سقوطٌ عربيٌّ جديدٌ من “الرياض”
القمة العربية الإسلامية” تفتح فصلاً جديدًا من الخذلان للقضية الفلسطينية وإيران تعلن تحفظها على البنود المخزية:
الإعلامُ الصهيوني: “إسرائيل” ضمنت الكثير في مخرجات القمة والسعوديّون سيطروا عليها حفاظاً على بيئة التطبيع
المسيرة| نوح جلَّاس:
“لم تخرُجِ القمةُ في السعوديّة بأية إجراءات عقابية ضد إسرائيل؛ ولذلك احتضنت السعوديّة هذه القمة؛ للحفاظ على بيانها الختامي والسيطرة عليه من أية قرارات معادية، وكُلُّ ذلك؛ مِن أجل الحفاظ على وتيرة التطبيع بيننا وبين السعوديّة”، هذا ما قاله الإعلام الصهيوني، أمس الأحد، على لسان مسؤوليه وساسته تعليقاً على الخِذلان العربي الذي أكمل بنيانه ببيان ما عُرف بـ “القمة العربية الإسلامية” التي استضافتها الرياض خلال اليومين الماضيين.
وَخلا البيانُ من أية إجراءات عملية تخفف من معاناة الشعب الفلسطيني ومظلوميته التاريخية، كما تضمن جملةً من البنود التي يراها الكثير تصب في صالح الشعب الفلسطيني، إلا أنها في حقيقة الأمر بعيدة المنال في الوقت الراهن، حَيثُ قفزت البنود على الكثير من الإجراءات التي في المتناول والتي تحقّق للشعب الفلسطيني انفراجة عاجلة دون الحاجة للمجتمع الدولي.
مخرجاتٌ تتسمُ بالجمود والاستسلام!
ومن بين البنود التي تضمنها بيان القمة، العملُ على إدخَال المساعدات للشعب الفلسطيني والاستجداء بالمجتمع الدولي في ذلك، في حين أن هذا الأمر يتعلق بموقف مصري مسؤول دون الحاجة لتدخل المجتمع الدولي، غير أن المجتمعين جيَّروا هذا الجانب وجعلوه مرتبطاً بالمجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية والكيانات الحقوقية الدولية؛ وهو ما يلبي رغبة العدوّ الصهيوني في إطالة أمد الحصار على أبناء غزة وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة كالوقود والدواء والغذاء.
كما أن بيان القمة لم يدع الكيان الصهيوني الغاصب إلى وقف العدوان على غزة فورًا، وإنما اكتفى بمناشدة الدول المصدرة للأسلحة بمنع بيع السلاح للكيان الصهيوني، متناسياً أن الكيان الصهيوني قد استقدم منذ السابع من أُكتوبر كميات كبيرة من الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليًّا والتي يتم استخدامها في قتل الفلسطينيين بشكل يومي؛ ليكون هذا البند بمثابة تصريح للكيان الصهيوني بمواصلة جرائمه الوحشية اليومية عبر السلاح الذي بحوزته، حتى إشعار آخر قد يكون للمجتمعين موقفٌ يعارض استقدام واستيراد الكيان الصهيوني للأسلحة، وهذا الأمر مستبعد في ظل الخذلان العربي المتصاعد.
وعلى الصعيد الآخر، أبدى البيان حالة من الخضوع والجمود العربي إزاء الغطرسة الصهيونية، حَيثُ أشار إلى مشروعية احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وذلك عبر دعوته إلى ما يسمى مشروع “حل الدولتين” وانحسار الدولة الفلسطينية على حدود 1967م، وهذه خطوة مخزية يعبر المجتمعون عليها عن مدى خضوعهم واستسلامهم للواقع الذي تريد أمريكا فرضه على حساب القضية الفلسطينية العادلة، كما أن هذه الدعوة المخزية تؤكّـد على لسان الزعماء المجتمعين حولها أن الكيان الصهيوني بات معترفاً به كدولة، وهذا ما يمثل طعنة جديدة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني المظلوم.
كما عبَّر البيان عن الرغبة الصهيونية في إقصاء وتهميش المقاومة الفلسطينية التي تواجه الصلف الصهيوني، وذلك عبر البند الذي دعا إلى اعتبار ما يسمى بـ”منظمة التحرير الفلسطيني” هي الممثل لفلسطين، على الرغم من أن المرحلة قد تجاوزت هذه المنظمة لسنوات بعد أن وقعت في فَخِّ السلام الملغَّم مع الكيان الصهيوني، والذي أفرز سنوات من القهر والإذلال والمصادرة للأرض والحقوق بحق الفلسطينيين، وحتى بحق منظمة التحرير الفلسطيني وقياداتها التي تم القضاء عليها بعد تركها السلاح وتفضيلها السلام مع كيان غاصب يعتبر السلام استسلاماً وخضوعاً وذلاً، وقد تعمدت القمة إغفال موضوع المقاومة؛ ليتضح للجميع أنها عقدت؛ مِن أجل تعزيز الفرص الصهيونية في الاستفراد بفلسطين والفلسطينيين.
القفز على الحلول القريبة.. كلمة رئيسي تحيي القمة الميتة:
وكما جرت العادة تضمن البيان جملةً من الإدانات والشجب الصوتي لجرائم الاحتلال الصهيوني دون أن يتم الإعلان عن أي تحَرّك عملي لوقف الجرائم.
وبعيدًا عن كُـلّ ذلك، فقد عمدت الدول العربية والإسلامية على إغفال الخطوات الحقيقية التي من شأنها أن تضغط على الكيان الصهيوني، من بينها قطع كُـلّ أشكال العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وغيره، فضلاً عن أن بيد المجتمعين خيارات –تم إغفالها بتعمد– من شأنها أن تخضع الكيان الصهيوني للصوت العربي والإسلامي، حيثُ إن التلويح باستخدام القوة مثل قطع الإمدَادات النفطية والغازية كفيل بإركاع الكيان الصهيوني، إلا أنه تم القفز على هذا الجانب، وذلك على غرار الكثير من الجوانب والحلول التي في متناول الدول العربية والإسلامية، وبهذا يتأكّـد للجميع أن احتضان السعوديّة لهذه القمة رغم حساسية المقام يأتي في سياق تمييع القضية الفلسطينية وإدخَال الشعب الفلسطيني في مرحلة جديدة من القهر والألم.
وفي خضم القمة توالت الكلمات الميتة، وكانت كلمة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، هي الكلمة الحية، حَيثُ دعا إلى تسليح المقاومة لخلق السلام في فلسطين، ودعا لإقامة الدولة الفلسطينية على كامل أراضيها من النهر إلى البحر؛ وهو ما لم يتجرأ أن يقوله أي زعيم، فضلاً عن أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت، أمس، تحفظها على بعض ما جاء في القمة ومنها مسمى فلسطين على حدود 1967م وكذلك ما جاء بشأن تهميش المقاومة وجعل الشعب الفلسطيني ممثلاً عبر “منظمة التحرير الفلسطيني”، لتؤكّـد إيران أن مشروع المقاومة هو الأبقى وَالأضمن، وأن حضورها للقمة يأتي في سياق البحث بكل السبل عن حَـلٍّ لوقف العدوان والإجرام الصهيوني بحق أهالي غزة خُصُوصاً وبحق الشعب الفلسطيني عُمُـومًا.
الإعلام الصهيوني يفضح ما أخفته حيثياتُ القمة ومخرجاتها!:
وفي السياق، عبّر الكيان الصهيوني عن مدى سعادته الغامرة حيال مخرجات القمة العربية الإسلامية، مؤكّـداً أن ما جاء فيها يأتي في سياق الحفاظ على حظوظ الكيان الغاصب في إلحاق المزيد من الأضرار بحق الفلسطينيين.
وتناولت القنواتُ العبرية مقابلاتٍ مع بعض السياسيين والمستشارين الصهاينة للتعليق على القمة، وقد تحدث معظمهم عما جاء فيها بقولهم: إنها لم تأتِ بجديد وإنها لم تتضمن أية إجراءات عملية عقابية ضد “إسرائيل”، في إشارةٍ إلى أن مخرجات القمة كانت في صالح الكيان نسبياً.
كما تحدث السياسيون الصهاينة عن توقيت ومكان القمة، مؤكّـدين أنه تم اختيار السعوديّة لاحتضان القمة في هذا الوقت الحساس؛ كي تقوم الرياض بدورها في الحد من أية مخرجات من شأنها مباشرة الإجراءات العملية الرادعة للكيان الصهيوني.
وحدَّ وصفِ القناة الحادية عشرة العبرية، على لسان أحد محلليها، فَــإنَّ مسؤولين سعوديّين أكّـدوا للكيان الصهيوني أنهم سيقومون باستضافة القمة وتفريغها من أية مخرجات عملية عقابية بحق الكيان الصهيوني كقطع العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها.
كما أشَارَت القناةُ إلى أن المسؤولين السعوديّين أكّـدوا أن الرياضَ ستعملُ كُـلَّ ما بوسعها للحفاظ على المسار المعمول به منذ فترة، والذي يرمي إلى إعلان تطبيع العلاقات بين النظام السعوديّ والكيان الصهيوني، وأن السيطرة على القمة ومخرجاتها والحيلولة دون إعلان إجراءات عدائية ضد “إسرائيل” يأتي في سياق الحفاظ على الجهود الرامية لإخراج “التطبيع” إلى العلن، وهنا يتأكّـدُ للجميعِ أن النظامَ السعوديَّ لم ولن يكن يوماً حامياً لقضايا الأُمَّــة وفي مقدمتها فلسطين، وأنه بهذه القمة وبانعكاساتها السياسية والإعلامية والعملية في ظل المستجدات والأحداث، قد وجه طعنة جديدة لفلسطين أرضاً وشعباً ومقدسات.