في معركة “طُوفان الأقصى.. بالستياتُ ومسيَّراتُ يمنيةٌ تترجمُ عظمةَ المشروع وصدق القائد
إبراهيم محمد الهمداني
إن من الإجحاف الحديث عن معركة “طُوفان الأقصى”، في لحظتها الزمنية الراهنة، كحدث انفجاري مفاجئ، منقطع عن سياقه الزمني الماضوي، الذي جمع في مجراه، كُـلّ الأحداث الجزئية، المتفرقة مكانيا والمتواترة زمنيا، التي تفاعلت فيما بينها، وتمخضت عن عدد من العوامل والأسباب القاهرة، التي أنتجت معركة “طُوفان الأقصى”، في سياقيها الزماني والمكاني، وأنساقها السياسية والعسكرية والاستخبارية والشعبيّة، وتداعياتها الاقتصادية إقليميا وعالميًّا، ذلك؛ لأَنَّ الأحداث الكبرى، إنما هي عصارة أحداث جزئية، في متوالية السيرورة الزمنية والمكانية، تفاعلت فيما بينها وتلاقحت، لتنفجر – بعد نضجها – أحداثا كبرى، تصبح – فيما بعد – أيقونة التحولات التاريخية الكبرى، وعلامة فارقة في مسيرة التاريخ الإنساني.
* معركة “طُوفان الأقصى” في سياقها الطبيعي
كذلك الحال بالنسبة لمعركة #طوفان-الأقصى، التي كانت نتاجا طبيعيا، لصورة تفاعلها الإيجابي، مع أحداث محيطيها الإقليمي والعالمي، بوصفها فعل الضرورة القصوى، المتشكل من انتصارات محور الجهاد والمقاومة، سياسيًّا وعسكريًّا واستخباريا، من ناحية، ومن محاولات تصفية القضية الفلسطينية، إقليميا وعالميًّا، من ناحية ثانية، واستهدافها علنا، من خلال صفقات التطبيع المتلاحقة، على المستوى العربي، وتبني الغرب الحضاري، عملية التصفية والمحو تلك، على كافة المستويات والأصعدة، رغم تعارض ذلك الفعل الاستعماري الصريح، مع شعارات مشروع الغرب الحضاري المزعوم.
* “طُوفان الأقصى”.. طوفان اليمن
يمكن القول إن العدوان الصهيوسعوأمريكي على اليمن، بكل مظاهره وجرائمه ومجازره، كان بمثابة الثمن الباهظ، الذي دفعه اليمنيون على مدى تسعة أعوام، نظير موقفهم المبدئي والثابت، مع قضية فلسطين أرضا وإنسانا، ذلك؛ لأَنَّ ارتباطهم بالقضية المركزية المحورية، لم يعد من قبيل التعاطف الإنساني، أَو التعصب القومي فقط، وإنما هو من باب الواجب الديني أولا وقبل كُـلّ شيء، كونها الركيزة الأَسَاس في المشروع القرآني العظيم، الذي أعاد الشعب إلى مساره الإيماني الأصيل، وأعاد للدين قيمته الاعتبارية والروحية، وأكّـد على طبيعة المسؤولية، وحقيقة الاستخلاف الإلهي، وطبيعة الصراع الأزلي، ضد قوى الشر والاستكبار والضلال، الذين نص عليهم الله سبحانه وتعالى بقوله:- “والله أعلم بأعدائكم” – وحذرنا من اليهود والنصارى وأوليائهم، وأوجب علينا الجهاد ضدهم، بمختلف الوسائل والطرق، وُصُـولاً إلى المواجهة الميدانية المسلحة، نظرا لما يمثلونه من خطر وجودي على الإنسانية جمعاء.
* القدس في المشروع القرآني الحضاري
تلك هي ركيزة المشروع القرآني الحضاري، الذي تشرَّبه اليمنيون واعتصموا به، فاستعادوا هُــوِيَّتهم الإيمانية، ودورهم الريادي، وحقّقوا به انتظارهم الخالد، على قوى تحالف العدوان والحصار العالمي، حَيثُ ترجموا مفردات ذلك المشروع العظيم، اعتقادا وسلوكا، ولم ينسوا القدس أَو يتخلوا عنها، حتى وهم يخوضون أشرس المعارك، ويقاسون أسوأ الظروف والصعوبات، مؤكّـدين في كُـلّ مناسبة وموقف وحادثة، أن القدس هي البوصلة، وأن الكيان اليهودي الصهيوني الغاصب، هو العدوّ الأول، ومن خلفه أمريكا وأخواتها، وأن تحرير القدس وفلسطين قاطبة، هي مسؤوليتهم الأولى، وغايتهم العظمى، التي لا يثنيهم عنها أي شيء.
* عظمة المشروع وصدق السيد القائد
ذلك هو ما أكّـده سماحة السيد القائد العلم المجاهد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي – يحفظه الله – في أكثر من مناسبة، وترجمته الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة اليمنية، التي استهدفت كيان العدوّ الصهيوني، في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وقطعت أكثر من 2000 كم، لتعبِّر عن قضية الشعب اليمني المركزية، واشتياقه الكبير للمشاركة الفعلية، والجهاد بالنفس لتحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
إن هذا الموقف السياسي العسكري المتقدم، الذي أعلنه الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، بتاريخ 16 ربيع الآخر 1445، الموافق 31 أُكتوبر 2023م، بعد أربعة وعشرين يوماً، من بداية معركة #طوفان-الأقصى، معلنا انضمام اليمن رسميًّا، إلى جانب الشعب الفلسطيني المظلوم، مؤكّـداً على وحدة الساحات، وواحدية القضية والمصير المشترك، وأن القوات المسلحة اليمنية، وهي تستهدف عمق هذا الكيان الصهيوني الغاصب، بأعداد كبيرة من الصواريخ الباليستية المجنحة والطائرات المسيرة اليمنية، تؤكّـد استمرارها في نصرة الشعب الفلسطيني الأعزل، وتنفيذ المزيد من العمليات الصاروخية النوعية، استجابة لمطالب الشعب اليمني، وكافة شعوب الأُمَّــة، حتى يتوقف هذا العدوان الإجرامي، على إخواننا في غزة وفلسطين عُمُـومًا.
* من اليمن إلى غزة.. واحدية العدوّ وواحدية المظلومية
إن من قتل وحاصر أبناء الشعب اليمني بالأمس، ومن أيده ودعمه وسانده، هو اليوم من يقتل ويحاصر أطفال غزة وكل فلسطين، فالجرائم هي ذاتها، ومجازر الإبادة الجماعية هي نفسها، وتآمر منافقي الأعراب هو عينه، وتواطؤ الأمم المتحدة ومجلس أمنها، لم يختلف عن مألوفه، وطبيعة المعركة القائمة، لا تختلف إلا من حَيثُ الجغرافيا فقط، الأمر الذي يجعلنا نوقن بحقيقة الطرح الفلسفي، الذي قدمه سماحة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، بخصوص هذه المعركة الفاصلة، وتداعياتها ونتائجها الحتمية، وتحذيره المتكرّر لقوى الشر والاستكبار العالمي عامة، وكيان العدوّ الصهيوني الغاصب خَاصَّة، من الإقدام على هذه الحماقة، ليثبت #رجل-القول-والفعل – كما هي عادته – صدق تحذيراته ووعيده، وأن الشعب اليمني لن يقف مكتوف الأيدي، بينما إخواننا في فلسطين يذبحون ويبادون، معلنا بقوة الحق ومنطق القوة، عن تلبية نداء الواجب الديني، وتحقيق رغبة الجماهير المليونية، التي خرجت أكثر من مرة، مفوضة لقائدها، ومسلِّمة له مطلقا، ومؤكّـدة جاهزيتها القصوى، واستعدادها الكامل، لتنفيذ كُـلّ ما يأمر به، ولولا مقتضيات التسليم والطاعة، للسيد القائد العلم المجاهد يحفظه الله، لتقافز أبناء الشعب اليمني، إلى أرض فلسطين الحبيبة، كما تتقافز صواريخهم الباليستية وطائراتهم المسيرة، للمشاركة في واجب الجهاد المقدس.
* “طُوفان الأقصى”.. السقوط المخزي لأساطير القوة
طالما أرعد الأمريكي وأزبد، وطالما هدّد البريطاني وتوعد، وطالما أعلن الغرب الاستعماري، وقوفه إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب وأيد، وطالما أعلنوا تأييدهم ومساندتهم المطلقة، لجرائم الإبادة والمجازر الوحشية، التي يرتكبها ذلك الكيان اليهودي الغاصب، بحق أبناء قطاع غزة، وطالما أطلقوا تحذيراتهم من تدخل أي قوة في محور الجهاد والمقاومة، وتأكيدا لتهديداتهم تلك، أرسلوا بوارجهم ومدمّـراتهم وحاملات الطائرات، إلى البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر والبحر العربي، كخطوة استباقية، تلجم أي تحَرّك يساند الشعب الفلسطيني، لكن حامل المشروع القرآني، #رجل-القول-والفعل لم يأبه لتلك التهديدات الفرعونية، حَيثُ أعلن – كما أمره كتاب الله – عن دخول الجيش اليمني رسميًّا، على خط الجهاد والمواجهة، ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وقوى الغرب الاستعماري، مؤكّـداً الحضور الريادي الفاعل، في معادلة الصراع العالمي، وعمق الارتباط الدائم والاتصال المُستمرّ والتنسيق العالي، مع فصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، وأحزاب وحركات وأنظمة محور الجهاد والمقاومة عامة، ليفاجئ العالم أجمع، بهذا الموقف الجريء، وأن عملية السادس عشر من ربيع الآخر المعلن عنها، هي العملية الثالثة، التي تضرب فيها الصواريخ الباليستية والمسيرات اليمنية، أهدافا استراتيجية حساسة، في عمق الكيان الصهيوني المحتلّ.
* “طُوفان الأقصى”.. طوفان الأُمَّــة
إن التناغم العالي، في أداء فصائل الجهاد والمقاومة في الداخل، وقوى الجهاد والمقاومة في المحور، واستمرارها في توجيه الضربات المتلاحقة الموجعة، بزخم ناري كثيف، ومسار تصاعدي متعالي، وأهداف عسكرية واستراتيجية بالغة الأهميّة، قد أصاب الكيان الصهيوني، ومن خلفه قوى الاستكبار الغربي الإمبريالية، في مقتل، وأسقطها سقوطها مدويا، فوقعت صريعة هزيمتها النكراء، متخبطة في مواقفها وتصريحات مسؤوليها، أسيرة عجزها المهين وفشلها الساحق، وسقوط وهم قوتها التي لا تقهر، تحت أقدام ثلة من المجاهدين الغزاويين، لذلك لجأ الكيان الصهيوني الغاصب، ومن خلفه الغرب الاستعماري المجرم، إلى فعل ما ألفوه، واعتادوا القيام به، عبر تاريخهم الاستعماري، في إشباع نزعتهم الانتقامية الإجرامية، من خلال استهداف المدنيين الأبرياء، وارتكاب أبشع جرائم ومجازر الإبادة الشاملة بحقهم، ظنا منهم أن أنهار الدماء، وجبال الخراب والدمار الشامل، قد تجبر المجاهدين الفلسطينيين على الاستسلام، والتوقف عن مشروعهم الجهادي التحرّري، غير مدركين أن سنن الله تعالى ثابتة، لا تتبدل ولا تتحول، وأن الزوال المحتوم، هو مصير المجرمين المستكبرين الظالمين.
* “طُوفان الأقصى”.. تساؤلات على حافة النهايات المغلقة
مهما تكن تداعيات الموقف المشرف البطولي، الذي أمر به رجل القول والفعل السيد القائد يحفظه الله، وترجمه – وما زالوا – أبطال القوات المسلحة اليمنية، ومهما تعددت التحليلات والقراءات والتوقعات، فَــإنَّ ذلك لن يقدم أَو يؤخر شيئاً، كما أن حضور حاملات الطائرات والمدمّـرات والسفن الحربية الصهيونية والأمريكية والبريطانية وغيرها، لن تزيد اليمنيين قيادة وجيشا وشعبا، إلا إصرار على المضي في معركة الشرف والبطولة، حتى تحقيق النصر الموعود، وتحرير كُـلّ المقدسات الإسلامية، من دنس الصهاينة الغاصبين، ومن على شاكلتهم، بعون الله وتأييده وتمكينه، وَإذَا كان الغرب الاستعماري المتعجرف، قد نظر إلى ما يجري في أرض غزة، بعين موشي دايان الأعور المجرم، فَــإنَّ اليمن قد غرز صواريخه الباليستية المجنَّحة، في تلك العين القذرة، وفقأها إلى الأبد، كما أن قوى الجهاد والمقاومة في الداخل والخارج، لم تتوان في توجيه أقسى الصفعات، على وجه ذلك المعتدي الأعمى، الذي يخط مسار نهايته بيده، فكلما أوغل الصهاينة في ارتكاب المزيد من عمليات القتل والتدمير الشامل، اتسعت رقعة وجغرافيا المعركة، وفُتحت جبهات جديدة، داخليا وإقليميا، وكلما اتسعت جغرافيا المعركة، تضاءلت خيارات خروج الكيان الصهيوني، والغرب الإمبريالي منها سالمين، وبالتالي تنعدم فرص بقائهم وبقاء مصالحهم، في كامل المنطقة العربية.
إن المدمّـرات والبوارج والسفن الحربية، التي عجزت عن حماية نفسها، من ضربات الصاروخية اليمنية، هي أعجز عن حماية الكيان الصهيوني الوظيفي، وبقية الكيانات الوظيفية المطبعة، التي هرولت إلى التطبيع، بدافع وهم الحماية الإمبريالية، غير مدركة أنها لا تعدو كونها في نظر الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري، مُجَـرّد أدوات وكيانات وظيفية، تعمل بنظام الارتزاق، على تنفيذ مخطّطات، وحماية مصالح القوى الاستعمارية، التي سرعان ما ستتخلى عنها، وتتركها تواجه مصيرها المحتوم، عندما تشعر أنها أصبحت غير مجدية، من منظورها المادي البحت، كما فعلت في أفغانستان وغيرها.
والتساؤلات التي لا بُـدَّ من طرحها هنا هي؛ ما هي الخطوة الأخيرة، التي قد يلجأ إليها المستعمرون المهزومون؟ ما هي رهاناتهم للخروج من هذه المعركة؟ هل يدفع الكيان الصهيوني الغاصب – ومن خلفه الغرب الاستعماري – بأنظمة التطبيع والعمالة، إلى محرقتهم الأخيرة، في مواجهة مباشرة مع اليمن خَاصَّة، ومحور المقاومة عامة؟ هل يتخلى الجيش المصري – مثلا – عن شرفه العسكري ورصيده الوطني، وينجر إلى المواجهة المخزية، ضد محور الجهاد والمقاومة، إرضاء للسيسي العميل، والعدوّ الصهيوني المحتلّ؟.
يجب على الشعوب أن تقول كلمتها، وأن تثور ضد أنظمتها الحاكمة العميلة، انتصارا لدينها وشرفها وكرامتها، وأن تجبر حكوماتها على المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، وتطرد سفراء الكيان الصهيوني، وكل من أيده وسانده وساعده، من دول الغرب الاستعماري، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبهذا سيتوقف حكام العمالة والنفاق والتطبيع، عن ارتكاب أي حماقة محتملة، كما أن العدوّ الصهيوني والغرب الاستعماري، سيفقد الكثير من أوراقه ورهاناته، وتضيق مساحات خياراته، وسيكونون أمام خيارَينِ أحلاهما مرَّ، ونهاية مخزية محتومة واحدة.