السقوطُ الأخلاقي والديني والإنساني لواشنطن وعواصم بلدان حِلف شمال الأطلسي في معركة “طُوفان الأقصى”.. بقلم أ. د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور*
نَقلت وسائلُ الإعلام المرئية والمسموعة وعبر شبكة التواصل الاجتماعي أنه في يوم الجمعةِ، الموافق 3/ نوفمبر/ 2023م، وصل العالَمَ نبأٌ وخبر همجي صاعق، وغير مسبوق، ولا يصدّقُه إنسانٌ عاقل، مفادُه بأن طيرانَ الكيان الإسرائيلي الصهيوني شن غارات حربية عِدائية متتالية على عدد من المنشآت الصحية والتربوية في قطاع غزّة المحاصَرِ، ونتج عنها:
– قصفُ مستشفى الشِفاء.
– قصفُ مستشفى الإندونيسي.
– قصفُ مستشفى القدس.
– قصف مدرسة تديرها الأمم المتحدة (للأونروا) بمنطقة الصفطاوي شمالي مدينة غزّة، راح ضحيتها عشرات الشهداء وكذلك عدد غير قليل من الجرحى، وكذلك مدرسة الفاخورة، وكِلتا المدرستين تأويان آلاف النازحين من الأطفال والنساء والشيوخ، في منطقة جباليا وهي تدار من قبل الأمم المتحدة.
على إثر هذا الخبر الصادم صرح السيد / أنطونيو غوتيرش، الأمين العام للأمم المتحدة في يوم السبت، بتاريخ 4/ نوفمبر / 2023 م من مقر إقامته في نيويورك بأنه شعر بصدمة إنسانية مروِّعة منذُ سماعه ذلك الخبرَ الدامي المروع. المستر / أنتوني بلينكن قطع مسافةَ عشرات آلاف الكيلو مترات جوّاً بين واشنطن وتل أبيب ليصل يوم الجمعة، بتاريخ 3/ نوفمبر، بالساعة التاسعة صباحاً بتوقيت القدس الشريف، واتجه على الفور إلى مقر إقامته تحت الأرض في إحدى الملاجئ الآمنة بمدينة تل أبيب لسلامته وسلامة وفده الأمريكي المتصهين المرافق له؛ لأَنَّ المدينة تتعرض لوابل من صواريخ المقاومة الفلسطينية وتحديداً من صواريخ حماس، وصواريخ الجهاد الإسلامي، وصواريخ الجمهورية اليمنية من صنعاء؛ لأَنَّها ساهمت خلال الأسبوع الماضي بعدد من الدفعات الصاروخية الهجومية الدقيقة كجهة تضامنية في جبهة المقاومة. تلك الصواريخ الموجهة من المقاومة لا تدع سكان مدينة تل أبيب ينامون بهدوء مع أحلامهم الهادئة المعتادة ولا يشعرون بالاطمئنان النفسي ولا السلم العائلي، تركتهم تلك الصواريخ في خوف ورعب دائمَين منذ انطلاقة شرارة حرب التحرير الشعبيّة الفلسطينية المعنونة بـ “طُوفان الأقصى” لتحرير كامل التراب الفلسطيني.
بعد أن أخذ المستر / أنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا راحته التامة، وهو الزائر الأحدَثُ من عواصم بلدان الغرب الأطلسي، وفي زيارته الثالثة الحالية للكيان الإسرائيلي منذ انطلاقة شرارة “طُوفان الأقصى”، ذهب لوزارة الحرب الصهيونية ليلتقيَ بأركان كيان العدوان الصهيوني والمجتمعين هم الآخرون في أحد الملاجئ العسكرية المحصنة تحت الأرض، وهم: رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي الإرهابي / بنيامين نتنياهو ووزير حربه الإرهابي / يوآف غالانت والبقية الباقية من المجرمين قتلة أطفال فلسطين الأبرياء. اجتمع بهم المستر/ أنتوني بلينكن لساعات طويلة، وكان الرأيُ العام العالمي ينتظر بحذر شديد لنتائج تلك الاجتماعات، وما سيتمخض عنها، وخَاصَّة أن آلة القتل الإسرائيلية الصهيونية المروِّعة تحصد أرواح الأبرياء في فلسطين وجنوبي لبنان من الأطفال والنساء والشيوخ وحتى المرضى، نعم كان الرأيُ العام العالمي ينتظر رُسُلَ العاصمة الأمريكية واشنطن بأن تطبِّقَ الحدَّ الأدنى والمتواضع مِمَّا يتشدقون به من مفردات: حقوق الإنسان، حرية حق الحياة للأطفال والنساء المدنيين الآمنين والعُزَّل من أي سلاح، وشعارات الأخلاق الإنسانية والدينية والعِرقية، والتي على أَسَاسها أُنشئت دساتير ولوائح وهياكل الأمم المتحدة وأجهزتها المتعددة. وكذلك تأسست المنظمات الحقوقية والإنسانية، وكيفية التعامل مع الإنسان المدني في النزاعات والحروب والاقتتال، كُـلّ تلك المراجع التاريخية الحقوقية والقانونية والأخلاقية مليئة بكل تلك النصوص؛ ولذلك ترقب الإعلام العالمي والرأي العام العالمي والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية لهذا الضيفِ الجديد القادم من واشنطن المدعو بلينكن، إلى مدينة تل أبيب، عاصمة كيان الاحتلال الإسرائيليِ، “البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط” كما يسمِّيها مفكرو وسياسيو ومثقفو أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ومن لف لفهم من عواصم حلف شمال الاطلسي، نعم كُـلّ هؤلاء النخب الغربية الأطلسية، يردّدون ليلَ نهارَ بأن الكيان الإسرائيلي هي وحدها واحة الديمقراطية والسلام والحب. والغريب أن من يردّد مثل كُـلّ تلك الأقاويل هم من خرِّيجي وَمن طلاب مدرسة فكر التنوير الباريسي الفرانكفوني وصالوناته الفارهة، ومن خرِّيجي مدرسة هيجل وفوباخ ونيتشه السكسونية البروسية الآرية، وآخرون يتناسلون من النوع والمدرسة الأنغلوساكسونية العريقة.
هذه الغرابة الصادرة عنا هي ناتجة عن التناقض الحاد بين القول والفعل في الثقافة الأُورُوبية المنحازة للهمجية الصهيونية، والتي يضع مفكروها وعلماؤها ومثقفوها الحواجز السميكة بين بصرهم وبصيرتهم، بين القول المنمّق وبين الفعل الإجرامي، بين نظريات عصر التنوير الأُورُوبي وبين همجية الفعل الصهيوني التي تجاوزت وحشية النازيين الشوفينيين وَالفاشيين المتطرفين.
وللتأكيد على قولنا أعلاه تعالوا لنفهمَ الحدثَ الداميَ الذي وقع في غزة وذكرناه في مطلع مقالنا، وهي أن الآلة العسكرية الإسرائيلية الصهيونية، قد دكت ثلاث مستشفيات مدنية على رؤوس مرضاها وزوارها وأطبائها، وأضافت لهم قصفاً وحشياً لمدرستين تأويان مواطنِين هاربين من جور ووحشية الآلة الصهيونية ليلوذوا بأنفسهم إلى مدرستين تابعيتَين لمنظمة الأمم المتحدة الأونروا، ومع ذلك لا حصانة لأحد من البشر أمام عنجهية ووحشية آلة الدمار العسكرية الإسرائيلية الصهيونية، ولكنها المدعومة من شركائها في واشنطن وبقية العواصم الأطلسية.
هذا الفعل الإجرامي بحق المواطنين الآمنين الأبرياء يحدث والمستر / الأمريكي / اليهودي / أنتوني بلينكن، وزير خارجية أمريكا يتجول في مدينة تل أبيب، ويزمع بالسفر إلى مدينة عَمَّان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية؛ كي يلتقي بعدد من وزراء الخارجية (العرب) المطبِّعين مع الكيان الإسرائيلي.
هنا يتساءل المواطن العربي الحر من الخليج (الثائر) إلى المحيط (الهادر)، ويقول في ذاته: مَن هم قتلة أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها؟! ونحن وغيرُنا نردّد ذات السؤالَ: أين العرب الأحرار؟
ملحوظة أخيرة لمقالنا هذا، وهو التوجّـهُ بالتحية والتقدير لكل أحرار العالم الذين خرجوا بالملايين الحاشدة يندّدون بالفعل الإجرامي للعدو الصهيوني بحق قطاع غزة وأهلها المسالمين. التوجّـه بالتحية والتقدير للأحرار والحرائر في عالمنا الإسلامي من جاكرتا شرقاً وحتى آخر مسلم على الشواطئ الغربية للمحيط الهادئ، والذين خرجوا بالملايين يندّدون بهمجية الكيان الإسرائيلي الصهيوني وشركائهِ في واشنطن وبقية عواصم دول حلف شمال الأطلسي.
التحية والشكر والتبجيل لقادة وشعوب محور المقاومة العظيم، الذين قاوموا المشروعَ الأمريكي الصهيوني في المنطقة من عواصم بلدان المقاومة: طهران، وبغداد، ودمشق، وبيروت، وفلسطين وصنعاء.
{وَفَوقَ كُـلّ ذِيْ عِلْمٍ عَلِيمْ}.
* رئيس وزراء تصريف الأعمال في اليمن / صنعاء