السيسي.. من إسرائيل الدعم السياسي ومن السعودية المالي
زعم المحللُ السياسيُّ الإسرائيلي “بن كسبيت” أن المساعدات السعودية والدعم الإسرائيلي يشكلان بالنسبة لمصر أمراً حيوياً لاستمرار سيطرة نظام الرئيس عَبدالفتاح السيسي على الحكم.
ونقل في مقال على موقع “المونيتور” في نسخته العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله :”تعزيز السيسي وبقاؤه أمر مهم، هو مفتاح الاستقرار بالمنطقة”.
واعتبر أن نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسعودية يكشف النذر القليل من الحوار المتطور بين إسرائيل وجيرانها السُّنة، مشيرا إلى أن التفاهمات المتبلورة بين تل أبيب والرياض والقاهرة تعكس تطابق المصالح وتشكل حجر أساس إستراتيجي للأمن القومي الإسرائيلي، لكنها لا تحول دون المصالحة بين إسرائيل وتركيا.
إلى نص المقال..
هبط الإعلان المصري (9 أبريل) بشأن نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر للسيادة السعودية على الشرق الأوسط بمفاجأة كاملة . الوحيدة التي لم تفاجأ كانت إسرائيل. اعترف مسئول كبير بالقدس الثلاثاء (12 أبريل) في حديث مع المونيتور أن إسرائيل كانت تجري اتصالات سرية، ووافقت على الخطوة دون أن تطالب بـ”فتح” معاهدة السلام مع مصر، رغم أنه وفقا للمعاهدة أي تغيير إقليمي أو نقل سيادة مصرية لجهة ثانية يعد انتهاكا.ً
استمرت الاتصالات بين السعودية ومصر بشأن نقل تلك الجزر لسنوات، وأبدت إسرائيل في الماضي معارضة شديدة لذلك. تعكس حقيقة موافقة إسرائيل الآن على تلك الخطوة عمق تطابق المصالح بين أضلاع المثلث الثلاثة: القاهرة، والرياض والقدس، حتى إن كان المصريون والسعوديون يفضلون استخدام اسم “تل أبيب”.
يدور الحديث عن دراما جيوستراتيجية وسياسية حقيقية. قال رئيس الشاباك السابق عضو الكنيست آفي ديختر الثلاثاء في حديث لإذاعة “صوت إسرائيل”، إن الحديث يدور عن واحدة من أهم الخطوات الهامة والدراماتيكية التي تحدث بين دولتين عربيتين بالشرق الأوسط.
وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه (بوجي) يعالون، لدى تناول نَخْب بمناسبة اقتراب عيد الفصح مع المراسلين العسكريين، أكد أن إسرائيل وافقت بالفعل على الخطوة، بل حتى حصلت على وثيقة مكتوبة، موقعة من جميع الأطراف، تضمن حرية الملاحة بمضيق تيران، الذي يضم جزيرتين استراتيجيتين، تؤديان للمدينة الساحلية الإسرائيلية الهامة، إيلات. علاوة على ذلك أشار يعالون إلى أن الأمريكان كانوا طرفا في الاتصالات ووقعوا أيضا على الوثيقة. وقال إن إسرائيل حصلت على كل الضمانات المطلوبة.
قال مصدر أمني لـ”المونيتور”، إن يعالون يؤكد في محادثات مغلقة على أن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر في ذروة كل العصور. فهناك مصالح مشتركة لمنظومتي الأمن بكلتا الدولتين. فعلى سبيل المثال يساعد المصريون إسرائيل في احتواء وعرقلة حماس في غزة.
تكشف الخطوة الأخيرة الخاصة بنقل الجزيرتين من مصر للسعودية، النذر القليل من الحوار المتطور بين إسرائيل وجيرانها السنة.
يضيف مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى هذه التفاصيل: منظومة علاقاتنا بالمنطقة عميقة ومهمة. لم تنس الدول العربية المعتدلة الحقبة العثمانية وينظرون بتخوف لتزايد قوة إمبراطوريتين سابقتين غير عربيتين:إيران وتركيا. من هذا المنظور يدرك الكثيرون في المنطقة أن إسرائيل ليست المشكلة، بل الحل. ظل معظم حوارنا مع دول سنية كبيرة ومهمة وراء الكواليس، لكنه يصبح أكثر عمقا بمرور الوقت ويؤتي بثماره.
أثارت خطوة الرئيس المصري عَبدالفتاح السيسي انتقادت شعبية لاذعة ضده في مصر. يقول معارضو الرئيس إنه لا يملك أية صلاحيات للتنازل عن أرض مصرية مثلما ينص الدستور، لكن السيسي صد هذه الانتقادات بحق: تعود هذه الجزر في الأساس للسعودية، التي نقلتها إلى مصر في 1950 في إطار المساعي لخنق إسرائيل من الجنوب في محاولة لمنع الجيش الإسرائيلي من السيطرة عليها.
شنت إسرائيل حربين (عملية كودش في 1956 وحرب الأيام السنة في 1967) للدفاع عن حقها في الملاحة بالبحر الأحمر، وسيطرت على تلك الجزر مرتين، لكنها أعادتهما مرتين للمصريين.
الآن أُغلقت الدائرة، وأعاد المصريون الجزر لصاحبها الأصلي، السعودية. هذه هي اللفتة التي ينفذها السيسي لصالح الملك السعودي، بعد أن تعهد السعوديون باستمرار نظام السيسي اقتصاديا للخمس سنوات المقبلة بواسطة استثمارات ضخمة وعدم اقتصادي ينقذ اقتصاد مصر من الانهيار.
هناك جانب آخر لنقل الجزر من مصر للسعودية: طُرحت في الماضي عدة اقتراحات لتبادل أراض إقليمية بهدف حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. الإطار المبدئي بسيط: توسع مصر قطاع غزة جنوبا وتتيح للفلسطينيين الذين يعيشون فيه مساحة تنمية ومتنفسا. مقابل هذه المنطقة، تحصل من إسرائيل على قطاع ضيق على طول خط الحدود بين الدولتين، الفاصل بين النقب وسيناء. في المقابل، ينقل الفلسطينيون لإسرائيل الكتل الاستيطانية. يمكن أن تنضم الأردن أيضا لهذه الخطوة، بأن تساهم هي الأخرى بأراض وتحصل على البديل.
حتى الآن، رفض المصريون الخطوة قطعيا في عصر مبارك. الآن، عندما يتضح أنه في ظروف الشرق الأوسط الجديدة أصبح نقل الأراضي ممكنا، يطرح مجددا هذا الخيار، الذي أطلق في الماضي العنان لخيال الكثرين بالمنطقة. تبنى اللواء جيورا إييلاند عندما كان رئيسا لهيئة الأمن القومي مبادرة إقليمية بهذا الصدد، لكن الاعتراض المصري أوقفها.
الآن، ليست الأمور كلها وردية، ليست هناك معادلات سهلة بالشرق الأوسط وكذلك أيضا في الحالة التي أمامنا. في إسرائيل هناك من يتخوفون من النفوذ السعودي المتزايد في مصر، الذي ينعكس أيضا عبر إقامة مدارس إسلامية بإلهام سعودي وتطرف سني بأسلوب سعودي. هؤلاء المتشائمون يشكلون أقلية.
يقول مصدر سياسي في القدس لـ”المونيتور” :”تعزيز السيسي وبقاؤه أمر مهم، هو مفتاح الاستقرار بالمنطقة”.
في ضوء التراجع الأمريكي من المنطقة، وتعامل واشنطن البارد تجاه المصريين في السنوات الأخيرة، تعتبر المساعدات السعودية والدعم الإسرائيلي بالنسبة لمصر أمرا حيويا لاستمرار سيطرة السيسي على الحكم. ولتعقيد الوضع أكثر يمكن إضافة مساعي المصالحة بين إسرائيل وتركيا المستمرة منذ شهور طويلة عبر مفاوضات ماراثونية بين الجانبين.
يقول مصدر إسرائيلي رفيع المستوى لـ”المونيتور” إن المصريين لا يريدون الأتراك بقطاع غزة ويعارضون بشدة المصالحة بين القدس وأنقرة.
هذا هو السبب، وفقا للمصدر، وراء عدم الانتهاء من اتفاق المصالحة حتى الآن بين الجانبين. في هذه الحالة، يمكن أن يسلم الأتراك والإسرائيليون بحقيقة عدم إمكانية التوصل لتفاهمات كاملة، ويكتفون بمصالحة جزئية: تبادل السفراء، وتحسن محدود في العلاقات، ليس أكثر.
إسرائيل ممزقة في ورطة ليست بالهينة بين رغبتها في تحسين العلاقات مع أنقرة، ما يمكن أن يقود أيضا إلى توقيع اتفاق لتوريد الغاز الطبيعي الإسرائيلي لتركيا، وبين التفاهمات الإسرائيلية- السنية المتبلورة التي تتحول إلى حجر أساس استراتيجي للأمن القومي الإسرائيلي.