“طُـوفان الأقصى” إحياءٌ للقضية الفلسطينية وإفشال لخيانة التطبيع

 

علي الحسني

في الوقت الذي كانت الدول العربية واحدة تلو الأُخرى تسعى لاسترضاء أمريكا وإسرائيل من خلال إقامة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياحية العلنية مع كيان العدوّ الإسرائيلي، من خلال الاعتراف به كدولة يهودية على أرض فلسطين المحتلّة، وكذا بعض الأنظمة التي كانت تمهد للتطبيع إعلامياً من خلال ترويض الشعوب لتقبل هذه الخيانة الكبيرة لعدد من الاعتبارات الدينية والسياحية والثقافية والتجارية، وفي لحظةٍ فارقة ومهمة وحساسة بعد أن سعى الأمريكي إلى إشغال شعوب الأُمَّــة من خلال زرع المشاكل والحروب داخل بعض الشعوب وبعضها من خلال مشاريع الانسلاخ الديني والأخلاقي لبعض الشعوب؛ كُـلّ ذلك مِن أجل إشغال الشعوب العربية خَاصَّةً والإسلامية عامة عن قضية فلسطين ونصرة فلسطين؛ مِن أجل أن ينفّذ الأمريكي مخطّطه الغربي الكافر للتمهيد لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين وفرض الاعتراف بها على كُـلّ الشعوب العربية والإسلامية واحدة تلو الأُخرى عن طريقِ أنظمتها العميلة، وفي هذه المرحلة المهمة وفي فجر السابع من أُكتوبر أفاق العالم أجمع على لحظة تأريخية مهمة وكبيرة وفارقة هي معركة “طُـوفان الأقصى”؛ التي نفذها مجاهدو المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم كتائب الشهيد عزالدين القسام.

إن معركة “طُـوفان الأقصى” هي معركة أحيت ضمائر الشعوب العربية والإسلامية وأعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة القضايا المشتركة والمهمة للشعوب العربية والإسلامية، وبددت ما كان يسعى إليه العدوّ من استكمال إجراءات التطبيع مع بعض الأنظمة العربية التي كانت تحضر لذلك وتمهد له، وعلى رأس هذه الأنظمة (النظام الإماراتي والنظام السعوديّ)، وكذا لفتت أنظار الشعوب التي كانت أنظمتها العميلة قد اعترفت بدولة الكيان الإسرائيلي لتعيد النظر في ذلك وتعرف وتقدّر فداحة الخطيئة التي ارتكبتها أنظمتها، كما مثلت معركة “طُـوفان الأقصى” دعوة إلى كُـلّ شعوب الأُمَّــة لتصحيح واقعها ومعرفة عدوها الحقيقي الذي حذر الله عز وجل منه واعتبره العدوّ الأَسَاسي لهذه الأُمَّــة، حَيثُ قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، وهذه هي النظرة القرآنية التي يجب أن تترسخ في كُـلّ فرد من هذه الأُمَّــة؛ لأَنَّ اليهود هم الأخطر على الأُمَّــة وهم العدوّ اللدود للأُمَّـة وهم الأشد إجراماً ووحشيةً ضد أمتنا.

إن معركة “طُـوفان الأقصى” أثمرت الكثير من الثمار التي عمّت الجميع على كُـلّ المستويات، فعلى صعيد الأُمَّــة العربية والإسلامية وَبعد أن قامت الأنظمة العميلة والضعيفة والذليلة بزرع الوهن والضعف والذل في نفوس شعوبها، أعادت إلى الأُمَّــة أمل تحرير أرض فلسطين من الكيان الإسرائيلي الغاصب وأن باستطاعة أبناء الأُمَّــة تحرير فلسطين، لا سِـيَّـما وقد تخلصوا من الأنظمة العميلة لأمريكا وإسرائيل؛ لأَنَّ معركة “طُـوفان الأقصى” أظهرت مدى هشاشة وضعف وهوان جيش العدوّ الإسرائيلي بعد أن كان يطلق عليه الجيش الذي لا يقهر، وكلّ هذه المعركة قامت بها كتائب ذات إمْكَانيات مادية محدودة مقابل إمْكَانيات مادية كبيرة لجيش العدوّ الإسرائيلي مما يوضح للأُمَّـة أن بالإمْكَان هزيمة هذا الكيان لو وجدت القيادة الصادقة التي تهتدي بهدي الله وتنفذ تعليمات الله وتعد العدة لمواجهة الكيان الغاصب.

إن جرائم الإبادة الجماعية الانتقامية التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي الغاصب ضد المدنيين من أبناء غزة شاهد كافٍ لكل الأنظمة التي أعلنت التطبيع والأنظمة التي كانت تمهد للتطبيع مع كيان العدوّ الإسرائيلي -تحت مبرّر السلام وبحجّـة أنها تبحث عن السلام والتعايش-، على أن ترك الجهاد وَالسلاح لا يمكن أن يحقّق السلام، وإنما السلام الحقيقي هو في الجهاد المسلح وهو الخيار الصحيح الذي يمكن أن يحفظ للأُمَّـة كرامتها وعزتها ويرفع الظلم والاضطهاد عن أبنائها، وهو ما أمرنا الله تعالى به في كتابه الكريم قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)، فلا سلام بدون جهاد والرؤية القرآنية هي الرؤية الصحيحة التي يجب أن تسير عليها كُـلّ شعوب الأُمَّــة.

في الأخير لا بُـدَّ لشعوب الأُمَّــة جميعاً أن تجعل من السابع من أُكتوبر نقطة تحوّل ونقطة فارقة في هذه الأُمَّــة لتصويب بوصلتها وتصحيح مسارها؛ مِن أجل معرفة طبيعة واقعها وتشخيص مشكلتها وَمعرفة عدوها الحقيقي والتاريخي؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالعودة إلى القرآن الكريم وإلى قرناء القرآن من آل بيت النبي -صلوات الله عليه وآله- ففيهما المخرج وبهما تستطيع الأُمَّــة تجاوز كُـلّ الصعاب وبهما تستطيع الأُمَّــة رفع الظلم عنها وعن كُـلّ الشعوب المظلومة في العالم وتصبح هي خير أُمَّـة أخرجت للناس كما أراد لها ربها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com