المرجِفون: “حماسُ هي سببُ الدمار.. حماسُ لم تحمِ أهلَ غزة”
محمد حسن زيد
دعا مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ الرسمية عبدالله آل هتيلة، حركة حماس إلى مسارعة إعلان حَـلّ نفسها تنفيذاً للشرط الإسرائيلي..
وحاول آل هتيلة تبرير دعوته هذه بأنها لتفادي سقوط المزيد من الضحايا..
مقاومة حماس والجهاد الإسلامي تُحرج جميع من اختاروا الاستسلام لذلك هم لا يُطيقون حماس ولا الجهاد الإسلامي.. لكنهم أحذق من أن يقولوا “حماس تُحرجنا”، بل هم يلومون حماس على الدمار الهائل؛ باعتبَار أن الاستسلام للإرادَة الصهيوأمريكية سيجنب غزة الدمار والخسائر البشرية المؤلمة، وبذلك فهم يستثمرون الدمار الصهيوني سياسيًّا لتبرير خيارهم الاستسلامي، هذا على افتراض حُسْن نيتهم أما إذَا افترضنا سوء نيتهم فهم جزء من هذا الدمار ولديهم وظيفة فيه يؤدونها؛ حتى تكون للدمار ثمرة سياسية واجتماعية يمكن قطفها في الداخل العربي والفلسطيني، ليتحول من أدَاة للإجرام تُثير حمية المسلمين إلى أن يصبح أدَاة ضغط شعبي لإسكات المقاومة وضمان أمن إسرائيل.
هدف هذه الأصوات هو كسر إرادَة الصمود والقتال حاضراً ومستقبلاً، ولا يكتمل ذلك إلا بالقول أن حماس لم تكن سبباً للدمار فحسب، بل هي أَيْـضاً قد عجزت عن حماية المدنيين من المجازر فلا معنى لمقاومتها ولا فائدة لأُسلُـوبها، ويصبح الاستسلام هو الخيار الوحيد!
بنفس هذا المنطق نسمع نفس النقد يتم توجيهه لحلفاء حماس حزب الله وإيران حين يُعايرهم الذباب الإلكتروني والأقلام المأجورة بعدم حماية المدنيين من المجازر، ويتم تحميلهم مسؤولية قواعد الاشتباك التي اختارتها حماس باستقلالية تامة عنهم، مع العلم أن بُنية المقاومة في غزة لم تُمسّ حسب تأكيدات حماس نفسها، وكأن محور الممانعة يزعم أنه قادر على سحق إسرائيل وأمريكا ومعسكر الغرب بضربة سحرية، وكأن خط المقاومة لم يتعرض جميعُ أعضائه لحروب مدمّـرة ومجازر مروعة غاية ما حقّقه فيها هو الصمود، ولا يجمع أعضائه سوى رفضهم الخضوع للمشروع الصهيوأمريكي!
ثم ما هو البديل لنا كمسلمين غير الصمود والتعاون قدر الإمْكَان على عدم الذل للمعتدين يا أبواق الاستسلام؟ هذه فلسطين قد استسلمت قبل عقود طويلة فهل شبع الإسرائيليون من ذبحها جيلاً بعد جيل؟
ورغم أن حزب الله منذ بداية “طُوفان الأقصى” يقوم باستهداف عسكري مباشر لإسرائيل على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلّة بوتيرة أعلى من وتيرة عملياته أثناء تحرير جنوب لبنان قبل سنة 2000 بمواجهات موثقة أَدَّت لاستشهاد أكثر من 50 مجاهداً من عناصره، وأدت أَيْـضاً إلى إصابة 120 جندياً إسرائيلياً إصابات مباشرة ما بين قتيل وجريح وإلى إخلاء 28 مستوطنة وتهجير 65 ألف مستوطن، إلَّا أن البعض ما زال يطالبه بإعلان الحرب على إسرائيل نصرة لغزة؟! فإذا لم يكن ما فعله حزب الله منذ 8 أُكتوبر إعلاناً للحرب فما هو إعلان الحرب؟
حزب الله هو حركة مقاومة تعتمد على عنصر المفاجأة وحرب العصابات والضربات الخاطفة والاستنزاف طويل الأمد، ورغم أنه فوجئ بعملية “طُوفان الأقصى” التي تم الترتيب لها مدة طويلة، استطاع حزب الله أن يُرتب نفسه سريعاً وأعلن التحَرّك العسكري الشجاع ضد الكيان خلال يوم واحد، لكن في إطار قواعد اشتباك تُبقي الصراعَ عسكريًّا وتتجنب استهداف المدنيين إلا من باب الرد؛ كي لا تسمح للعدو أن يُمارس هوايته الحقيرة باستهداف المدنيين في لبنان على نطاق واسع كما يفعل في غزة.. وفي نفس الوقت هذه الضربات اللبنانية تؤدي وظيفة عسكرية أُخرى، فهي تُخفف الضغط عن غزة وتشغل قطاعاً واسعاً من الجيش الصهيوني مستنفراً صوب الشمال.
إيران في الجهة الأُخرى لم تدخل حرباً مباشرة مع إسرائيل حين تعرض حزب الله في 2006 لتدمير هائل وغزو بري بغرض الاجتثاث، كما لم تدخل إيران حرباً مع أمريكا حين تعرض قاسم سليماني للاغتيال، وهي تعلم أن هناك محاولات حثيثة لاستدراجها لحرب مدمّـرة واستهداف بنك أهداف عسكري وتكنولوجي واقتصادي يُشكل عصب خط الممانعة وعمقه الاستراتيجي، الذي يتمنى جميع الصهاينة تدميره اليوم قبل غد.. وانكسار إيران سيُخل بالتوازن وسيُسقط الأُمَّــة في درك هوان سحيق لا يرضى به مؤمن غيور.
لا نحتاج لتذكير أحد أن خيار الممانعة صعب ومكلف، وأن بيع القضية الفلسطينية والاستسلام للإرادَة الصهيوأمريكية في المقابل رائج جِـدًّا هذه الأيّام ومريح (لغير الفلسطينيين والدول العربية المحيطة بفلسطين).. انظر فقط لازدهار تركيا في ظل الناتو وانظر لقنبلة باكستان النووية التي لا تخشاها إسرائيل ولا أمريكا ولا الأعراب، وانظر لرفاهية الخليجيين الذين يُسمح لهم أن يبيعوا نفطهم وغازهم بكل حرية ويراكموا الثروات ويقيموا الفعاليات الدولية والاحتفالات الصاخبة بلا عزلة، وستعرف أن من اختار خط الممانعة إنما اختار طريق التضحية والتعرض للمكايدات والمؤامرات من القريب قبل البعيد، تماماً كما تتعرض حماس اليوم وهي الثابتة على طريق الجهاد والصمود والتضحية.
“حماس حركة شيعية”.. قالها أحد الدعاة لتبرير خذلان غزة والاستخفاف بدم الفلسطينيين، وهي تعبر عن كلمة السر الصهيونية لإدارة الصراع في هذه المرحلة، والتي نجحت بها أن تخلق شرخاً طائفياً بديلاً عن عداوة إسرائيل عبر قنوات الأعراب الفتنوية وعبر بعض الوجوه الإعلامية والسياسية والمثقفة والمغفلة.
معلوم أن تعميق الشرخ الطائفي والانخراط فيه هو خيانة لهذه الأُمَّــة ونُصرة لعدوها وعصيان لأمر الله بالاعتصام بحبله، لا سيَّما أثناء هذا التكالب الأجنبي علينا، وقد يجلب هذا العصيانُ لمن ينخرط فيه (وهو صادق في محاربة الصهيونية) خذلاناً من الله هو أحوج ما يكون لتجنبه في ظل الموازين المادية المختلة مع العدوّ الصهيوأمريكي.
وبهذه المناسبة أوجه التحية لشيخ الإباضية مفتي الديار العمانية العلامة الجليل أحمد بن حمد الخليلي، على موقفه العظيم المتعالي على المذهبية الواعي في خضم الفتن المتلاطمة لقرن الشيطان، وقد تعودنا منه هذه المواقف التاريخية حفظه الله ورعاه.