الاحتلالُ الإسرائيلي يعمَّـدُ جرائمَه في غزةَ بقتل الصحفيين
منظماتٌ حقوقية: لم نوثِّقْ قتلَ صحفيين بهذا العدد منذ عام 1992م
المسيرة: منصور البكالي
تعمّد الاحتلالُ الإسرائيلي وعلى مدى 48 يوماً من القصف المتوحش على قطاع غزة حجب الحقيقة وإخفاء جرائمه النازية من خلال الاستهداف المتواصل للإعلاميين وقتلهم أثناء تأديتهم لعملهم في جريمة حرب مكتملة الأركان بحق الحقيقة والصورة والخبر ومشهديته.
ومارس العدُّوانِ: الأمريكي الإسرائيلي -منذ بداية العدوان على قطاع غزة وجنوبي لبنان- هذه الأساليب؛ في محاولة لوأد جرائمه بحق الأطفال والنساء ومنع أخذ الصورة وإرسالها إلى شعوب العالم؛ فكان من بين الشهداء أُسَرٌ لمراسلي قنوات عالمية، كما حدث لمراسل قناة “الجزيرة” وائل الدحدوح الذي فقد زوجتَه وعدداً من أبنائه؛ في محاولة لثنيه عن نقل الصورة في قطاع غزة، وكذلك ما حدث من قتلٍ متعمدٍ لمراسلة قناة “الميادين” فرح عمر والمصور ربيع المعماري عن طريق غارة صهيونية متوحشة استهدفتهما أثناء عملهما في الميدان؛ لتغطية الأحداث في جنوبي لبنان.
وتعد هذه رسائل واضحة من قبل الاحتلال الإسرائيلي لردع كُـلِّ من يحاولُ فضحَ جرائمه في الميدان، في عمل يهدف إلى إسكات كُـلّ الأصوات المناهضة للهمجية والتوحش الصهيوني في فلسطين المحتلّة.
وبلغ عدد الشهداء من الإعلاميين والصحفيين والمراسلين لعدد من القنوات والإذاعات المقاوِمة والحرة 64، قتلهم العدوان الصهيوني عن سابق إصرار وترصد وتعمد؛ ليقتل الحقيقة، ويهز معنويات من يقفون خلف كاميرات التصوير والبث، وإعاقة الحروف والعبارات في حناجر المخلصين في الميدان الإعلامي، في سابقة لم تحدث طوال الحروب الكبرى.
ويأتي كُـلّ هذا الاستهداف خشية من العدوّ الأمريكي والإسرائيلي من ردود الفعل الغربية والعربية وكلّ الشعوب الحرة، ومن تبخر الرواية المزيَّفة عن واقع الحرب منذ 7 أُكتوبر، وكُلُّ هذا دفعه لاستهداف الكوادر الإعلامية بوتيرة متسارعة؛ علَّه يحافظ على ما بقي من زيفه المعشعش في عقول المتعاطفين معه إن وُجدوا.
وخلال 49 يوماً كانت عدسةُ الكاميرات وصوت المراسلين، وتقارير الإعلاميين هي السلاحَ الفتاك الذي أرعب كيان الجريمة والتوحش ومن يسانده، بل وهي السلاح الذي كشف الزيف والأقنعة الإنسانية والحقوقية برمتها ليظهرَ العدوّ على وحشيته الصادمة وهو يبيدُ آلافَ الأطفال والنساء تحت أسقف منازلهم وفي مدارس الإيواء وداخل المستشفيات، وممرات العبور، إلى أن وصل به عطش الدم ونهش لحوم الرضع إلى قتل عدد من الأطفال الخُدَّج.
قتلُ الحقيقة:
وفي هذا السياق، يقولُ الإعلامي والمحلل السياسي حسين اليزيدي: إنَّ “الدولَ الرأسمالية ممثلةً في أمريكا إذَا رأت مصالحَها أَو تحالفاتها تتعرض للتهديد فَــإنَّها ترمي بكل القوانين عرض الحائط، وتبيحُ لنفسها فعل أي شيء من إبادة شعب أَو احتلاله أَو إغراقه في ديون اقتصادية أَو فرض وسن القوانين والعقوبات عليه”.
ويقول إنه “وبعد 7 أُكتوبر عملية “طُـوفان الأقصى” خندقت أمريكا أغلب حكومات ودول العالم عسكريًّا وإعلامياً واقتصاديًّا وفي كُـلّ المجالات للتحريض بقتل الفلسطينيين في غزةَ”.
ويضيف اليزيدي: “تخشى تلك الدول من الظهور أمام شعوبها كدول تبرّر القتل وتتبناه عسكريًّا وسياسيًّا؛ فإسرائيل تقتل المدنيين ومن ضمنهم الإعلاميين خشيةَ انكشاف سوءتها التي انكشفت أمام شعوب العالم”، معتبرًا أن ما تعرض له الإعلاميون من قبل إسرائيل كشف هشاشة وكذب القوانين الدولية التي تعطيهم الحماية الكاملة، وهي صورة ممتدة لازدواجية المعايير في التعامل من قبل أمريكا وحكومات الغرب مع ما حدث في غزةَ من قتل وإبادة، وما حدث في أوكرانيا.
محاربةُ الأصوات الحرة:
وأمام مشاهد القتل والدمار والقصف المروع في قطاع غزة، كان لافتاً عقد الاجتماعات المتكرّرة للمسؤولين الإسرائيليين وحديثهم المتواصل عن حجب وإغلاق قنوات تعمل في فلسطين المحتلّة وعلى رأسها قناة “الميادين”.
وتؤكّـد كُـلّ هذه الخطوات مدى الانزعَـاج الكبير للكيان الصهيوني من صوت الحقيقة ومحاربة الأصوات الحرة المناهضة لتصرفاته الوحشية وتكشف الوجه الإرهابي للإمبريالية العالمية، والماسونية في تعاملها مع كُـلّ القضايا العادلة للأُمَّـة.
وبحسب وكالة “وفاء” الفلسطينية؛ فَــإنَّ صحفيتَينِ فلسطينيتين استشهدتا إثر استهداف منزلَيهما بغارات إسرائيلية، حَيثُ فقدت الصحفيتان آلاءُ طاهر الحسنات وآيات خضورة، حياتَيهما، بعد أن استُهدف منزلاهما في مخيم البريج للاجئين وسط غزة ومنطقة بيت لاهيا شمالاً.
وأعلنت الوكالة قتلَ إسرائيل 62 صحفياً، بينهم 6 نساء، في هجماتها على غزة منذ عملية “طُـوفان الأقصى”.
وكانت الصحفية آيات خضورة قد بثت فيديو لها قبل استشهادها بدقائق قالت فيه: “سيكون هذا الفيديو الأخير”، مواصلة حديثها وهي تبكي “قوات الاحتلال ألقت قنابل فسفورية على بيت لاهيا ووزعت منشورات لإخلاء المنطقة”.
وأضافت: “الناس يسيرون على الطرق كالمجانين ولا يعرفون إلى أين يتجهون، نحن كعائلة متفرقون أَيْـضاً في المنزل والبعض غادر، لكن بالطبع لا نعرف إلى أين يذهب أي شخص، الوضع صعب للغاية، يا رب ارحمنا”.
وتؤكّـد هذه العبارات الموجعة للصحفية خضورة مدى التوحش والهمجية الكبيرة للاحتلال الإسرائيلي ضد الإعلاميين في قطاع غزة، وهو توحش طال كُـلّ شيء في ظل صمت عالمي مطبق، وتشجيع أمريكي وغربي لإسرائيل للاستمرار في هذه المذبحة والتنكيل بكل شيء في القطاع؛ وهو ما أتاح للعدو الإسرائيلي تدمير كُـلّ شيء، والتركيز على الأصوات الحرة والإعلاميين لحجب الحقيقية وطمس معالمها؛ كي تبقى هذه الجرائم المتوحشة في طي النسيان، وألا يتم تناولها على شاشات التلفزة، أَو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، قد أكّـد استشهاد 62 صحفياً وصحفية، خلال استهدافهم بشكل مباشر بصواريخ الاحتلال، أَو جراء هدم منازلهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم.
أما في الضفة الغربية، فقال نادي الأسير: إن الاحتلال اعتقل نحو 42 صحفياً وصحفيةً بعد عملية “طُـوفان الأقصى”
وأبقى على اعتقال 32 صحفياً منهم، بينهم الصحفيّة ميرفت العزة، إضافة إلى الصحفية سمية جوابرة التي تخضع للحبس المنزلي.
وقالت لجنة حماية الصحفيين بأنها لم توثق قتل صحفيين بهذا العدد منذ بدأت رصد وتسجيل جرائم قتل الصحفيين عام 1992.
وأدان الاتّحادُ الدولي للصحفيين (مقرُّه العاصمة البلجيكية بروكسل) قتلَ إسرائيل الصحفيين في قطاع غزة، مطالِباً بإجراء تحقيق فوري بشأن مقتل الصحفيين في قطاع غزة، كما تضمّن البيانُ أسماءَ وتواريخَ وأماكنَ وفاة 62 صحفياً فقدوا أرواحَهم في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.