إغلاقُ باب المندب أمام السفن الإسرائيلية.. الدلالاتُ والأبعاد

المسيرة – إبراهيم العنسي

فرضت الجمهوريةُ اليمنيةُ قرارَها السيادي وأغلقت مضيقَ باب المندب أمامَ السفن الإسرائيلية بمختلف أنواعها وتشكيلاتها، في قرار تاريخي استثنائي لم يألفه العدوُّ الصهيوني إلا في لحظاتٍ معدودةٍ إبَّانَ حربِ أُكتوبر سنة 1973م.

وتعد الخطوةُ اليمنيةُ هي الأشجعَ على مدى الصراع العربي الإسرائيلي، حَيثُ جاءت في ظل أجواء من التهويل الإعلامي الأمريكي الغربي، والانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة العربية في الخليج والمتوسط والبحر الأحمر في حماية واضحة للكيان الصهيوني الذي يحاول إبادة سكان غزة وتهجيرهم والقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية هناك.

ويأتي الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية في عمق مياه البحر الأحمر، ليكسر شوكة العنجهية الأمريكية التي تحاول الحفاظ على هيمنتها في المنطقة والعالم كما كانت قبل، كما أنها رسالة لها العديد من الأبعاد والدلالات سواء على المستوى الداخلي أَو الإقليمي أَو العالمي، وهي تثبت بما لا يدعُ مجالاً للشك مدى الجاهزية والقدرات الكبيرة التي وصلت إليها القوات المسلحة اليمنية وقواتها البحرية، وقدرتها على التأثير في مسار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، حتى أصبحت اليمن أحد أبرز أدوات محور المقاومة الضاغطة، والتي أجبرت العدوّ الإسرائيلي على التراجع والقبول بالهدنة لمدة أربعة أَيَّـام قابلة للتمديد.

وأصبحت اليمن تتصدر الاهتمام العربي والإسلامي والعالمي بعد حادثة الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية؛ فالموقف الشجاع للقيادة الثورية اليمنية ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، قد أحرج الدول العربية والإسلامية التي سجلت مواقفَ مخزيةً تجاه ما يحدث من جرائمَ وتوحش وحرب إبادة إسرائيلية ضد قطاع غزة، كما أن هذا الموقف جعل اليمن تحتل المكانة الأولى في قلوب الفلسطينيين والأحرار في العالمَين العربي والإسلامي، وباتت المظاهرات في تلك الدول تهتف وتحيي اليمن، وتشيد بهذه المواقف العظيمة.

وفي هذا السياق يقول الأكاديمي في جامعة صنعاء الدكتور عبد الملك عيسى: “إن نشر الولايات المتحدة الأمريكية حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالدار فورد” في شرق البحر المتوسط كانَ بهَدفِ الدفاع عن الكيان الإسرائيلي وإلى جانبها حاملة طائرات أُخرى “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” في رسالة أعلنتها واشنطن صراحة أنها موجهة نحو إيران وحزب الله وأنصار الله؛ لتخويفهم من الاشتراك في مناصرة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، حَيثُ أرادت الاستفراد بالقطاع محاولةً هزيمته وإذلاله”.

وتعتبر حاملة الطائرات “جيرالد فورد” أحدث حاملة طائرات في الأسطول الأمريكي، ويرافق هذه الحاملة الطراد “نورماندي” وَ4 مدمّـرات هي: (المدمّـرات “توماس هودنر”، و”راماج”، و”روزفلت”، و”كارني) وجميعها سفن حديثة نسبياً من فئة أرلي بيرك الأمريكية.

ويضيف الدكتور عيسى أن المدمّـرة “توماس هودنر” تتواجد على بُعد 107 كيلومترات من السواحل السعوديّة في شمال البحر الأحمر، لتنضمَّ إلى الأسطول الخامس وترتبط بحاملة الطائرات الأمريكية “جيرارد فورد”.

كما تم نشرُ المجموعة الضاربة التي تعرف باسم “الحامِلة الضاربة الثانية عشرة” أَو المجموعة (12 CSG) في مواقع ومهام مختلفة في شرق البحر المتوسط، بل إن بعضها تمركز خارج شرق البحر مثل المدمّـرة “يو إس إس كارني”، التي تم تسجيل مرورها عبر قناة السويس صباح يوم 19 أُكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي قامت باعتراضِ الصواريخ التي استهدفت “إسرائيلَ” في اليوم ذاته، وحَـاليًّا تتواجد في البحر الأحمر، فيما كانت الصواريخ تنطلق من اليمن ضد الكيان الإسرائيلي.

ويواصل الدكتور عيسى بقوله: “كُـلّ هذا إلى جانب الأسطول الخامس الأمريكي الذي يصل عدد أفراده إلى نحو 15 ألف عنصر على السفن، ويتوزع الأسطول على عدد من قوات المهمات أبرزها:

١- قوة المهام 50 القتالية التي تضم حاملة طائرات.

٢- القوة 51 المتخصصة في القيادة والتحكم والاستجابة للطوارئ والمساعدة والإغاثة.

٣- قوة المهمات 52 للتعامل مع الألغام.

٤- القوة 53 للدعم اللوجستي.

٥- القوة 54 للغواصات.

٦- القوة 57 للمراقبة والاستطلاع.

٧- قوة المهمات 59 المتخصصة في الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي لدمج هذه الأدوات في أنشطته، حَيثُ كثّـف استخدامه للطائرات المسيَّرة والسفن السطحية غير المأهولة والمركبات غير المأهولة العاملة تحت الماء، حَيثُ هناك مركزان متوفران لتشغيل هذه المنصات في البحرين والأردن.

ويستعرض الدكتور عيسى حجم حشد هذا الأسطول للدول لضمان تحقيق المهام الخفية له والتي لا علاقة لها سوى بمصالح واشنطن والغرب التابع له بالقول: “إن هذا الأسطول قد أولى منذ إنشائه أهميّةً خَاصَّةً للعمليات المشتركة والأنشطة في إطار التحالف، وإضافة إلى قواته الذاتية يتولى قائد الأسطول تحالفاً من 34 بلدًا يضم 3 تشكيلات تختص بمجالات الأمن البحري ومحاربة الإرهاب، ومحاربة القرصنة، والتعاون والأمن في الخليج العربي بحسب الرواية الأمريكية، بينما الهدف الحقيقي هو السيطرة على المياه الدولية لخدمة المصالح الأمريكية الخَاصَّة”.

ويضيف عيسى: “شكَّلَ الأسطولُ الخامسُ الأمريكي أربعَ قوات تحت مسمى “القوات البحرية المشتركة (CMF) وهي قوة متعدد الجنسيات من (34) دولة منها:

١- قوة المهام المشتركة 150.

٢- قوة المهام المشتركة 151.

٣- قوة المهام المشتركة 152.

٤- قوة المهام المشتركة 153 الموجَّهة حصراً ضد أنصار الله في اليمن عند إعلانها، حَيثُ أعلن قائدُ الأسطول الأمريكي الأدميرال “براد كوبر” أن مهام هذه القوة هي التركيز على أنصار الله، ومحاربة تهريب الأسلحة إليهم، وعملت لأجل تشديد الحصار على اليمن، حَيثُ تشكلت من الولايات المتحدة الأمريكية والسعوديّة والإمارات ومصر والأردن وإسرائيل؛ وهو ما يشبه حلف ناتو بحري هدفُه الهيمنةُ الأمريكية دون سواها، حَيثُ وصل حجم القوات الأمريكية المتمركزة في المياه المحيطة بالمنطقة إلى أربع حاملات طائرات وَ10 مدمّـرات وَ51 سفينة حربية تحمل 55 ألف جندي و350 طائرة وحوالي 800 صاروخ كروز من طراز توماهوك وأسلحة أُخرى بما فيها الزوارق الحربية الإسرائيلية طراد “سار” والزوارق السيارة غير المأهولة، دون ذكر للقوات المتواجدة في القواعد الأمريكية البرية”.

ويتابع: “ومن أهداف هذه القوات إلى جانب مواجهة أنصار الله عبر قوة المهام المشتركة 153 أَيْـضاً طمأنة حلفاء أمريكا في المنطقة وخَاصَّة بعد حرب الناقلات البحرية ما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين بريطانيا وإسرائيل وأمريكا في الخليج”.

ويخلص الدكتور عيسى إلى أنه “وعلى الرغم من كُـلّ هذه القوات المنتشرة في البحار العربية من الخليج حتى البحر الأحمر إلا أن “أنصار الله” والقوات المسلحة اليمنية استطاعت التغلب على كُـلّ هذه القوات، وقامت بالسيطرة على سفينة إسرائيلية “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر واقتيادها إلى ميناء الحديدة في عملية استخباراتية دقيقة ومعلومات مفصلة ومعرفة دقيقة بكل آليات التشغيل وسرعة الإنجاز في زمن قياسي”.

ويؤكّـد الدكتور عبد الملك عيسى، أن “الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية هي رسالة واضحة المعالم لأمريكا وإسرائيل وبريطانيا والسعوديّة والإمارات بأن اليمن إلى جانب غزة وهذا أولاً، وثانياً: أن أية قوات جيء بها لمحاصرة اليمن لن تجدي نفعاً، حيثُ إن اليمن قادر ولديه الإمْكَانات لإغلاق مضيق باب المندب وإغلاق البحر الأحمر في وجه الملاحة البحرية، ولكنه يلتزم بمعاييرَ أخلاقية ودينية تمنعه من ذلك وعند الجد فلكل حادث حديث”.

ويشير إلى أن “القوات المسلحة اليمنية واصلت استهداف المدن الإسرائيلية المحتلّة في أم الرشراش “إيلات” في فلسطين المحتلّة بعد حادثة الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية، وهذا يرفع مستوى النزاع إلى مستوى أعلى”، لافتاً إلى أن “المواجهة بعد هذه الأحداث لم تعد مقصورة على حركة واحدة كحركة حماس أَو الجهاد مقابل دولة، بل ارتفع السقف لمواجهة محتملة لدول وحركات ومحور مقابل محور ودول تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولة الأولى عن حرب الإبادة بحق سكان وأهل غزةَ”.

ويرى أن “الاستمرار في الهجوم على غزة سيكون شرارة حرب إقليمية أوسع ستشترك فيها العديد من الدول مرغمة كالسعوديّة والإمارات وربما الأردن؛ باعتبارها جُزْءًا من المحور الأمريكي”، منوِّهًا إلى أن “القصف اليمني إلى فلسطين المحتلّة يؤكّـد بُعدًا جيوسياسياً؛ باعتباره دعماً واسعاً لجبهة لبنان وفلسطين عن بُعد، بعيدًا عن التعقيدات الموجودة في الدولتين، كما أن له بعداً جيواستراتيجياً يتعلق بموقع اليمن وتحكمُها بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهذا ما يستدعي مراجعةً واقعيةً من قبل العدوّ لما قد يلحقُ به من خسائرَ، وهو بالتأكيد يدركها تماماً”.

ويوضح الدكتور عيسى أن “ما حصل من زخم التفاعل الشعبي العربي والمحلي قد عزَّز الارتباطَ الجماهيري العربي المسلم دينياً وَنفسياً وتضامنيًّا مع محور المقاومة، وبالقضية الأولى للمسلمين، وتأكيداً لما أعلن عنه السيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- برفضِه تجزئةَ المعركة التي يخوضها أحرارُ الأُمَّــة في كُـلّ مكان”.

 

رسومٌ إضافيةٌ كمخاطر حرب:

وعلى صعيد متصل يؤكّـد الخبير وَالمحلل الاقتصادي سليم الجعدبي، أن “برامج الحركة الملاحية البحرية ما بعد سيطرة صنعاء على سفينة جلاكسي الإسرائيلية أظهرت توقف عدد كبير من السفن بجانب قناة السويس، وهذا -حسب استدلاله- مفاجئ للعالم، حَيثُ يمكن منه فهمُ أن الصهاينة يملكون معظمَ سفن العالم”.

ويشير في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى أنه مقابل هذا التعثر لحركة السفن الإسرائيلية انسحب هذا على بدء شركة خدمات الشحن البحري ZIM بإضافة رسوم إضافية (مخاطر حرب) على حاويات البضائع المحملة من وإلى إسرائيل؛ اعتباراً من ٢٢ نوفمبر بمبالغ تتراوح بين (٢٥ وَ٤٠ و٥٠ و٨٠ و١٠٠) دولار لكل حاوية، كما تضيف ٥ دولارات على كُـلّ متر مكعب من شحنات السيارات.

وتخضع هذه الزيادات -بحسب المحلل الجعدبي- للتغيير كُـلّ ٢٤ ساعة.

وحول علاقة السفينة الإسرائيلية المحتجزة بصندوق الاستثمار الخاص بالكيان يشير الجعدبي إلى أن “العلامة NYK line المسجلة على السفينة الصهيونية galaxy leader التي سيطرت عليها القوات المسلحة اليمنية خَاصَّة بأكبر شركة يديرها الصندوق الاستثماري الصهيوني (Dock) المتخصص في التكنولوجيا البحرية، والتي تمتلك 110 سُفُنٍ لنقل السيارات حول العالم”، منوِّهًا إلى أن “هذا جزءٌ بسيطٌ يخُصُّ ضربَ الاقتصاد الإسرائيلي، فضلاً عن اعتماد كيان العدوّ الغاصب على البحار لتوفير الغذاء، حَيثُ يؤكّـد الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث الغذاء الإسرائيلي (GFI) نير غولدشتاين أن أكثر من 70 % من الغذاء في إسرائيل يتم استيراده عن طريق البحر، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير استراتيجي على الواردات إلى إسرائيل وخَاصَّة على عالم الغذاء الذي سوف ترتفع أسعاره”.

ويواصل الجعدبي بقوله: “ما يظهرُ أن التداعياتِ ستكون كبيرةً جِـدًّا إذَا كان هذا ما ظهر في أَيَّـام قلائل بعد فرض حصارٍ ومنعٍ للسفن الإسرائيلية من الإبحار في مياه البحر الأحمر؛ فكيف إذَا ما استمر الأمر مع حديث واشنطن وتل أبيب عن استمرار معركة غزة ما بعد هُدنة الأربعة أَيَّـام الحالية؟”.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com