هل حقّقت اجتياحاتُ “إسرائيل السابقة أهدافَها في غزة؟
المسيرة | وكالات
نفذ الجيش “الإسرائيلي” توغلاً محدوداً في قطاع غزة في وقت مبكر من صباح الجمعة، في ثاني غارة برية له منذ السابع من أُكتوبر/تشرين الأول. وأكّـد مسؤولون عسكريون إسرائيليون، في عدة مناسبات، استعداد الجيش للقيام بعملية برية واسعة النطاق ضد غزة، لكنهم ينتظرون الضوء الأخضر من القيادة السياسية الإسرائيلية.
وشهد قطاع غزة مساء الجمعة، غارات جوية وُصفت بالأعنف وغير المسبوقة بينما انقطع التيار الكهربائي والاتصالات عن جميع أنحاء القطاع. في وقت قال فيه الجيش الإسرائيلي إن قواته البرية توسع عملياتها في قطاع غزة هذه الليلة، وجدد مطالبته سكان القطاع بترك بيوتهم ومنازلهم والتحَرّك جنوباً.
وطوال العشرين يوماً الماضية، حشدت إسرائيل أكثر من 360 ألفاً من جنود الاحتياط على تخوم القطاع المحاصر.
وفي الوقت الذي تعد فيه إسرائيل العدة لإطلاق عملية برية كبرى ضد غزة في محاولة منها للقضاء على المقاومة، لم تكتف الولايات المتحدة بإرسال السلاح وتحريك كبرى حاملات طائرات بالقرب من إسرائيل وحسب، بل أرسل البنتاغون مستشارين عسكريين، بما في ذلك جنرال في مشاة البحرية متمرس في حرب المدن في العراق، للمساعدة في التخطيط للحرب، وفقاً لما نقلته آسوشيتد برس.
تهديدات متكرّرة:
قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الأسبوع الماضي، للقوات المتجمعة بالقرب من الحدود إنهم “سيرون قريباً القطاع من الداخل”، وزعم أن “غزة لن تكون هي نفسها أبداً”. وتعهد لاحقاً بأن التوغل المتوقع سيكون “المناورة الأخيرة داخل غزة… لسبب بسيط وهو أن حماس ستختفي من الوجود”.
وأعلن غالانت، الخميس، أن الهجوم البري المزمع ضد قطاع غزة سيبدأ عندما تسمح الظروف بذلك. ورفض وزير الدفاع الإجَابَة عن سؤال أحد الصحفيين حول التأثير المحتمل للهجوم البري على الجهود الرامية إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم المقاومة في القطاع وأضاف: إن “المؤسّسة الأمنية تستعد للخطوات التالية في الحرب ضد حماس”. “إنها حرب؛ مِن أجل الوطن. إما نحن وإما هم، وسوف ننتصر”، وفقاً للأناضول.
على صعيد آخر، يرى المحللون، ومن ضمنهم مستشارو واشنطن العسكريون، أن أي عملية عسكرية تشمل توغلاً برياً في قطاع غزة، ستكلّف الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية باهظة، وخُصُوصاً أن ميدان المعارك سيكون في واحدة من أكثر المناطق كثافة بالسكان في العالم، مرجحين أن المقاومة الفلسطينية قد أعدت بالفعل لما سموه “حفل استقبال” للقوات الإسرائيلية من تحت الأرض ومن فوقها.
تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل في العقدين الماضيين قد ركزت بشكل أَسَاسي على القصف الجوي والقصف المدفعي في غزة، ولم تشن سوى عمليتين بريتين فقط؛ بسَببِ المخاطر التي تنطوي عليها. بينما اتسمت هذه العمليات بالعادة باستعدادات كبيرة وتهديدات متكرّرة لم يسبق أن تحقّقت باقتلاع المقاومة ووقف الصواريخ.
ونستعرض هنا أبرز العمليات البرية التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة لنرى إذَا ما قد حقّقت أهدافها التي أعلنت حينها.
عملية الرصاص المصبوب (2008-2009):
تضمنت عملية الرصاص المصبوب التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني 2009 غزواً برياً استمر لمدة 15 يوماً. وقد قوبل الجيش الإسرائيلي بقتال عنيف ومقاومة في أثناء توغله في المناطق الحضرية في غزة. واضطر الجيش الإسرائيلي إلى القتال من شارع إلى شارع ومن منزل إلى منزل.
كان الهدف الأَسَاسي لإسرائيل في هذه العملية هو الحد من الهجمات الصاروخية من غزة وإضعاف قيادة حماس. وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 1400 فلسطيني، أغلبيتهم من المدنيين. وفي غزة، دمّـر نحو 4000 منزل، وتسبب الهجوم الإسرائيلي في أضرار بقيمة ملياري دولار. على الجانب الآخر، فقدت إسرائيل على الأقل عشرة جنود، كما قُتل ثلاثة إسرائيليين بصواريخ في المناطق المتاخمة لغزة.
وأجبرت الانتقادات الدولية المتزايدة والضغوط السياسية الداخلية إسرائيل على إجهاض خططها لمواصلة القتال في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. وهكذا اتفقت المقاومة وإسرائيل على وقف إطلاق النار في 18 يناير/كانون الثاني، وبحلول 21 يناير/كانون الثاني، سحبت الأخيرة جيشها من غزة.
ويُنظر إلى عملية الرصاص المصبوب على أنها فشلت في تحقيق أهدافها طويلة المدى، إذ استطاعت المقاومة استئناف الهجمات الصاروخية بعد وقت قصير من انتهاء العملية.
عملية الجرف الصامد (2014):
وقع أكبر غزو بري إسرائيلي لغزة في الفترة من يونيو/حزيران إلى أغسطُس/آب 2014. وكانت هذه الحرب التي استمرت سبعة أسابيع واحدة من أكثر الحروب دموية في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عقود. ووقع اجتياح بري واسع النطاق مع قتال عنيف في أحياء مكتظة بالسكان مثل الشجاعية في مدينة غزة. وأدى هذا الغزو الوحشي إلى استشهاد 2100 فلسطيني بينما قُتل 73 إسرائيلياً.
وأشَارَت التقديرات في ذلك الوقت إلى أن إعادة إعمار غزة ستتكلف بين أربعة وستة مليارات دولار على مدى 20 عاماً. وأعلنت تل أبيب النصر بعد الحرب، وقالت إنها أضعفت حماس والمقاومة بشدة، لكن اتضح مع الوقت عكس ذلك مع تنامي قدرات المقاومة.
ونظراً لحجم شبكة الأنفاق التي تمتلكها حماس وبقية تنظيمات المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى مخزونات الأسلحة والمنظومات التي لم يسبق استخدامها، فمن شأن أي عملية برية قادمة أن تؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين، فضلاً عن خسائر مالية وبشرية كبيرة للجيش الإسرائيلي.
والخوف الأكبر هو أن تتوسع العملية البرية الإسرائيلية من غزة وتثير صراعاً إقليمياً. وقد انخرط حزب الله وإسرائيل بالفعل في مناوشات مسلحة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. بينما استهدفت قواعد أمريكية عدة خلال الأسابيع الماضية في العراق وسوريا.