حصادُ الزيتون
رويدا البعداني
يا صوتُ أعرني من رعد البروق علاوةً، وزدني من قواميس اللغات بلاغةً، وَهبني من أمجاد التاريخ فصاحةً، وألهمني من سير النوابغ قصةً؛ لأكتب مقاصدي من عمق التحدي وروحانية الفداء، ولأسطِّر نصرا مؤزرا مترعا بالاحتفاء، لبواسل غزة الذين رفعوا راية المجد وثبتوا وناضلوا رغم التخلي والعناء.
فعلى القطاع جيوش لا تُقهر، وعلى الحدود همم لا تُهزم، وعلى مساحات الزيتون ملاحم لا تتكرّر، ففلسطين الأبية لن يخبو وهجها بقصفٍ صهيوني ساحق، فشعبها منذُ انبلاج فجر الدنيا عنوانٌ للإباء؛ والعزة، والكرامة، مُحال أن تطفئ جذوتها أَو تخمد مقاومتها، وتهدأ صفير ثورتها، هيهات أن تَطالهم يد الغاصب المحتلّ فالمعركة باتت معركة حسم ووجود، فإما البقاء بعزٍّ أَو الخلود.
اليوم تشهد ساحات غزة أعتى حرب ضروس عرفتها البشرية منذ بداية الاحتلال، بات ليلها كنهارها لا يُخمدُ أُوارُه ولا يخبو وهجُه، ليلُ غزة لا يشبه أي ليل، إن الليل المكلوم الذي لا تنام مدينته؛ بسَببِ صفارات الإنذار وأصوات القذائف والقلق المسيطر، لا تصفو سماؤه بل تستعر كشواظ من نار، غزة تجابهُ الحقد النمرودي الدفين لوحدها من الفلق وحتى الغسق، غزة في معركتها الأشد والأعنف على مر التاريخ الفلسطيني، وعلى مرأى الشعوب العربية التي تهاوت عروبتها، وتنصلت هويتها، وباعت قوميتها بثمن بخس.
غزة اليوم مع كتائبها وأجندتها ومقاومتها قد شمرت عن ساعدها، وأقسمت أن لا تَحيد عن موقفها، ومن هنا لا بُـدَّ وأن يدرك العرب كافة أن نضالهم العربي والإنساني لا بُـدَّ أن يثور ويثأر، فما حدث اليوم بغزة سيعود بزي آخر وبشاكلة جديدة مستوطنا البلدان كلًا على حده، لا بد من الوقوف الجاد المثمر، لا الشعارات والاستنكارات التي لا تغني ولا تسمن، لزم علينا جميعاً تصفية الكيان الصهيوني من جذوره ومساءلته عن جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني، لزم علينا التبرؤ من العملاء والخونة الذين كشفهم الطوفان وفضحتهم عواملُ التعرية، وعلى صعيد الواقع لا بُـدَّ أن نتوحد ما دمنا نمتلك مقومات الوحدة لنواجه عدونا التاريخي.