الوحشية والإجرامية التي لم تتقيد وتنحصر، بل امتدت حتى ألتقت الدماء بمجرى سيلها معلنة لإبقاء للمحتلّ اليوم.تِسعُ سنوات واليمن تحت القصف والحِصار، أزمات وحروب من قَبلها أوضاع صعبة وشعب صامد كَابَد من ويلات الحروب والدمار حتى أصبح شعبًا مُتجلدًا تأهل في مدرسة الصمود والثقافة القرآنية، استنبط من حربه نصره، ومن ألمه قوته، ومن حصاره اكتفائه، ومن معاناته تجلده، ومن قهره صواريخًا بالستية يُهدّد بها الكيان الصهيوني الغاصب اليوم قولاً وفعلاً بأن قصاصنا سنأخذه يوماً لا نراه بعيدًا؛ فجروحنا ما اندثرت وأوجاعنا ما سكنت ودماؤنا ما جفت وإنما ما تزالُ جروحنا تعظم وأوجاعنا تتقرّحُ ألمًا وقهرًا وبراكينُ غضبنا تشتعل مع كُـلّ جرح يصاب به إخوتنا في فلسطين، فليست دماؤنا أغلى من دمائهم فجسدنا واحد ما نْجَذَّ منه عضو إلّا وتداعت له جميعُ الأعضاء ملبيةً مقاومتها ونصرتها بكل قواها تتألم لألمها وتنزف لجروحها؛ فاليوم صنعاء حاضرة ومتهيئة برجالها وعتادها وجحافل جيشها تترقب إشارة قائدها لخوض غمار الموت في سبيل النصر أَو الشهادة مستبسلة بكل ما تملك من قوة جاهزة للتضحية في كُـلّ حين فقد تأهل شعبها عسكريًّا وثقافيًّا وإيمانيًّا حتى أصبح أكثر الشعوب وعيًا وثقافة، فقد زُرِعت القضيةُ بداخلنا منذ ارتشفنا الهدى دروسًا عظيمة، تَأهل بها شعب لحمل المسؤولية ليكون اليوم في طليعة الأمم مُناصرةً لقضايا الأُمَّــة، عقيدة راسخة بنصر الله ووعده، فسقوط هذا العدوّ حتمي ولن ينقضي إلا بتضحية الأُمَّــة ونهوضها بقوة ووعي وتوحد، فطوفان الأقصى اليوم منعطف تاريخي جسيم صَنَعَ مُتغيرات تُسجل في التاريخ كأولى مراحل زوال المحتلّ الإسرائيلي مُشكِلاً ضربة قاصمة تلقاها فوضَعهُ مَوضِعَ الخزي وكشف ما تبقى من وهنِه، إلى كُـلّ من زال مُنخَدِعًا بأن إسرائيل قوة عظمى، فمجازرهُ الوحشية اليوم في غزة تبين مدى تأثره بضربة الطوفان التي شكلت له أزمة نفسية بالغة وهو يرى بريق الأُمَّــة عاد مجدّدًا فرحًا وابتهاجاً بِمَصارِعَهم وقتلاهم الذي عبر عن بُغض وكُره الأُمَّــة تجاههم، فلم يلجأ هذا العدوّ إلا لتدمير النفسيات من خلال وحشيته في مجازره وإبادته، التي لم تجلب سوى التفافنا حول أقصانا وعزمنا وإصرارنا على تحرير أرضنا واستئصال الغدة السرطانية من أراضينا واقتصاد أمتنا ومن شؤوننا وكلّ مجالات الحياة التي تخص أمتنا، الذي أصبح العدوّ الإسرائيلي مُتدخلاً فيها بشكل علني، فالحرب اليوم لن تنتهي إلى بهلاك اليهود جسديًّا ونفسيًّا.