“إسرائيلُ” تحت نار.. تعدُّدُ جبهات المقاومة ما تخافُه أمريكا
نبيل الجمل
في الوقت الذي تشكل فيه الولايات المتحدة الأميركية الأحلاف الدائمة أَو العارضة؛ مِن أجل تنفيذ مهام عسكرية واستراتيجية تراها لمصلحتها وتقسم العالم إلى مسارح عمليات تنشر فيها قواتها خارج الأراضي الأميركية، فَــإنَّها تنكر على المستهدفين بخططها اللقاء في تحالفات وتفاهمات دفاعية تتيح لهم التعاون والتنسيق أَو الإسناد المتبادل دفاعاً عن دولهم وبلدانهم وأوطانهم وعن حقوقهم في تلك الأوطان.
وعلى سبيل الإيضاح في ما يعني منطقتنا أي الشرق الأوسط اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية تسمية “المنطقة الوسطى” لتكون مسرح عمليات عسكرية واحداً يشمل معظم دول الشرق الأوسط (وضمّت إسرائيل مؤخّراً إليها) وتعمل فيها تشكيلات أميركية تنتشر في قواعد عسكرية تجاوزت الـ 54 قاعدة يعمل فيها ما يربو على 60 ألف جندي وضابط يسندهم أسطولان بحريان دائمَي الانتشار في مياه المنطقة (الخامس في الخليج والسادس في المتوسط والسابع على مقربة منهما) مع قابلية التعزيز والدعم بعدد من حاملات الطائرات والغواصات المتعددة والمتفاوتة القدرات، كُـلّ ذلك؛ مِن أجل تأمين حماية المصالح الأميركية في المنطقة بشكل مباشر أَو عبر مساندة الحلفاء والشركاء والتابعين الإقليميين.
لكن قوى التحرّر والاستقلال في المنطقة والتي تلاقت على هدف رفض السيطرة الأميركية وتحت مسمى واحد وهو محور المقاومة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأنصار الله في اليمن القوة الضاربة في محور المقاومة وحزب الله في لبنان والمقاومة في العراق والمقاومة في سوريا، وكذلك من الأهداف للمحور عدم الخضوع لسياسة الاستتباع والإلحاق الأمريكي، هذه القوى التحرّرية أدركت أن مصالحها تكمن في تحشيد الطاقات وجمع القدرات وتنسيقها وإسقاط سياسة التفتيت والتقسيم والتجزئة التي تفرضها أمريكا على من لا يواليها، ورفض الاحتلال الإسرائيلي وتحرّر فلسطين وتكون دولة ذات سيادة على جميع أراضيها، لذلك شكلت هذه القوى ومن غير صكّ مكتوب يستند إليه في إنشاء الأحلاف العسكرية أي مقاومة العدوان الصهيوغربي، أَو “محور الممانعة” أي ممانعة السياسة الاستعمارية بقيادة أميركا ومنع الأخيرة من إقامة شرق أوسط جديد أميركي الهُــوِيَّة يتيح لأميركا وضع اليد والسيطرة على المنطقة بما فيها من مخزون واحتياط البترول العالمي والممرات الدولية الاستراتيجية بين الشرق والغرب.
وقد نجحت قوى محور المقاومة بما فيها أنصار الله في اليمن في أدائها وبشكل ملحوظ في مواجهة الحرب الكونية على اليمن، حَيثُ هزمت التحالف والعدوان على اليمن وسقطت السياسة الأمريكية والإسرائيلية والسعوديّة والإماراتية الاستعمارية الجغرافية والفكرية ولم يجدوا ذريعة للتعذر بها في التدخل في شؤون اليمن.
بيد أن ما يحصل الآن على صعيد مواجهة العدوان الصهيوني التدميري الذي يستهدف قطاع غزة، يتميّز في طبيعته ودلالاته عن كُـلّ ما سبق، حَيثُ يسجل في هذا الإطار ما يلي:
أولاً: تعدد مسرح عمليات المقاومة بجبهات متعدّدة ومهام متنوّعة في طبيعتها وأنواعها، مسرح عمليات يشمل من الشمال إلى الجنوب كلاً من اليمن والعراق وسورية ولبنان وفلسطين وعمقه الشرقي الاستراتيجي المتمثل بإيران، مسرح عمليات يمكن القول إنه يشكل رغم تفاوت القدرات والمساحة، رداً ميدانيًّا واستراتيجياً على مسرح عمليات القيادة الوسطى الأميركية، لكن أمريكا ترفض تشكل الظروف التي تجعل من هذا المسرح حقيقة قائمة وهي تحت تسمية “منع توسّع الحرب” تحاول الحؤول دون تشكل هذا المسرح وتحوّله إلى ميدان عملاني نشط يشهد عمليات منسقة أَو متنوعة.
ثانياً: توزّع المهام والأدوار بين القوى على الجبهات المتعددة في مسرح العمليات الواحد وفي حين تعتبر الجبهة الفلسطينية في قطاع غزة هي الجبهة الأَسَاسية التي تواجه العدوان واختصت الجبهات الأُخرى في لبنان واليمن والعراق وسورية بمهمة الإسناد وتحوّلت إلى جبهات مساندة لإنتاج الضغط المتعدّد المفاعيل الذي من شأنه وقف العدوان وتقصير أمد الحرب على القطاع ومنع العدوّ من تحقيق أهدافه من العدوان.
ثالثاً: محور المقاومة انطلاقاً من أدائه في مسرح عملياته في غربي آسيا، أربك المحور الاستعماري في المنطقة ورغم التفاوت المؤكّـد في الإمْكَانات والقدرات بين القوى المتواجهة في المسرحين، فَــإنَّنا نجد أن قوى المقاومة والممانعة وبحكم طبيعة مهامها الدفاعية (حتى ولو اتخذت بعض عملياتها الشكل الهجومي فهي تبقى هجوماً في معرض الدفاع)، أنّ هذه القوى قادرة على أداء مهامها وقد حقّقت في حرب “طُـوفان الأقصى” نجاحات هامة يمكن البناء عليها لتوقع نتائج المواجهة الميدانية القائمة، حَيثُ نسجل هنا للجبهات النشطة ما يلي:
أولاً: الجبهة الرئيسية: الجبهة الفلسطينية وعملياتها في قطاع غزة، نجحت هذه الجبهة في إحداث الزلزال الكبير في 7 تشرين الأول/ أُكتوبر الفائت ولا تزال صلبة قوية متماسكة في حربها الدفاعية على أرض القطاع، حَيثُ منعت حتى الآن العدوّ الإسرائيلي من تحقيق أَيٍّ من أهدافه الثلاثة (تحرير الأسرى، وتفكيك المقاومة، وتهجير السكان) كما منعته من تحويل اختراقه البري إلى احتلال آمن ومستقرّ، ووضعت القوى المعادية التي دخلت شمال القطاع في مصيدة فرضت عليها أن تختار بين التملص والانسحاب أَو الموت.
ثانياً: الجبهة المساندة الأولى: وهي جبهة لبنان/ فلسطين المحتلّة، نجحت هذه الجبهة عبر استراتيجية الضغط التصاعدي في إرغام العدوّ على تجميد ما يكاد يصل إلى نصف قدراته العسكرية والقتالية (بين 1/3 وَ1/2) ما خفف الضغط العسكري عن قطاع غزة، كما نجحت في التأثير على الحياة في شريط بطول 50 كم وعرض 7 كم (تقريبًا مساحة قطاع غزة البالغة 365 كم2)، حَيثُ تمّ تهجير السكان وتراجع العمل في القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والسياحية بشكل من شأنه أن يحدث ضغوطاً على السلطة الإسرائيلية لوقف الحرب دون تحقيق الأهداف.
ثالثاً: الجبهة المساندة الثانية: وهي الأقوى جبهة اليمن والتي هزت العدوّ الإسرائيلي وحدثت صدمة مفاجئة لقوى العالم أجمع، حَيثُ وصلت صواريخها إلى إيلات (أم الرشاش) في فلسطين المحتلّة واستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر التي اهتزَّ لها الكيان الصهيوني والقوى الاستكبارية أمريكا وأذنابها؛ خوفاً على مصالحهم التجارية ومصالحهم الكبيرة في الشرق الأوسط والممرات والملاحة البحرية، وموقف اليمن خلق ضغطاً كَبيراً على إسرائيل في وقف العدوان على غزة.
رابعاً: الجبهة المساندة في سورية والعراق في مواجهة القواعد الأميركية ومهمتها الضغط على أمريكا التي بدت من خلال تصرفات مسؤوليها العلنية بأنها لا تساند «إسرائيل» فقط، بل وتقود العدوان مباشرةً وتشارك في كُـلّ جزئياته التنفيذية، وبالفعل أحدثت هذه الجبهة بصواريخها ومُسيّراتها قلقاً أمريكياً على سلامة العسكر الأميركي المنتشر في قواعد في سورية والعراق، بما أحدثته من خسائر وإصابات في صفوفهم، وتكمن أهميّة هذه الجبهة في ما تحمله من ضغط على الأميركي لوقف الحرب ومنع «إسرائيل» من متابعة عدوانها.
إنّ تبلور مسرح عمليات المقاومة غربي آسيا ونجاح الجبهات المتعددة القائمة فيه يؤسّس لمرحلة جديدة في المنطقة أهم ما فيها هو سقوط السياسة الاستعمارية القائمة على التجزئة والتفتيت والانتقال من وضع “فلان أولاً” إلى وضع “الأمة كلها أولاً” و”المنطقة كلها أولاً”، وبهذا يصدق القول بأنّ القضية الفلسطينية قضية الأُمَّــة العربية والإسلامية وحولها تتوحّد الأُمَّــة وتتحرّر، هدف بات في متناول اليد بعد أن عرفت الطريق وتوفرت الإرادَة.
فلسطين حرة مستقلة وستزول إسرائيل من الوجود.