خطابُ العزة في زمن الهوان
منير الشامي
لقد كان خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله ويرعاه- في تدشين الذكرى السنوية للشهيد الأسبوع الماضي، أقوى وأصدق خطاب قائد عربي، ليس في الوقت الحاضر بل ربما منذ قرون خلت، هو خطاب جسد فيه استجابة المؤمن القوي لتوجيه الله تبارك وتعالى في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَـمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْـمُتَّقِينَ) صدق الله العظيم، بموقف قائد شجاع وشعب أبي فقاتل الكفار وأظهر لهم الغلظة في أبهى مشهد وأصدق موقف؛ لذا فلا مبالغة إن قلنا إنه الخطاب الذي أرعب أمريكا وَالغرب والكيان الصهيوني المجرم، ليس من قوة السلاح بل من صلابة الإرادَة وصدق الموقف وآثاره الخطيرة عليهم، التي سيولدها في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، ودوافع التحَرّك التي سيخلقها في أعماق قلوبهم وتنعكس بتحَرّكاتهم ضد القوى المستكبرة أينما كانوا، خطاب جمع قوة الإيمَـان، ومنطق القرآن، وشجاعة من لا يخشى سوى الرحمن، فكان عند مستوى المسؤولية وبحجمها تجاه قضايا الأُمَّــة المصيرية وأولها قضيتها الأولى قضية فلسطين، عبر فيه عن آمال الشعوب العربية المغلوبة على أمرها وعن تطلعاتها وجسد مواقفها المرجوة وإرادتها وانسجم مع تعاليم دينها وهُــوِيَّتها وقيمها ومبادئها.
خطاب لم تتوقع قوى الاستكبار والإجرام أن تسمعه يوماً من قائد عربي، وموقف لم يخطر على بال تلك القوى أن تراه من أي قائد عربي على الإطلاق حتى بعد قرون، وكيف تتوقع ذلك وهي منذ عقود لا تسمع من زعماء الأنظمة العربية إلا السمع والطاعة، ولا ترى منهم إلا الركوع والخضوع، والإسراع للتقرب إليهم والتودد لهم على حساب دينهم وشعوبهم، لكنه حدث فكان صدمتها الكبرى وفاجعتها العظمى ومصدر رعبها وكابوس يؤرق مضاجعها ويهدّد بزوال مصالحها التوسعية، وأطماعها الأزلية في كُـلّ أرض عربية، ليس لشيء إنما؛ لأَنَّهم يدركون واقعيته، فهو خطاب قائد شجاع لا يعرف المزايدة ولا يعرف المزاح ولا يدفعه سوى إرضاء ربه، لذا فلا يخيفه وعيد ولا يثنيه تهديد ولا يستميله إغراء ولا يثير نفسيته ترغيب، خطاب فيه من الحق أكمله ومن العزة ذروتها ومن الصدق جوهره ومن التحدي أعظمه، ومن الوعد أوفاه ومن الوعيد أسرعه، قالها في وجوههم صراحةً نحن لسنا ممن يتلقى توجيهاتكم، فأدركوا ضمنياً أنه ينفذ توجيه ربه وأنه لا يخشى سواه، أكّـد فيه أَيْـضاً على التصعيد الشامل ضد الكيان الصهيوني المجرم، وعن استهداف كُـلّ شيء يخصه في البر والبحر والجو كرد مباشر على استمرار جرائمه ومجازره في غزة بحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني المظلوم، وأكّـد المضي في ذلك وعن استمرار عمليات القوة الصاروخية والطيران المسيَّر في استهداف الكيان الصهيوني المجرم حتى يتوقف عدوانه الغاشم على غزة.
كما دعا الأنظمة العربية التي لها حدود مع فلسطين إلى فتح معبر آمن لدخول اليمنيين إلى فلسطين للجهاد المقدس إلى جانب أبطال المقاومة الفلسطينية ضد الصهاينة البغاة المغتصبين لأرض فلسطين.
والخلاصة أن قائد الثورة في هذا الخطاب قد خاطب أعداء الأُمَّــة بالمنطق الذي أمر الله سبحانه وتعالى أن نخاطبهم به، وفي خضم عمليات حربية قوية ومُستمرّة أظهر فيه غلظةَ المؤمنين عليهم وعزم قتالهم وبسالة مواجهتهم، وفي ذات الوقت فقد وضع فيه زعماء العرب وخُصُوصاً المطبعين في زاوية الفضيحة أمام شعوب الأُمَّــة وعرى به خيانتهم وكشف به سوء مآلهم وسوء عاقبة ارتهانهم وانبطاحهم للأعداء.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) والعاقبة للمتقين.