القضيةُ الفلسطينية تعودُ إلى الواجهة غضبٌ عالمي ضد الصهاينة
المسيرة – محمد ناصر حتروش
تنتفضُ شعوبُ العالم ضد الإجرام الصهيوني في قطاع غزة، ولأول مرة منذ سنوات كثيرة يواجِهُ الكيانُ الغاصب المتاعبَ في عدد من دول العالم؛ بفعل المظاهرات الشعبيّة التي تستهدف سفارات الكيان ووجوده أينما كان.
لم يكن الكيان يتوقع أن تخرج الحشود بالآلاف في شوارع غربية أعلن حكامها جهاراً مساندتهم للتوحش الصهيوني في غزة، حيث عمت المظاهرات شوارع لندن، وباريس، وواشنطن، وإسطنبول، بل وصلت الاحتجاجات إلى داخل دولة الاحتلال، لأول مرة تخرج مسيرات ضد “النتن ياهو” أثناء الحرب.
ووصل مأزق الصهاينة إلى درجة إجبار الجماهير في داغستان لطائرة صهيونية بالمغادرة من المطار، بعد أن تجمهر الآلاف واقتحموا المطار بعد سماعهم أن طائرة صهيونية هبطت فيه، وهو ما يجعل الكيان المؤقت في تخوف دائم من التحَرّك في أنحاء العالم، فالغضب يطارده أينما حَـلّ وأينما كان.
وفي هذا الجانب يرى الكاتب والمحلل السياسي أحمد مسعود، أن “الخروج الجماهيري في مختلف البلدان العربية والإسلامية للتضامن مع غزة يمثل إعلاناً لموقف رافض للجرائم الإسرائيلية”، مُشيراً إلى أن “التجمهر المليوني في الساحات يعبر عن الإجماع الشعبي على إدانة الكيان الصهيوني الغاصب في الوجدان العام”.
ويوضح مسعود في حديث خاص لصحيفة “المسيرة أن “أمريكا وإسرائيل تخشى من المظاهرات الشعبيّة؛ وذلك كون المظاهرات تولد السخط الشعبي تجاه إسرائيل، وهو ما لا ترغب به إسرائيل وحلفاؤها”، مبينًا أن “التظاهرات الشعبيّة تسهم في الضغط على المنظمات الدولية والحقوقية للقيام بواجبها في مطالبة الكيان الصهيوني بالوقف الفوري عن قصف المدنيين وارتكاب جرائم الحرب والإبادة بحق المدنيين في غزة”.
ويلفت إلى أن “جرائمَ الإبادة التي تُرتكب في غزة أحيت الشعوبَ العالمية وجعلتها تفيق من سباتها”، مستدلاً بما يحدث في الدول العربية والأُورُوبية، وكذا دول الغرب من خروج مليوني كبير بشكل شبه يومي تضامناً مع غزة وتنديداً بجرائم الصهاينة”، معتبرًا المظاهرات الشعبيّة إعلان تكامل شعبي ورسمي حول مركزية القضية الفلسطينية واستعادة للزخم العام الذي حاولت أمريكا وإسرائيل أن تفككه خلال العقد الماضي.
وحدَها شعوبُ الدول العربية المطبِّعة مع إسرائيل تشهد حالةً من الصمت المطبق والخواء تجاه ما يحدث من جرائم إبادة في قطاع غزة؛ فلا مظاهرات أَو احتجاجات داخل الرياض وأبو ظبي، ولا مواكبة أَو تغطية إعلامية، وبدلاً من ذلك ترفض هيئة الترفيه بالسعودية الإصغاء للدعوات بإيقاف حفلات الرقص والمجون في هذا الوقت الذي تعيش فيه غزة محنة عصيبة لا سابق ليها في التاريخ، في حين نشهد الشارع المصري أقل حضوراً وعزيمة، في مشهد لن يغفره التاريخ لبلد جمال عبد الناصر.
وتدعم السعوديةُ والإمارات كُـلَّ الأبواق التي تقف إلى جانب الكيان الصهيوني ضد ما يجري من حرب إبادة في قطاع غزة، وسخرت أقلام الموالين لها لتكفير “حماس” وانتقاد ما أقدمت عليه في عملية “طوفان الأقصى” والادِّعاء بأنه “انتحار” وإلقاء بالنفس إلى التهلكة، بل ذهب علماء الترفيه للقول بأن المظاهرات الداعمة لغزة هي في حكم “البدعة”.
الاستثناء بين الدول المطبعة كان بالخروج الجماهيري الكبير وغير المسبوق في الأردن، فقد حاول المتظاهرون مراراً وتكراراً اقتحام السفارة الصهيونية وإحراقها، كما حاول آخرون التوجّـه صوب الحدود مع فلسطين المحتلّة، لكن قوات الأمن التابعة للملك الأردني كانت لهم بالمرصاد وقمعت تلك المسيرات بالبارود والنار.
اليمن.. حضورٌ مليوني استثنائي:
وكالعادة، يتصدَّرُ اليمن مشهد الدول العالمية مناصرة للقضية الفلسطينية، من خلال المسيرات المليونية التي لم تتوقف إلى يومنا هذا، حيث كانت صنعاء هي أول مدينة في العالم تخرج بمسيرات شارك فيها مئات الآلاف؛ دعماً ومناصرة للأحرار في قطاع غزة.
وينسجم الموقف الرسمي مع الشعبي في هذا الجانب، كما رافق المسيرات حملة لجمع التبرعات المالية، والتأكيد من قبل القيادة الثورية والعسكرية بأن اليمن لن يظل مكتوفَ الأيدي تجاه ما يحدث في غزة، وأنه سيشارك بقدر المستطاع، وهو ما حدث بالفعل، حيث تتحدث وسائل الإعلام التابعة للأمريكيين والعدوّ الإسرائيلي عن تعرض المستوطنات الصهيونية لصواريخ مصدرها اليمن.
وتأكيداً على أن القضية الفلسطينية تحتل الصدارة لدى القيادة الثورية والسياسية فقد تم تأسيس الحملة الوطنية لنصرة الأقصى، وتم تدشينها بحضور رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي محمد المشاط، يوم الأحد الماضي، لتكون منطلقاً لفعاليات وأنشطة تناصر القضية الفلسطينية وتقف إلى جانبها، وخلال التدشين وجه الرئيس المشاط كلامه للمقاومة الإسلامية في فلسطينية قائلاً: “أقول للإخوة في فلسطين الكل معكم، الشعوب وحركات المقاومة معكم، حتى تنهزم هذه الهجمة الشرسة، ورفع العدوّ لسقوفه مُجَـرّد عنتريات فارغة”.
وخلال الأيّام الماضية نظمت العديد من الوقفات والمسيرات الشعبيّة في عدد من محافظات الجمهورية، كما أقيمت أمسيات وندوات، ووقفات احتجاجية شملت مختلف القطاعات بما فيها الحكومية والخَاصَّة، وكلها عبرت بصوت واضح بأن الشعب اليمني المظلوم على مدى 9 سنوات يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني بكل ما أوتي من قوة، وأنه لا يشرفه البقاء في خانة التفرُّج وعدم اتِّخاذ الموقف الصحيح.
وفي هذا الصدد يستنكر محمد البيلي، مدير عام الوحدة التنفيذية لضريبة مبيعات القات بمصلحة الضرائب، جرائم حرب الإبادة التي يرتكبها كيان العدوّ الصهيوني الغاصب بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ومنها تلك التي استهدفت مستشفى المعمداني في غزة وَراح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى جُلهم من الأطفال والنساء والشيوخ والنازحين، الذين لجأوا للمستشفى من جحيم القصف المتواصل الذي يستهدف مساكن المواطنين وسط مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.
ويقول البيلي في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “إن الشعب اليمني يتحَرّك في مسيرات جماهيرية متواصلة كُـلّ يوم، ليؤكّـد تضامنه الكامل مع الشعب الفلسطيني ضد كافة الانتهاكات التي يتعرض لها من قبل العدوّ المحتلّ”، مؤكّـداً أن “الشعب اليمني لا يكتفي فقط بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية، بل إنه على استعداد وفي جهوزية كاملة لتقديم الدعم بمختلف أشكاله، بالمال والسلاح والرجال؛ مِن أجل نصرة القضية الفلسطينية وتحرير القدس، معرِباً عن أسفه للخِذلان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل الحكام العرب والدول المطبعة مع هذا الكيان المؤقت”، مؤكّـداً في الوقت ذاته أن “الشعب اليمني ستظل مواقفُه ثابتةً وواضحة تجاه القضية الفلسطينية”، وداعياً في الوقت ذاته المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى تحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية تجاه الإنسان الفلسطيني وأرضه واقتصاده وما يتم ارتكابه من المجازر الوحشية ومحاسبة مرتكبي الجرائم وقصف الأبرياء ومعاقبتهم.
ويشير البيلي إلى أن “كُـلّ أشكال العدوان الاقتصادي والعسكري على الشعوب والبنى التحتية مدان ومستنكر عالمياً ومخالف لكل القوانين والأعراف الدولية ويجب التصدي له بكل قوة وحزم”، مشيداً في الوقت ذاته بالمواقف الشجاعة لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ومناصرته لفلسطين على مدار السنوات الماضية، وعدم نسيان القضية الفلسطينية حتى في أحلك الظروف التي مر بها شعبنا اليمني طيلة 9 سنوات مضت من العدوان والحصار الأمريكي السعودي على بلادنا.
ومنذ بدء عملية “طوفان الأقصى” لم تتوقف المسيرات أَو الوقفات الاحتجاجية للشعب اليمني، للتنديد بجرائم العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وللتأييد والمباركة للعملية، وللإشادة بصمود وثبات سكان غزة ضد آلة القتل والتوحش الإسرائيلية.
ويؤكّـد مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، عبد العزيز أبو طالب، أن “الخروج الجماهيري الحاشد للشعب اليمني والشعوب الإسلامية وغيرها يعبر عن عدالة القضية الفلسطينية، كما أنها تعبر عن التضامن الإسلامي والإنساني مع المعاناة التي يفرضها الكيان الصهيوني بالقتل والحصار والتجويع للشعب الفلسطيني”.
ويوضح في حديث لصحيفة “المسيرة” أن “بروز المظاهرات الشعبيّة في مختلف بلدان العالم دليل قطعي على بشاعة العدوان الصهيوني ووحشيته في ارتكاب الجرائم بقطاع غزة كما أنها تأتي في سياق الاستنكار والإدانة لما يجري في غزة”، لافتاً إلى أن “تكرار ظهور الزخم الشعبي العالمي التضامني مع الفلسطينيين يسهم في إسقاط الدعاية الصهيونية والتضليل الإعلامي الذي يمارسه الكيان الصهيوني المؤقَّت”.
ويشير إلى أن “المظاهرات الجماهيرية لها أثر واضح وكبير في كشف وتعرية الوجه القبيح للصهيونية والادِّعاءات الغربية عن حقوق الإنسان والديمقراطية والقانون الدولي وهم يقفون ويدعمون ويساندون قتلة الأطفال”، مستدلاً بما تقوم به الأنظمة الغربية من قمع وتجريم للنشطاء والشعوب المتضامنين مع القضية الفلسطينية في بلدان الغرب كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول المنحازة مع الكيان الصهيوني.
وعن خطورة السكوت والتخاذل عما يجري في فلسطين، يؤكّـد أبو طالب أن “السكوت هو دعم للصهاينة ومشاركة غير مباشرة للقتلة”، موضحاً أن “السكوت عما يجري في غزة تجاهل لمعاناة الفلسطينيين الذين تربطنا بهم أخوة إسلامية، مؤكّـداً أن جميع المسلمين مسؤولون أمام الله تعالى، مستدلاً بحديث الرسول الأكرم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)”، منوِّهًا إلى أن “خذلان الفلسطينيين له خطورة كبرى تكمن في أن العدوّ الصهيوني والأمريكي لن يقف عند غزة وفلسطين، بل إنه يهدف إلى قتل وتشريد جميع الدول العربية والإسلامية ونهب ثرواتها وامتهان كرامتها واحتلال أراضيها”.
من جهته يقول أُستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء، الدكتور أحمد الصعدي: “إن التحَرّكات الجماهيرية ومختلف أشكال نصرة المقاومة وكلّ أهل غزة تكتسب أهميّة كبيرة، حيث تؤكّـد للشعب الفلسطيني أنه لم ولن يترك لوحده في مواجهة الكيان الإجرامي والتحالف الغربي الاستعماري الذي هبَّ لنجدته ومباركة جرائمه”.
ويضيف في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن “المظاهرات الجماهيرية تؤكّـد أن القضية الفلسطينية عادت لتشغل مكانتها في وعي واهتمامات العرب؛ باعتبارها قضيتهم الأولى، وأن سنوات من محاولات وجهود إشغال العرب بقضايا داخلية ونزاعات قطرية وهموم معيشية لم تنجح في إلغاء فلسطين من وعيهم ووجدانِهم”.
ويؤكّـد الصعدي أن “خروج الملايين بمسيرات في مختلف دول العالم تؤكّـد التضامن الشعبي مع غزة وتستنكر جرائم الإبادة الصهيونية”، مشدّدًا على أن “امتلاء الساحات بالمتظاهرين أفشل آلة الدعاية الصهيونية والغربية في تصوير فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيَّما حماس كجماعات إرهابية”، مبينًا أن “الملايين في مختلف بلدان العالم تقول لقادة الكيان الصهيوني ولواشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم والوسائل الإعلامية الغربية المتصهينة: إن حركة حماس ليست داعش ولا فاشية ولا نازية بل قوة تحرّر وطني تحاربُ لتحرير الوطن المغتصب منذ 75 عاماً”.
ويشير الصعدي إلى أن “التخاذل عن نصرة الفلسطينيين تحت أي مبرّر يعني الاستسلام للحلف الصهيوني الغربي العنصري ولمخطّطاته التي لا تقتصر على فلسطين بل تمتد إلى كُـلّ الدول العربية والإسلامية؛ بهَدفِ إخضاعها وسلبها كُـلّ مقومات قوتها لتصبح كيانات هشة وتابعة ومتخلفة”.