التاريخُ يعيدُ نفسَه وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة!
علي عبدالله الدومري
ليس هناك جديدٌ على مسرح الأحداث الدرامية الدامية الجارية على أرض فلسطين، بل كُـلّ الوقائع هي امتداد للأطماع الصليبية التي غزت أجزاء واسعة من الوطن العربي وكونت إمبراطوريات وممالك استعمارية على أجزاء غالية من الوطن العربي الكبير فسقطت وتلاشت أمام زحف جيش الفتح الإسلامي ورجعت من حَيثُ ما أتت.
فتجذرت عقدة الهزيمة، ونزعة التسيُّدِ والتسلط على العالم حاضرة في نفوس أحفادهم حتى هذه اللحظة؛ فما يحدث على أرض فلسطين هو امتداد لذَلك التعجرف وليس بغريب، فقد حدث في العراق وليبيا وسوريا والجزائر والمغرب ومصر وجنوب اليمن وتحولت العديد من الدول العربية إلى مستعمرات تنهب ثرواتها وخيراتها ويصادر قرارها، إلا أنها لم تستسلم لتلك الهجمات الصليبية فقد استطاعت تلك الشعوبُ والبلدان العربية المستعمَرة أن تتنفَّسَ الحريةَ وتمضيَ نحو إشعال فتيل الثورات العربية ضد الغزاة والمستعمرين، حتى أجبرتهم على الرحيل مكسورين مهزومين يجرون أذيال الهزيمة.
وعندما توالت الهزائم والانكسارات للمستعمرين وصلوا إلى قناعة أن الاستعمار والمواجهة المباشرة مع الشعوب تخلف خسائر كبيرة على المستويات، وأدركوا حينها أنهم لم يستطيعوا المحافظة على مكانتهم وسمعتهم كشعوب مختارة يجب أن تكون في القمة على معظم شعوب الأرض تمتلك السيادة والهيمنة فعقدوا مؤتمر عام 1907م في بريطانيا جمع ست دول استعمارية ورسموا خطة بديلة لتغيير سياستهم الاستعمارية.
محتوى تلك الخطة قضى بالعمل على إنشاء جسم غريب في خاصرة الوطن العربي يفصل ما بين الشرق والغرب ويكون بمثابة مشكلة دائمة تعرقل أي تعاون وتوافق عربي وتنمية ونهضة مستقبلية للوطن العربي الذي يتحكم بموقع استراتيجي يجعله في الصدارة التي تؤهله للتفوق على غيره من مناطق العالم، خاصةً وهو يتحكَّمُ بمنافذَ ومناطِقَ استراتيجيةٍ هامةٍ كبابِ المندب والسويس وجبل طارق، إذا تم استخدامها ستقلب الطاولة على العالم ويكون العرب أسياد العالم، وهذا ما تخشاه الدول الاستعمارية الصليبية.
وتوالت الأحداث ولم تندثر الخطة وبعد عشر سنوات وتحديداً عام 1917م خرج بلفور وزير خارجية بريطانيا ليعلنَ مستعمرة فلسطين وطنًا قوميًّا لليهود، والعرب لا يعلمون المخطّط وبعد ذَلك الإعلان تم التواصل وعمل المؤتمرات والندوات مع الحكومات في العالم لشرعنة ذَلك القرار الأرعن، وبدأت عملية الترحيل للأقليات اليهودية من مختلف دول العالم إلى فلسطين المحتلّة وتم دعمها وتسليحها بأحدث الأسلحة آنذاك التي تفوق الدول العربية، وبدأ الجسم الغريب في الوطن العربي يمارس المخطّط المرسوم له مسبقًا والذي وجد؛ مِن أجلِه وهو التوسع والاستيطان وارتكاب المجازر الوحشية بحق السكان الفلسطينيين بنزعته العنصرية المتوحشة وبعقليته النتنة، بينما بعض الدول العربية كانت لا تزال ترضخ تحت الاستعمار والأُخرى تقاوم على البقاء مع تسلط الجهل والفقر والتخلف عليها لم تكن توجد النهضة الاقتصادية الحديثة، كانوا عربًا حفاة يجوبون الصحاري بالخيول والإبل.
فاستغل الكيانُ الغريب المسمَّى “إسرائيل” تلك الفجوة وقام باجتياح شامل لأجزاء واسعةٍ من الأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر، هجّر من خلالها عشرات الآلاف من السكان إلى أكثرَ من دولة مدعومًا من المستعمر البريطاني في ما عُرف بنكبة 1948م، كُـلّ تلك التصرفات أشعلت فتيل الغضب الثوري في نفوس الجماهير العربية وظهرت الثوراتُ التحرّرية للعلن انطلاقاً من ثورة 23 يوليو 1952م المصرية والتي كانت الملهم لكل الشعوب العربية.
وأعقب الثورات بداية تشكيل وتنظيم للجيوش العربية من الصفر، بينما الكيانُ يمتلكُ ترسانة من الأسلحة مدعومٌ من قبل المستعمر الذي أجبر على الرحيل من جنوب اليمن عام 1967م مكسور الخاطر بعد ثورة استمرت أربع سنوات تكبد خلالها المستعمر خسائر فادحة فكان الرد بدعم الكيان الصهيوني بالهجوم والاجتياح والتوسع إلى سيناء فيما عرف بنكسة حزيران 1967م للجيوش العربية الوليدة.
فلم تكن هناك جيوش إلا بعد الثورات التحرّرية واستمرت الثورات التحرّرية وتعمق الفكر الثوري واتحدت الأُمَّــة العربية ووقفت على رجليها بعد الألم الذي أصابها والتضحيات الجسيمة.
وبعد مرور ست سنوات استطاعت الجيوش العربية إعادة ماء الوجه للشارع العربي واستعادة أجزاء واسعة من أراضي 67م التي تم اجتياحها من قبل الكيان الذي رافقه العدوان الثلاثي على مصر لإخضاعها وتقليل عزمها الثوري والقومي الذي يسعى لتوحيد العرب فيما عرف بمعركة الكرامة العربية السادس من أُكتوبر 1973م.
فلا غرابة، فخطة الأمس يراد تنفيذها اليوم من خلال فرض الهيمنة على الشعوب العربية ومحاولة تمرير صفقة القرن التي تقول القدس لليهود ومكة للمسلمين، والفلسطينيون يهجروا إلى سيناء ضمن الدولة المصرية وتنتهي وتصفَّى القضية الفلسطينية كقضية ودولة وشعب، فالخطة تشبه خطة الأمس والتاريخ يعيد نفسه إلَّا أن حال العرب أفضل من الأمس.