العدوُّ يتخبَّطُ في معركة محسومة منذ اليوم الأول
كُلُّ خياراتِ جيش الاحتلال تنطوي على مخاطرَ جسيمة ولا مخرجَ سوى الاعتراف بالهزيمة
المسيرة | خاص
يُجْمِعُ كُـلُّ المراقبين على أن جوهرَ المأزِق الذي يعيشُه العدوُّ الصهيوني اليومَ هو أنَّ المقاومةَ الفلسطينيةَ حسمت نتيجةَ هذه المعركة منذ اليوم الأول؛ لأَنَّ اجتياح مستوطنات غلاف غزة وأسر المئات من الجنود والمستوطنين، وقتل وإصابة الآلاف، ألقى بالعدوّ فجأة إلى وضع لم يكن في حسبانه أبدًا، ولم يعد بإمْكَانه إعادة العجلة إلى الوراء مهما فعل.
هذا ما يؤكّـده أَيْـضاً إصرارُ العدوّ على خيار اقتحام قطاع غزة، ورفعه لعناوينَ انتقامية واضحة، وحرصه على حشد كُـلّ الدعم الدولي الذي يستطيعُ حشدَه تحت نفس العناوين، وبدون أي اكتراث لأية اعتبارات أخلاقية أَو إنسانية، حَيثُ يبدو بوضوح أن خيارَ دخول غزة هو الخيارُ الوحيدُ الذي يرى العدوّ أنه يستطيعُ من خلاله الردَّ على ما حدث يوم السابع من أُكتوبر.وحقيقةُ عدم امتلاك أي خيار آخر لدى العدوّ تُعتبَرُ بحد ذاتها دليلًا عن أَنَّ المقاومةَ الفلسطينيةَ حشرت العدوَّ في زاوية ضَيِّقَةٍ جِـدًّا، ناهيك عن أن هذا الخيارَ الذي يراه العدوُّ كمخرَجٍ ضروريٍّ ليس مضمونًا، بل محاط بالكثير من المخاطر والمخاوف.
وفيما يرى مراقبون أن العدوّ مستعد لـ”التضحية” في سبيل تنفيذ مخطّط اقتحام غزة بأي شيء؛ وهو ما تشير إليه بوضوح تصريحاته الرسمية، فَــإنَّ معطيات الواقع تشير إلى أن هناك “سقفًا” لتلك التضحية لا يبدو أن جميع قادة العدوّ مستعدون للمخاطرة به.
هذا السقف يختلف -بحسب تقديرات المراقبين- لكن تصريحات العدوّ وحلفائه الغربيين تشير بوضوح إلى أنه يتعلق بعدة أمور أَسَاسية، أهمها: مخاوف توسع رقعة المعركة، والخسائر البشرية التي من المؤكّـد أن العدوّ سيتلقاها داخل قطاع غزة.
ومع أن العدوّ لن يرفض مقايضة تلقي خسائرَ كبيرة في صفوف جيشه مقابل تحقيق أهدافه المعلَنة (تصفية المقاومة الفلسطينية، وتهجير سكان قطاع غزة) فَــإنَّه لا يستطيع ضمان تحقيق هذه الأهداف؛ لأَنَّها تتطلب عَزْلَ القطاعِ بالكامل والاستفراد به، وتنفيذ عمليات قصف شاملة، بالإضافة إلى قدرة على التعامل مع مجاهدي المقاومة المتحصِّنين في الأنفاق، وهي متطلباتٌ يستحيلُ توفيرُها؛ إذ لا يمكن تحييد التدخل الإقليمي في مثل هذه الحالة مهما زعمت الولايات المتحدة الأمريكية أنها “ستضمن” ذلك، ولا يستطيع العدوّ أن يضمن قدرته على التعامل مع المقاومة على الأرض.
وحتى خيارُ تنفيذ “مداهمات” محدودة على امتداد فترة طويلة تحت غطاء جوي مكثّـف، ينطوي على مخاطرةٍ بتطورات غير متوقَّعة؛ لأَنَّ المقاومة لا تلعب وفقًا لقواعد العدوّ.
وهكذا، فَــإنَّ العدوَّ سيعودُ في النهاية وبشكل حتمي إلى أَسَاسِ مأزِقِه المتمثِّلِ في أن المقاومةَ قد حسمت المواجهةَ من اليوم الأول، وأن خيارَه الوحيدَ الذي لا ينطوي على مخاطرَ وجوديةٍ هو التعامُلُ مع الهزيمةٍ كأمر واقع.