مَــن هــــــــو الــشــهــيــــــد؟

 

الاعتزاز خالد الحاشدي

هو رجلٌ عرف الله ورسوله حق المعرفة وعرف الآل الكرام واتبع نهجهم؛ هو من أخذ كتاب الله وفتحه ووجد فيه قول الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

هو من عرف الطريق المقدس التي ستوصِلُهُ إلى الله، ألا وهو طريق الجهاد.

نعم هو ذلك الرجل الذي فهم الآية فهماً صحيحاً وعمل بها من منطلق قول الله: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

هو من عرف أعداء الله وأبى وصايتهم على أرضه ورفض موالاتهم وإقامة علاقة معهم، ولم يخف منهم؛ لأَنَّ المؤمن لا يخاف إلَّا من الله العزيز الجبار.

هو ذلك الرجل الذي ترك الدنيا وأهلها وزينتها خلفه وجعل هدفه الوحيد إرضاء الله لا غيره، لم يجعل همه إرضاء الناس أَو أقاربه أَو أهله أَو أولاده أَو زوجته أَو حتى نفسه، لا كان همه الوحيد أن يجاهد في سبيل الله ليحظى برضوان الله وجنته التي هي الموطن الأصلي لكل البشر؛ والشهيد هو من عرف أن سكنه في هذه الدنيا مَـا هو إلَّا غربة عن وطنه الذي هو الجنة.

الشهيد هو من قرأ القرآن بقلبه وعقله وطبق آياته بجوارحه؛ هو من سمع قول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الشهيد هو شخص كسائر البشر ويمتلك صفاتهم ولكنه يختلف عنهم بميزات لم يحظَ بها غيره، هو يمتلك شجاعة مواجهة الموت بينما باقي البشر يهابون الموت ويهربون منه، الشهيد هو من ذهب ليقدم نفسه فداءً للدين والوطن، هو من سخر نفسه وماله في سبيل الله، بينما جميعنا نخاف على أنفسنا من أي جرح بسيط، هو من ذهب ليضحي بروحه الغالية في الجبهات وجعل من جسده درعاً لهذا الشعب ليبقى في استقرار وراحة تامة، بينما نحن ننسى هذه التضحية العظيمة وننسى أن نعتني بأسرة هذا الرجل العظيم.

هو من تخلى عن مهجة فؤاده وقرة عينه وتاج رأسه وتركهم في رعاية الله؛ ليس؛ لأَنَّه لا يبالي بهم ولا يستشعر مسؤوليته تجاههم أَو أنه لا يهمه كيف سيعيشون بدونه وكيف سيعانون بعد رحيله بل؛ لأَنَّه استشعر مسؤوليته أمام الله أولاً وأيقن أن مسؤوليته أمام الله أهم من كُـلّ شيء؛ بينما نحن نتمسك بأهلنا وأحبابنا وأولادنا ونحبهم أكثر من أي شيء وننسى مسؤوليتنا أمام الله، الشهيد هو من تاقت نفسه للشهادة ويبكي ويتضرع لله ويدعوه ويطلب منه أن يمنحه هذا الوسام ويختم عمره بالشهادة العاجلة، بينما نحن ندعو الله ونطلبه أن يطيل في أعمارنا، لماذا ندعو هذا الدعاء؛ لأَنَّنا لا نريد أن نموت، لا نريد نرى الموت.

والفرق الأخير بيننا وبينه هو أننا نموت ولا نحيا بعد موتنا إلَّا يوم القيامة بينما هو عندما تؤخذ روحه لا يموت مثلنا بل يبدأ حياته عند الله، والله قد قال عنه في محكم كتابه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ).

هذا عطاء الله للشهيد وكرمه، التكريم العظيم كما قال السيد عبدالملك -يحفظه الله- إن الشهادة عطاء قابلة الله بعطاء.

فهل علمتم من هو الشهيد ومن يكون وكيف يعيش حياته وما هي سيرته؟!

من نحن أمام هذه التضحيات العظيمة، كيف سنلقاهم ونلقى الله يوم القيامة، ماذا سنقول؟

ومهما تكلمنا عنهم وحاولنا وصفهم تخجل حروفنا عند الكلام عن مواقفهم التاريخية، ونتمنى أن يختم الله أعمارنا بالشهادة ويجعل حياتنا جهادًا في سبيله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com