الاتّحادُ العالمي لعلماء المسلمين يدعو الحكامَ والشعوبَ لمناصرة غزة بكل قوة
المسيرة | متابعات
أكّـد الاتّحادُ العالمي لعلماء المسلمين، أن “الواجب الشرعي على حكام العرب والمسلمين اليوم نُصرة إخوانهم في غزة، بكل أنواع القوة العسكرية والمالية والدبلوماسية والموقف السياسي الصارم والواضح”.
وقالت لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتّحاد في بيان صحفي: إن “ما يقوم به أهل غزة وفلسطين جهاد شرعي واجب، لتحرير أرضهم التي احتلها الكيان الصهيوني، كما أنه واجب شرعي على كُـلّ المسلمين، حكومات وشعوبا وأفرادا، في مواجهة التأييد الغربي للحرب الظالمة، وإنهاء احتلال الصهاينة لأرض الإسلام”.
وبيَّنَ أن “المناصرة واجبة بكل وسيلة ممكنة، بالنفس والمال والكلمة والتظاهر والموقف السياسي، أَو غيرها من الوسائل”.
وشدّد على أنه “فرض على المسلمين جمع كلمتهم وإنشاء حلف عسكري، يحفظ أمن المنطقة ويدفع عنها البغي والعدوان حتى لا يترتب على ذلك مفاسد وفتن”.
وحذَّرَ البيانُ من تهجير أهل غزة من أرضهم وديارهم، ومن حرمة مشاركة الصهاينة في جريمتهم الشنيعة بأي شكل، وتحت أية لافتة.
وهذا نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ناصر المجاهدين، ومغيث المستضعفين، ومذل المحتلّين المعتدين، ونصلي ونسلم على خاتم رسل الله إلى العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فَــإنَّ لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين تتابع –عن كثب- ما يجري في أرض غزة وما يقوم به العدوّ المحتلّ من قتل للمدنيين واستهداف النساء والأطفال، وهدم للمنازل والمساجد والكنائس والمستشفيات، وما قام به في قطاع غزة من قطع للمياه والكهرباء والطاقة ومنع عنهم كُـلّ مقومات الحياة؛ قصدا لفنائهم، وسعيا لمحوهم، في ظل سكوت عالمي مخز لكل صاحب ضمير، وفي ظل التأييد الصريح من كثير من الدول الغربية في الحرب الظالمة على غزة، وأمام هذه النازلة الكبرى، فَــإنَّ لجنة الاجتهاد والفتوى تبين للمسلمين الحقائق الإسلامية والواجبات الشرعية على المسلمين حكومات وشعوبا وأفرادا؛ بيانا للحق، وقياما بالواجب، ونصرة للمظلومين المعتدى عليهم، وإظهارا لما قد يكون قد اختلط على بعض الناس من عدم وضوح الرؤية، فنقول – وبالله التوفيق-:
أولاً- أن ما يقوم به أهل غزة وفلسطين هو جهاد شرعي واجب عليهم؛ لتحرير أرضهم التي احتلها الكيان الصهيوني الغاصب، وأن دولة الكيان لم يكن لها وجود قبل عام 1948م، وأن الواجب الشرعي إنهاء احتلالهم لأرض الإسلام، وأول من يتوجب عليهم ذلك هم أهل فلسطين، وذلك تأكيدا للفتاوى السابقة الصادرة من هيئات الفتوى في العالم الإسلامي، مثل: فتوى علماء الأزهر، ودائرة الإفتاء بالأردن وغيرهما. وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بنصرتهم، كما ورد في مسند الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، على من يغزوهم قاهرين، لا يضرهم من ناوأهم، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك. قيل: يا رسول الله، وأين هم:” قال: ” ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس”.
ثانياً- إن نصرة أهل غزة وفلسطين واجب شرعي على أهل الإسلام، رجالا ونساء، صغارا وكبارا، حكاما ومحكومين، كُـلّ حسب مكانته وقدرته؛ انطلاقا من الأخوة الإسلامية، ودفعا للظلم، وتأييدا للحق، وذلك بكل وسيلة ممكنة، بالنفس والمال والكلمة والتظاهر والموقف السياسي، أَو غيرها من الوسائل؛ مصداقا لقول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41].
ثالثاً- الحكم الشرعي أن من أعان على الظلم كان ظالما، وأن من أعان على الحق كان مثابا، وقد ظهر للعالم مساندة عدد من الدول الغربية للكيان الصهيوني المحتلّ بالقوة المالية والعسكرية والدعم الاستخباراتي واللوجستي، فهم شركاء في الاعتداء والظلم والإثم، ولذلك كان فرضا على المسلمين جمع كلمتهم وإنشاء حلف عسكري يحفظ أمن المنطقة ويدفع عنها البغي والعدوان حتى لا يترتب على ذلك مفاسد وفتن، وَإذَا كانت هذه القوة الغاشمة قد ناصرت بعضها بعضا، ووالت بعضها بعضا؛ فيجب شرعا نصرة وموالاة المظلومين، وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أولياء بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرض وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]
رابعاً- من المعلوم شرعا أن مصارف الزكاة ثمانية، كما في قوله تعالى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، فذكر منها مصرف (وفي سبيل الله)، والمقصود به إخراج زكاة المال للمجاهدين في سبيل الله، وما يقوم به أهل غزة اليوم هو من الجهاد في سبيل الله، وهم مستحقون للزكاة، فمن حانت زكاة ماله فليخرجها لهم، ويجوز تعجيل إخراج الزكاة لهم أَيْـضاً، وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى مشروعية تعجيل إخراج زكاة المال لنازلة وقعت بالمسلمين، أَو حاجة ملحة، وَاستدلوا على ذلك بما رواه الخمسة إلا النسائي عن علي – رضي الله عنه- أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك”، وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه زكاة عامين.
كما أنه متحقّق فيهم غير ما سبق مصارف عديدة منها مصرف الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل.
هذا فيما يخص زكاة المال، أما فيما عدا زكاة الأموال، فيجب شرعا عون أهل غزة وفلسطين من غير الزكاة، وهو نوع من الجهاد بالمال، وذلك خير تجارة مع الله، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 10-11].
خامساً- أن نصرة إخواننا الفلسطينيين في غزة واجبة على كُـلّ مسلم، ومن أهمها: النصرة الإعلامية، فكل كلمة أَو تقرير أَو توثيق يعتبر من المطلوب الشرعي في نصرة القضية، ويشهد لذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود عن عائشة، قالت: فسمعت رسول الله يقول لحسان:” إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله”، وأخرج أحمد والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم”. فبان أن الجهاد بالكلمة من الواجب الشرعي.
سادساً- الواجب الشرعي على حكام العرب والمسلمين اليوم نصرة إخوانهم في غزة بكل أنواع القوة العسكرية والمالية والدبلوماسية والموقف السياسي الصارم والواضح، كما يجب عليهم مقاطعة العدوّ الصهيوني وعزله كما تفعل بعض الدول الغربية المؤيدة للكيان الصهيوني المحتلّ. ففي الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا”. كما يحرم عليهم منع وصول المساعدات لهم، أَو منع مرضاهم من التداوي، ويعد ذلك موالاة ونصرة لأعداء الله المعتدين المحتلّين لأرض الإسلام.
سابعا- تفتي اللجنة بتحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتلّ بكافة صوره وأشكاله، كما تفتي بحرمة التأييد والمساندة لهم بأي شكل من الأشكال في عدوانهم على أهل غزة، وأن الواجب الشرعي على الدول التي طبعت مع الكيان قطع علاقتها معه؛ نصرة للمظلومين، فضلا عن حرمة موالاتهم وعونهم للكفار على المسلمين، فهو من أكبر الكبائر، كما قال تعالى: ﴿تَرَى كَثيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أنفسهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أولياء وَلَكِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 80-81]
ثامنا- يجب على المسلمين حكاما وشعوبا أن يقاطعوا الكيان الصهيوني ومن يؤيده ويعينه في حربه على المستضعفين من أهل غزة مقاطعة اقتصادية وثقافية وعلمية وكل أنواع المقاطعة واجبة شرعا، وهي من الوسائل الشرعية المطلوبة في نصرة القضية الفلسطينية وردا على الاعتداءات السافرة من الكيان بقصف المباني والمساجد والمستشفيات وتعمد قتل المدنيين من الأطفال والنساء. ويشهد لمشروعية المقاطعة ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-: “أن ثمامة بن أثال قيل له بعدما أسلم: صبوت؟ قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد – صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة، حتى يأذن فيها النبي – صلى الله عليه وسلم، “. فدل ذلك على مشروعية المقاطعة الاقتصادية وغيرها.
تاسعا- تذكر لجنة الاجتهاد والفتوى المسلمين باستحباب القنوت في الصلوات الجهرية والسرية، وفي الصلاة الجماعية والفردية، بأن ينصر الله تعالى المجاهدين، وأن يهلك المعتدين الغاصبين، ودليل استحبابه ما في البخاري ومسلم والسنن عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قنت شهراً حين قتل القراء فما رأيته حزن حزناً قط أشد منه. واللفظ للبخاري.
ومما ورد في دعائه على الأعداء، ما جاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدوّ قال”: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم”. وفي سنن أبي داود أيضا:” اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم”. فليقنت المسلمون في مساجدهم وصلواتهم لا يتركونه حتى يرفع الله البلاء عن المستضعفين.
عاشرا: تحذر اللجنة من تهجير أهل غزة من أرضهم وديارهم وتؤكّـد اللجنة على أن ذلك من الجرائم الكبرى في الشريعة الإسلامية والقوانين والمواثيق الدولية ويحرم المشاركة في هذه الجريمة الشنيعة بأي شكل وتحت أي لافتة والواجب الشرعي على الدول الإسلامية والحكام التصدي لهذه المؤامرة الخبيثة فإن قصروا فعليهم وبال المشاركة في الدنيا والآخرة في هذه الجريمة الكبرى.
وترى اللجنة وجوب الصمود على أهل غزة أمام طلبات الهجرة.
حادي عشر- إن لجنة الاجتهاد والفتوى تقدم الشكر الجزيل للمؤسّسات العلمائية التي قامت بواجبها الشرعي في نصرة إخواننا في غزة وتخص بالشكر الجزيل الأزهر الشريف على موقفه المشرف وتدعو بقية المؤسّسات العلمائية إلى القيام بواجبها وتثني بالشكر لكل من ساهم وساند قضية فلسطين، من الشعوب والحكام، وتخص بالشكر الشعوب الحرة غير المسلمة، التي تحَرّكها الضمائر الحية، وتثمن المواقف المناهضة للكيان الصهيوني من أحرار العالم بمن فيهم اليهود المعتدلون الذين عبروا عن رفضهم وسخطهم لما يجري لأهل غزة من عدوان غاشم.
سائلين الله تعالى العون والمدد لأهلنا في غزة، وأن يهزم عدوهم وأن يزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وأن يحرّر فلسطين كاملة من أيدي الصهاينة المغتصبين.