سقوطُ الجامعة العربية
الكثيرُ من أبناء أمتنا وصل بهم الحالُ إلى موت ضمائرهم، وأن ضمائرهم في سبات وبحاجة إلى ما يوقظها ويحييها، والمشاهد في غزة كفيلة بأن توقظ الجميع من سبات الضمائر.
د. فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
نشأت الجامعةُ العربيةُ في عام 1945م، وكان إنشاءُ الجامعة مشروعاً مدعوماً من بريطانيا التي كانت تحتلُّ وتهيمنُ على الكثير من الدول العربية، وكان هدفها من ذلك هو وضع القرار العربي في مؤسّسة واحدة يسهُلُ التحكُّمُ بها، وبالفعل أصبحت الجامعةُ العربية هي المكان الذي يصدُرُ عنه القرارُ العربي في القضايا التي تهم العربَن وخَاصَّة في قضية فلسطين.
وَإذَا تتبعنا أهم القرارات الصادرة عن الجامعة العربية والمتعلقة بهذه القضية فسوف نجد أنها لم تتخذ أي قرار حاسم وعملي في مواجهة الكيان الصهيوني، باستثناء قرار مقاطعة مصر؛ بسَببِ التطبيع مع هذا الكيان.
وأما معظم القرارات الأُخرى فكانت عبارة عن تنازلات تقدمها الدول العربية للكيان الصهيوني بالمجان، وخَاصَّة قرار اعتماد المبادرة العربية التي قدمتها السعوديّة إلى الجامعة، وتمت الموافقةُ عليها من القمة العربية في بيروت عام 2002م، وقد اعترفت ضمنيًّا بالكيان الغاصبِ، من خلال الدعوة لقيام دولة فلسطينية في الأراضي التي تم احتلالها في 1967م، وفتحت هذه المبادرة الباب للدول العربية للتواصل مع الكيان الصهيوني تحت مبرّر صنع السلام، وتسببت هذه المبادرة بترك الفلسطينيين لوحدهم في مواجهة الصلف الصهيوني والضغط الأمريكي، ولم يصل الفلسطينيون إلى الدولة التي كانوا يحلمون بها في جزء من أرضهم، ومع مرور الزمن كانت اجتماعات الجامعة العربية تؤكّـد على التزامها بالسلام برغم عدم التزام الصهاينة به.
وفي خضم معركة “طُـوفان الأقصى” سقطت آخر ورقة توت كانت تغطّي عورة الجامعة العربية وانكشف دورُها في حماية الكيان الصهيوني من غضب الشعوب العربية، ففي اجتماعِ القمة العربية والإسلامية الأخير تقدمت بعضُ الدول المشاركة بمقترحات عملية لدعم وحماية الشعب الفلسطيني في غزة، ولكنها لم تمرر؛ بسَببِ اعتراض بعضِ الدول العربية المطبِّعة على تلك المقترحات، وصدر عن القمة بيانٌ هزيلٌ حَظي بترحيب نتنياهو، وقد أحرج هذا البيان الكثير من الدول الإسلامية المشاركة والتي كانت تتوقعُ قراراتٍ عملية، وقد أثبتت هذه القمة أن الجامعةَ العربيةَ لم يعد لها جدوى وأنها لم تعد تعمل لصالح العرب وأنها أصبحت شوكةً في خاصرة العرب تعمل لصالح الكيان الصهيوني، خَاصَّةً بعد التطبيع العربي الجاري حَـاليًّا.
وأصبح من الضروري إيجادُ بديل للجامعة العربية يستمدُّ قوتَه من الشعوب الحية التي تحَرّكت في مواجهة الكيان الصهيوني، وتمكّنت من التأثير على قرارات الدول العربية وغير العربية.