بقَــدْرِ الرُّشْدِ يأتي التمكين
علي الحسني
عندما نتأمل الأحداث المتسارعة منذُ بداية العدوان على الشعب اليمني وكذا منذُ بدء عملية “طُــوفان الأقصى”، من خلال أن الشعب كله لديه وعي كبير فيما يخص القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني.
ففي قضية العدوان على اليمن كان وعي الشعب اليمني جيداً نوعاً ما، لذلك رأينا التحول في المواجهة من مرحلة الدفاع إلى الهجوم أخذت فترة سنوات كبيرة والأمر هنا مرتبط بمدى الوعي، ففي بداية العدوان كان الشعب اليمني لا يزال يجهل حقيقة العدوان والأغلب مغرر به، وكلّ ذلك كان بسَببِ التدجين الخاطئ والثقافات المغلوطة التي كانت قد غزت شعب يمن الإيمَـان والحكمة من علماء الوهَّـابية، ولكن بفضل المجاهدين والدور الكبير للثقافة القرآنية والعمل الكبير في التوعية الثقافية وتكشف حقيقة العدوّ من خلال الواقع ومن خلال حربه وحصاره للشعب اليمني، وبفضل الله عندما وُجِد الرشد في شريحة كبيرة من مجاهدي الشعب اليمني تدخل الله عز وجلّ بتأييده حتى استطاع الشعب اليمني أن يتحول من مرحلة الدفاع إلى الهجوم شيئاً فشيئاً، حتى تطور في صناعاته الحربية واستطاع بتأييد الله عز وجلّ أن يجبر العدوّ إلى الدخول في هدنة طويلة الأمد، وسيأتي في القريب العاجل ليلبي لليمن كُـلّ شروطها وهو صاغرٌ ذليلٌ .
كذلك الأمر بالنسبة لما بعد عملية السابع من أُكتوبر “طُــوفان الأقصى” وأنا قد أشرت سابقًا بأن الشعب اليمني عنده وعي كبير فطري بخصوص القضية الفلسطينية، حَيثُ لا يمكن لأي يمني حر وغيور أن يساوم على فلسطين أَو قضية فلسطين ويرى أن فلسطين تعيش تحت الاحتلال ويجب تحريرها والعمل بكل الوسائل لتحريرها..
ما يجب أن أنوّه إليه هو أنه من بعد السابع من أُكتوبر حصل التفاف كبير وتوحد غالبية الشعب اليمني؛ مِن أجل فلسطين وخرج اليمنيون منذ الساعات الأولى لإعلان عملية “طُــوفان الأقصى”؛ ليباركوا هذه العملية ويعلنوا وقوفهم مع المقاومة الفلسطينية وتأييديهم ومباركتهم لعملية السابع من أُكتوبر، وكذا ليعلنوا استعدادهم للمشاركة في المعركة ويتشوقون فرحاً لقتال اليهود الصهاينة، ومنذ السابع من أُكتوبر تحَرّك اليمن قيادةً وشعباً وحكومةً وأحزاب ومذاهب لتجسيد وقوفهم مع فلسطين، من خلال الخروج الجماهيري في الساحات، وكذا في حملة واسعة لمقاطعة المنتجات الأمريكية والإسرائيلية وكلّ الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وأعلنوّها صراحةً وبكل شجاعة وإقدام أنهم لن يتركوا فلسطين تواجه كيان العدوّ بمفردها ومشاعرهم تحترق كمداً وغضباً ضد الكيان الغاصب فيما يرتكبه من جرائم إبادة جماعية ضد أبناء غزة خَاصَّة وفلسطين عامة.
كُـلّ ما سبق خلق وعياً كَبيراً غير مسبوق في الشعب اليمني وتحَرّك الجميع رغم الاختلافات الداخلية -الحزبية، المذهبية، وغيرها- إلَّا أنهم أصبحوا على قلب رجل واحد تحت قيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- نصرةً لفلسطين، فشاء الله لهم أن يمكِّنَهم في الأرض عندما علم رُشْدَهم ووعيهم الكبير، فانطلقت الصواريخ وَسارت المسيَّرات لقصف مواقع كيان العدوّ الغاصب في الأراضي المحتلّة، مما زاد من تلاحم الشعب اليمني وتوحيد صفه وزيادة رشده ضد العدوّ وأذناب العدوّ، كُـلّ ذلك وهم لا زالوا في بقية المجالات يحقّقون تقدمات وإنجازات في ميدان المواجهة مع كُـلّ ما من شأنه أن يمثل عاملاً لدعم كيان العدوّ بدءاً من المقاطعة الشاملة ونشر الوعي في صفوف الناس بخطورة هذا العدوّ، والشعب يوماً بعد يوم يزداد وعياً ورشداً بضرورة مواجهة هذه الغدة السرطانية وإزالتها من خاصرة الأُمَّــة.
كُـلّ هذا النفير العام في كُـلّ المجالات والخروج الجماهيري لا زال مُستمرًّا، حَيثُ لا يمر يوم دون أن يكون هناك خروج هنا أَو هناك على مستوى كُـلّ المحافظات المحرّرة، فيوماً بعد يوم يزداد الشعب اليمني رشداً وتحملاً للمسؤولية في زمن تخلى كُـلّ العرب عن واجبهم الديني والأخلاقي والإنساني؛ مِن أجل نصرة إخوتهم الفلسطينيين، وما هي إلا أَيَّـام حتى يتدخل الله عز وجلّ ليزيد اليمنيين تمكيناً بقدر وعيهم ورشدهم، وخُصُوصاً بعد خروج قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في خطاب مهم وتأريخي معلناً فيه توسيع دائرة الاستهداف لكيان العدوّ إلى إغلاق مضيق باب المندب ضد السفن الإسرائيلية، وما إن انتهى الخطاب حتى تفاعل كُـلّ الشعب اليمني مباركة لهذه الخطوة التي تلبي وتعبر عن مطالب ورؤية الشعب اليمني، فشاء الله وبعد بضعة أَيَّـام أن يمكن الله رجال الله المجاهدين في القوات البحرية اليمنية، واستطاعوا بفضل الله من الظفر بسفينة إسرائيلية قبالة المياه الإقليمية اليمنية فتم اقتيادها إلى السواحل اليمنية وإعلان ذلك للعالم؛ ليكون ذلك الإنجاز الأول من نوعه منذ عقود من الزمن، وكلّ هذا لم يكن إلَّا بفضل وتمكين من الله عز وجلّ عندما علم رشدنا ووعينا.
في الأخير وكما أوضحت سابقًا يجب أن تترسخ فينا ونوقن بأنه بمقدار رشدنا سيكون تمكيننا.. ومن هذا المنطلق يجب أن نسعى لنشر الوعي القرآني من خلال نشر الثقافة القرآنية في كُـلّ الأوساط على مستوى اليمن؛ مِن أجل أن نظفر ونحظى بمعونة وتمكين الله أكثر وأكثر، حتى نحقّق الغاية التي خلقنا الله عز وجلّ؛ مِن أجلِها وهي خلافة الله في أرضه، وكذلك على المستوى العربي والعالمي يجب أن نسعى ونعمل بكل جد وجهد؛ مِن أجل نشر الوعي القرآني لنصنع رجالاً يجسدون الإسلام المحمدي الأصيل الذي لا يقهر أَو يقبل الهزيمة والذل، خُصُوصاً بعد هذا التمكين الذي لفت أنظار العالم إلى معرفة ما الذي صنع هؤلاء الرجال الذين استطاعوا أن يحقّقوا كُـلّ هذه الإنجازات، وليقفوا هذا المواقف التي جبن فيها كُـلّ زعماء الدول العربية والإسلامية إلَّا من رحم ربي.
وعندما نتحدث عن الوعي لا يتبادر إلى الأذهان أنه وعي لمُجَـرّد المعرفة والكلام المجوف؛ وإنما الوعي الذي يترسخ فينا حتى يتجسد أفعالاً واقعية وملموسة وتحَرّكاً ميدانياً في كُـلّ المجالات المواجهة مع كيان العدوّ الإسرائيلي.