القضيةُ الفلسطينية.. بين حقائق التفوُّق العربي والتغوُّل الصهيوني
حسام باشا
إنها حقيقة مريرة كمرارة العلقم، حقيقة تمزق القلوب، جرح ينزف الألم والمرارة في كُـلّ نفس وخفق من خفقات وأنفاس صدورنا، حقيقة: أن هناك كياناً ضئيلاً، لا يساوي حبة تراب في براري العالم العربي، يستهزئ بأمة عظيمة، تشكل قوة هائلة من ربوع المحيط إلى أفق الخليج، تزخر بالموارد والإمْكَانات وأسباب النصر، ويوحد شعوبها دين الإسلام وفصاحة اللغة وشموخ الهُــوِيَّة.
منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن، تعاني فلسطين، التي اختصها الله -سبحانه وتعالى- مهبطاً لأنبيائه ورسله، ومسرى لخاتم المرسلين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، من غزو صهيوني جائر، جاء من أقاصي الأرض، من أُورُوبا، ليغتصب حقاً عربياً أصيلاً، وليزرع فيه كياناً مستورداً، كالسرطان الذي يفتك بالجسد، يمتد ويتوسع على حساب أرض مباركة، ويقضم ويبتلع شبراً شبراً منها، يبيد ويهجر أهلها، يدمّـر مقدساتها، ويزور تاريخها.
فكيف استطاع هذا الكيان أن يقف في وجه العرب؟! كيف استطاع أن يحافظ على وجوده في ظل التفاوتات الهائلة بينه وبين الدول العربية من حَيثُ الإمْكَانات والمزايا التي تحدّد قوة أية دولة؟
إنَّ وطننا العربي يمتاز بمقومات وإمْكَانات ومزايا عدة تجعله يتفوق بشكل ساحق على الكيان الصهيوني المحتلّ لأرض فلسطين، وذلك في مختلف المجالات والنواحي، فإذا نظرنا إلى المساحة الجغرافية، نجد أن دول العالم العربي تمتد على مساحة تبلغ حوالي 14 مليون كم2 من سطح الأرض، في حين أن مساحة فلسطين المغتصبة من قبل هذا الكيان لا تزيد على 21.640 كيلومتر مربع، أي ما يشكل 0.17 % فقط من المساحة الجغرافية العربية، وبفارق 5850 ضعفاً، وَإذَا انتقلنا إلى عدد السكان، نجد أن عالمنا العربي يضم قوة بشرية هائلة تقدر بـ 423 مليون نسمة، في حين أن عدد سكان هذا الكيان لا يتجاوز 9.6 مليون نسمة؛ أي ما نسبته 2.3 % من عدد العرب، وبفارق 44 ضِعفًا.
ولا يقتصر التفوق على هذه المقارنات فحسب، بل يشمل أَيْـضاً القوة العسكرية، حَيثُ يشكل قوام جيوش دول العالم العربي 129 مليوناً و118 ألف جندي، في حين أن جيش الكيان الصهيوني لا يتجاوز 600 ألف جندي؛ أي ما نسبته 0.464 % من قوام جيوش منطقتنا العربية، وبفارق 215 ضِعفًا، كما أن دول عالمنا العربي تخصص مبالغ ضخمة للاستثمار في التسلح، حَيثُ تصل قيمة إجمالي إنفاقها سنوياً إلى 130 مليار دولار، في حين أن إجمالي إنفاق الكيان المحتلّ على التسلح لا يتجاوز 23 مليار دولار؛ أي ما نسبته 17.7 % من إجمالي إنفاق دول العالم العربي وبفارق 5.6 ضِعفًا.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد، نجد أن الناتج المحلي لدول العالم العربي يبلغ 2.39 تريليون دولار، في حين أن إجمالي ناتج المحلي لهذا الكيان لا يتجاوز 401.95 مليار دولار؛ أي ما يشكل 16.8 % من إجمالي الناتج المحلي لدول العالم العربي، وبفارق 5.9 ضِعفًا، ولا ننسى ما تزخر به منطقتنا العربية من الموارد الطبيعية والثروات المعدنية والزراعية التي تجعلها من أغنى مناطق العالم، فيما موارد هذا الكيان شحيحة ومحدودة، فهو يفتقر إلى الموارد، ويعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية للحفاظ على وجوده، بل حتى أنه يستورد ما نسبته 80 % من الماء لسد احتياجاته.
وأخيرًا نأتي إلى التاريخ، نجد أن العالم العربي يحمل تاريخاً عريقاً وحضارة عظيمة امتدَّت لآلاف السنين، وأثَّرت في كثير من شعوب وثقافات الأرض، فقد شهد عالمنا العربي أول الحضارات البشرية، وأول دستور سياسي، وأول مدرسة وجامعة في التاريخ، كما أسهم في تطور العلوم والفنون والآداب.
أمَّا تاريخ هذا الكيان فهو مزيف ومُختلق لا يعتمد على أي دليل أَو شاهد، ولا يستند إلى أصول تاريخية أَو جغرافية، ولا يملك إلا تاريخاً مبنياً على الاحتلال والاضطهاد والإرهاب.
فهذه هي حقائق التفوق العربي على هذا الكيان المغتصب، التفوق الذي يستند إلى أرقام وإحصاءات موثَّقة، والذي يبرز قوة وطننا العربي في مواجهة هذا المشروع الصهيوني المستبد.
إن هذه المقارنة البسيطة الموجزة تُبين لنا الفرق الهائل بين العالم العربي والعدوّ الإسرائيلي في عدة مجالات ومزايا، فالعرب إذَا ما تحدوا التفرق وتحقّقت إرادَة الحكام للتمكين، فهو عالم عظيم يجمع بين المساحة الشاسعة، والقوة السكانية، والجيوش المدججة، والاقتصاد والموارد الغزيرة، والتاريخ العريق، إلى جانب وعد الله تعالى بالنصر والفلاح، أمَّا هذا الكيان فهو كيان ضئيل، لا تاريخ له، ولا مؤهلات تضمن له البقاء، مستبداً على صدر الأُمَّــة إلى أَجَلٍ غيرِ مسمى.
إذاً، كيف استطاع هذا الكيان أن يهزم العرب لسبعة عقود؟! كيف استطاع أن يقهر هذه الأُمَّــة على مدى 75 عامًا؟ بل كيف يقارن هذا الكيان الغاصب بالعالم العربي؟ كيف يقاس هذا البرغوث بالفيل؟ كيف يصارع ذلك الجرذ الأسد؟!
إن هذا السؤال لا يحتاج إلى إجَابَة، بل يحتاج إلى تأمل وتفكير، فما أوضح من حقيقة تظهر في المقارنة بين موقفي الطرفين من قضية فلسطين، التي تكشف عن حالة التناقض الفادح بينهما، فبينما يتمسك الكيان الصهيوني بإرادَة استعمارية عاتية، تستند إلى فكرة تأسيس وطن قومي لليهود في أرض العرب، ويحظى بدعم أمريكي وغربي، نجد الأنظمة العربية تغرق في التخاذل والتفرقة والخضوع للأجندات الخارجية، التي تسعى لإضعافها وتقسيمها، فالقضية الفلسطينية لا تجد من قبل هذه الأنظمة من يدافع عنها سوى الشعوب المقهورة والمقاومين الشجعان، الذين يصارعون المحتلّ بالصبر والشهادة.
أما حكام هذه الأنظمة، فإمَّا أن يخاف كُـلّ واحد منهم من خذلان وتآمر الآخر، في حال اتخذ خطوة جريئة لدعم المقاومة الفلسطينية، وإمَّا أن يكون قد جاء للسلطة بضوء أخضر أمريكي، فيستجيب لضغوط وتهديدات واشنطن وتل أبيب، اللتان تسعيان لفصل فلسطين عن محيطها العربي.
في ظل هذه الحقائق المريرة، وما نراه من مصائب وأحزان يعاني منها الشعب الفلسطيني على أيدي الكيان الصهيوني الغاصب، فَــإنَّه يلزمنا كعرب ومسلمين اقتناء مفتاح التغيير الذي يتمثل في تغيير هذه الأنظمة، أَو تغيير سلوكها، بحيث تكون أكثر عزماً وشجاعة وصدقاً في التعامل مع قضية فلسطين، كما يجب أن نتمتع بالإرادَة الصلبة والشجاعة والصدق الواضح في التصدي لهذا التحدي العظيم، وأن نتبنى موقفاً قوياً وفعالاً؛ مِن أجل دعم القضية الفلسطينية، التي هي قضية الأُمَّــة كلها، وليست حصراً على دولة أَو شعب أَو حركة ما، فلدينا كعرب كُـلّ عوامل القوة والتميز التي تؤهلنا لطرد الصهاينة من أرضنا المقدسة، ولا يفصلنا عن ذلك إلا التوكل على الله جل جلاله، والتحَرّك بروح الجهاد في سبيله، لنصرة إخواننا في فلسطين، ولنشاركهم في مقاومتهم الشريفة، فهذه هي أولى القربات إلى الله سبحانه وتعالى.