صمود المقاومة ووعيدها
أنس عبد الرزاق
لقد ظل الكيان الصهيوني يعتمد استراتيجية الضربة الاستباقية، ولما تعذر ذلك في معركة “طوفان الأقصى”، اعتمد على نقل المعركة بسرعة إلى غزة، ويبدو أن العسكرية الصهيونية التي تتباهى بأنها تضاهي أفضل جيوش العالم عتاداً وتدريباً واستعداداً في العلوم العسكرية، أصبحت عاجزةً أمام أسلحة المقاومة.
فالكيان الصهيوني معروف أنه منذ ولادته واستعماره لأرض فلسطين عقيدته هي القتال، ولكن ما نلاحظه عند مواجهة هذا الجيش لعناصر المقاومة المتمثلة بسرايا القدس في عملية “طوفان الأقصى” نجد أنه لم يُعد ذا كفاءة عالية وأنه لا يمكن لهذا الجيش قلب موازين القوى في الحرب، فنجد أن آلة الحرب الصهيونية أصبحت تستهدف الأطفال والنساء والمدنيين في محاولةٍ منها لخلق انتصارات وهمية أمام شعبها الذي أصبح يوقن تماماً بأنه سيغادر الأرض الفلسطينية عاجلاً أم آجلاً وأنه لا طاقة لإسرائيل بمواجهة سرايا القدس منفردة، وهذا ما يؤكّـد عجز الكيان الصهيوني تماماً أمام محور المقاومة والذي لم يتدخل حتى الآن في عملية “طوفان الأقصى” بشكلٍ كلي.
من هنا أصبحنا نعرف أن تدخل القوات الأمريكية والبريطانية والألمانية إنما ينبى عن مدى عجز الكيان الصهيوني في مواجهة محور المقاومة، ولذلك قامت أمريكا بإرسال أخطر حاملة طائرات نووية في العالم إلى سواحل غزة، مع أن هذا الأمر لا يغير شيئاً في ميزان القوى، والسؤال هنا هل آلة الحرب الإسرائيلية والتي تمتلك من الأسلحة الفتاكة ما يكفي لغزو الدول العربية عاجزة أمام أفراد محور المقاومة؟
إن تجربةَ الكيان الصهيوني في جنوب لبنان أمام حزب الله جعلت الكيان الصهيوني يؤمن بشيءٍ واحدٍ، وهي نجاح المقاومة في ردع آلة الحرب الصهيونية، حيث نجد أن أنماط محور المقاومة أصبحت جديدة ما يساعدها على تحقيق نتائج أفضل وتسهم في كسب المزيد من الأصدقاء.
إن العنف اليوم يؤدي دوراً أَسَاسياً في الحالة الفلسطينية، إذ أنه في كُـلّ حرب تؤكّـد التجربة التاريخية للكفاح المسلح أن المقاومة غالبًا ما تكون بعيدة عن بيئتها؛ لأَنَّ الجماهير تكون في الملاجئ تحصي الدمار وتبكي الشهداء وتدفع الخسائر وتغلق المدارس.
لكن المقاومة اليوم باتت تحمل الكفاح المسلح والمقاومة غير المسلحة التي بإمْكَانها أن تشرك الجميع في تحقيق الأهداف نفسها التي تسعى إليها المقاومة المسلحة، فنحن نلاحظ أنه وبرغم قوة حزب الله العسكرية فَــإنَّ لديه وعيًا شعبيًّا وجماهيريًّا مدنيًّا يسمح له بالمجازفة بالحرب والمواءمة بين الحياة والمواجهة في حنكة منقطعة النظير، أما على الجانب الآخر فهناك أنصار الله، والتي تمثل العنصر الغامض في محور المقاومة بالنسبة لإسرائيل وأمريكا والتي أصبحت قادرةً على ردع القوى الإقليمية والدولية وتمثل تهديدات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- حرباً فعلية كونها تتسم بالحكمة في خطتها والفاعلية في تأثيرها، حَيثُ أصبح الشعب اليمني يملك وعياً جماهيرياً مدنياً يسمح له أن يخوض حرباً طويلة تعتمد العنف وتستمر جيلاً بعد جيل.
لقد أصبح السلاح المتقدم خطراً على الكيان الصهيوني نفسه فمع السطوة والقوة التي حقّقها هذا السلاح تكدس لدى الاحتلال إهمال لأبعاد أُخرى أَسَاسية للتحرّر.
إن تجارب المقاومة اليوم يتوافر فيها التوافق والتنوع وهذا تناقض للعقلية العسكرية الصهيونية التي ترى كُـلّ شيء من زاويةٍ قتالية محضة، لقد أوجدت المقاومة طرقاً جديدة تسمح للناس والأفراد والمنضوين في تيار سياسي أَو حزب أَو جماعة بأن يعبِّروا عن مخاوفهم بوضوح، وفي الوقت نفسه أصبح كُـلّ أفراد المقاومة ملتزمين برؤية محدّدة، وقادرين على الإسهام في تطويرها وتحقيق أهدافها.
في الأخير تبقى الكفاءة القيادية مسألة رئيسية في مشروع المقاومة تتميز به، وهذا أمر أكّـدته تجربة محور المقاومة من سريا القدس، حزب الله، أنصار الله، الحشد الشعبي، والجمهورية الإسلامية في إيران، والتي احتوت على مجموعة متميزة من القدرات الشابة والقيادية التي أضفت واقعاً إسلامياً اجتمعت فيه تكامليةُ الأُطروحات الاستراتيجية والخطط ذات كفاءة وتنظيم في السياسة والحرب والسلام والبناء.
قادة ممن عاشوا تجربة جهاد يحرسون القدس بدمائهم وتتلاقى فيه محبة أبدية معبرة عن قضية إسلامية مجروحة، حملوها في أرواحهم بعزم وصمت، أي أن الحرب في غزة اليوم ستجر الكيان الصهيوني إلى حرب إقليمية في حال استمرارها باستهداف المدنيين، وهو ما سيعيد الكيان إلى حجمه الطبيعي ويحرّر أرض فلسطين؟