نداءٌ إلى ضمائرَ ميتة
احترام عفيف المُشرّف
ينصهر القلب وَجَعًا، وتئن الروح ألماً، وتذوب النفس حسرة، ويتجمد الدمع في المآقي حزناً وخجلاً، لما يحدث في غزة من مجازر وقتل لكل ما يدب على ظهرها أَو يتنفس فيها، غزة تدمّـر عن آخرها على مرأى ومسمع من العالم بأسره، يقتل الإنسان في غزة أياً كان وصفه طفلًا أَو امرأةً أَو مسنًّا، يقتل الطبيب في غزة مع مريضه، ويقصف المشفى مع المنزل، لا فرق، فقد أبيحت غزة العزة من المتصهينين قبل الصهاينة، ومن المسلمين قبل اليهود، ومن الأقرباء قبل الغرباء، (وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
نعم من سمح باستباحة غزة ليس فرنسا وأمريكا ومن في فلكهم، بل هم العرب، هم الحكام الأذلاء، هم الشعوب الساكتين على حكامهم، وهم يسمعونهم يدينون الضحية ويشرعنون الوحشية.
إن ما نسمعه من تصريحات للحكام العرب أَو الناطقين باسمهم، أَو من المذموم الذي يدعى برئيس السلطة الفلسطينية، لا هو أشد وأنكى من صواريخ العدوّ الإسرائيلي ومن ضرباته (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند)..
من يصرحون بإدانة المقاومة الفلسطينية هم، ومن يحاصرون غزة في حدودها هم، وكلّ ما يحدث على مرأى ومسمع منهم هم، لا بارك الله فيهم، (نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أنفسهُمْ أُولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وإذا أتينا إلى الشعوب العربية فهم ومنذ سبعين عاماً وهم يخرجون إلى الشوارع يندّدون بالعدوّ الإسرائيلي ويهتفون للمقاومة ما سئموا وما ملوا، ولن نقول إنهم لا يعرفون بل هم يعرفون ويدركون أن ما يقومون به لن ينفع فلسطين، وما ينفع فلسطين هو الخروج والتنديد بحكامهم وإرغامهم على التنحي عن كراسيهم، التي ليسوا بأهل لها، هكذا فقط ستكون لهم وقفة صادقة مع الأقصى، فحكامهم قد زاد غيهم وسكوتهم ولا بُـدَّ من الخروج عليهم.
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِـمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا).
أما العلماء الإجلاء بكل أطيافهم علماء السنة والشيعة وو… إلخ، بكل مسمياتهم، فالله هو المستعان عليهم، فهم الملاذ وهم المرتجى في مثل هذه العسرة التي تمر بها فلسطين وأهلها، فهم من يتأمل فيهم أن يقودوا الأُمَّــة وأن يخرجوا في مقدمة الشعوب ليعلنوا أن مواقف الحكام ليست من الدين وأن نصرة أهل فلسطين أصبح فرض عين وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن حكام المسلمين أصبحوا شياطين وليسوا بخرس، بل متكلمين ضد ما أمر به الدين، وواقفين مع العدوّ ضد المسلمين، ووجوب الخروج عليهم انطلاقًا لقتال العدوّ الإسرائيلي فهم أعداء الأُمَّــة الحقيقيين، تحَرّكوا يا علماء الأُمَّــة لتخرجونا من هذه الغمة والبلاء وإلا فأنتم أول من سيحاسبهم الله على دماء الفلسطينيين، (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّـة يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولئك هُمُ الْـمُفْلِحُونَ).
وأما الحقوقيون والمنظمات الإنسانية فنقول لهم أين أنتم، لماذا لم نسمع لكم صوتاً، ولم تذرف دموعكم التي نراها على أدنى شيء يحدث، ألم تهزكم المشاهد التي تبث من غزة، ألم تروا كيف يقتل الأطفال في غزة، وكيف تذبح النساء وتقصف المستشفيات والمدارس، ألم تشاهدوا كيف تباد أسر بأكملها في غزة، لماذا نراكم تبحثون تحت كُـلّ حجر عن حقوق الإنسان والحيوان، وتجرمون من يعتدي على الأطفال والنساء وتمرون على غزة مرور اللائم ولا تحَرّكون ساكناً، وأنتم ترون الطفولة تذبح في غزة، وترون النساء وهن يلبسن أطفالهن الأكفان بديلاً عن الزي المدرسي، وترون الطبيب الذي لا يعود إلى منزله مرابطاً في إسعاف الجرحى ونقل الشهداء ليفاجئ بأن أبناءه قد أتوا هم إليه بين الشهداء، وترون كُـلّ ما لا يحتمل من مشاهد ولا نسمع لكم حساً ولا همساً، ألا تبت أياديكم وشاهت وجوهكم، يا متشدقين بما لا تعملون.
(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).