اليمنُ والتوازُنُ الإقليمي “رُؤيةٌ تحليلية”
عبدالرحمن مراد
الصراعُ على الجُزُرِ في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي يُدارُ من خَلفِ الكواليس، وَتُسفَكُ الدماء اليمنية بسَببِه، وتتعطَّلُ فيه الدولة اليمنية، وتفسد فيه مصالح الدولة اليمنية، ويقوم المال العربي المسلم بتمويل الحرب والعدوان على اليمن حتى تحقّق أمريكا والدول الصناعية وإسرائيل مصالحهم في غياب كلي من مصالح العرب والمسلمين، بل غياب كلي للمصالح السعوديّة والإماراتية وهما من يقومان بتمويل الحروب والصراعات في المنطقة كلها.
فأمريكا والصين قد يتفقان على حالة توازن اقتصادي وسياسي ولن تحضر الإمارات في أجندات التفاوض القادم، فدبي ثمة بديل عنها، والطاقة لم تعد بذات أهميّة بعد استخراج النفط الصخري وتوجّـه الدول إلى الصناعة النظيفة والصديقة للبيئة، والسعوديّة لا تمثل بالنسبة للغرب إلا حالة ثقافية ضاغطة على العرب والمسلمين وهي تفقد تأثيرها يوماً بعد آخر؛ بسَببِ حركة الانقسامات الطائفية والثقافية والعرقية وهي من يديرها اليوم للأسف الشديد، لكنها سوف تكتشف في المستقبل القريب أنها كانت تحفر قبرها بيدها من حَيثُ لا تعلم.
العدوّ يأكل في أطرافنا وفي جزرنا وفي مقدراتنا ونحن عنه في شغل فكهون، نبالغ في عداواتنا لبعضنا وفي التربص لبعضنا، وفي الكيد لبعضنا دون أن ندرك أن ذلك الاشتغال يديره العدوّ فينا حتى يبلغ منا غاياته وأهدافه، ثم يتركنا في صحاري الجوع والفاقة والحاجة كعبيد بعد أن كنا سادة في الكون والشواهد في الحالة اليمنية من الكثرة بالمقام الذي يغني عن الإشارة إليها، إذ يمكن النظر إلى التعامل مع إجراء الجنوب ومن يسمون أنفسهم بالشرعية ولنا أن نطوف في الشبكة العنكبوتية لنكتشف صحوة الضمير عند البعض من أُولئك ماذا قالت؟ وماذا تقول وسائل الإعلام المحايدة؟
اليمن تخوض حربها اليوم ضد المستعمر الذي يتخفى بالعقال العربي، وضد الصهيونية التي تحلم بدولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وضد أطماع الدول الصناعية الكبرى وهي حرب فرضت علينا وقد تداعت الأمم إليها كما يتداعى الأكلة على قصعتهم، ولا سبيل لنا إلا خوضها فهي حرب وجود وعزة وكرامة وشرف، فالعالم الذي ينتصر لقضايا الإنسان في عموم الكرة الأرضية يعجز كُـلّ العجز عن الانتصار لها في اليمن، وها هو يقايض بالملف الإنساني في مقابل الملف العسكري والسياسي في معركته معنا للوصول إلى أهدافه ولن يتحقّق له ذلك ليقظة القيادة السياسية فقد كان موقفها واضحًا وثابتاً.
ففكرة بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون لم تكن جديدة بل هي فكرة قديمة بدأت مع السيطرة على الجنوب، وقد عمل التحالف على توسيع دائرة الفوضى في الجنوب وفي عدن، كما كان يشكل عامل طرد لكل عومل الاستقرار في عدن، ولم يسمح لهادي ولا لحكومته بالاستقرار في عدن وقد شكل تهديداً لهم فلاذوا بالفرار، تاركين ورائهم أرضاً محتلّة يدعون في وسائل إعلامهم أنهم قاموا بتحريرها، كما أن جزيرة سقطرى المحتلّة من قبل الإمارات ظاهراً وباطناً من قبل إسرائيل تتهيأ لأهداف جديدة، فالأفواج السياحية الإسرائيلية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام وقالت إنها زارت سُقطرى بتأشيرة إماراتية لم تكن إلا فريقاً من الخبراء اليهود ومن الموساد جاءوا ليدرسوا الجزيرة وظروفها الطبيعية والبيئية وبعدها الاستراتيجي ومدى الاستفادة من موقعها في تحقيق الكثير من المصالح، وفي التأثير في مسار النظام العالمي الجديد وفي نسقه العام الذي بدأ يتشكل في غياب كلي من العرب ومن المسلمين ومن مصالحهم، التي لم تعد ذات أهميّة بالنسبة للنظام العالمي الجديد بعد أن فقدوا وفق التقديرات الحديثة أهم مقومات وجودهم.
وقد بدأت الدول الصناعية تتوجّـه إلى دول إفريقيا وخَاصَّةً الكنغو، حَيثُ تتواجد هناك مواد الخام اللازمة للطاقة البديلة التي تتصالح مع البيئة والمناخ، ولذلك لم يعد يعنيهم حالة التوازن التي كانوا عليها، كما أن الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد فضح السياسة الأمريكية برمتها ورفع الغطاء عن أُسلُـوب إدارتها للعالم، وما يحدث في المنطقة ليس أكثر من حركة تبدل وتغير يحاول النظام الدولي السيطرة على مقاليده حتى يضمن له موقعاً مهماً في المستقبل بعد أن بدأ التنين الصيني يعلن عن نفسه كقوة اقتصادية منافسة وقاهرة وذات رؤية يسعى مثابراً لتنفيذها، ولديه مشروع طريق الحرير الذي يشكل قلقاً لأمريكا والدول الصناعية وَأَيْـضاً لإسرائيل.
اليوم الصين تعمل بصمت وهي تتواجد في ميناء غوادر المطل على بحر العرب الذي استأجرته من باكستان وقد سبب ذلك قلقاً لأمريكا والدول الصناعية وَأَيْـضاً لإسرائيل ولم يكن لهم من سبيل سوى توجيه حراس النفط بإغراق اليمن في الحروب والصراعات حتى يتمكّنوا من ترتيب الوضع في جزيرة سقطرى والجزر اليمنية الأُخرى في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
ولعل المعادل الموضوعي في المشاركة العسكرية في “طُوفان الأقصى” قد تعمل على فرض وجود وتحدٍّ من الطموح الزائد ومن الوهم الذي وقعت فيه أمريكا وإسرائيل، فقد توهمتا أن اليمن لم يعد قادراً على الصناعة لكنهما يقفان اليوم موقف الذهول والدهشة من قدرة اليمن على الوصول إلى إيلات وبعض الأهداف الإسرائيلية بالصواريخ والمسيّرات.
اليمن اليوم يفرض معادلة جديدة ويحقّق رقماً في المعادلة، ومثل ذلك يفرض واقعاً جديدًا وشروطاً جديدة لا بُـدَّ من الوعي بها في التعامل مع المستقبل.