معركةٌ إقليميةٌ يتصدَّرُها البحرُ الأحمر
منتصر الجلي
“معركةٌ إقليمية” هكذا كانت رسائل قادة محور المقاومة قبل انطلاق عملية “طُـوفان الأقصى” المباركة، وبعد انطلاقتها وأثنائها.
رسائل حملت من جدِّية القول والفعل ما جهلها كيان العدوّ، على هامش طاولة النسيان، حاسباً أنها تُرُهات من الأقوال كتلك التي قد يُطلِقهُا زعماء العرب حين يُسعِرون نزاعات أَو حروب على أبناء جلدتهم وإخوانهم العرب، في حين الاختلاف شاسعٌ وَمعيار ذلك بالنسبة لدى قادة المقاومة، لاعتبارات عدة إيمانية ومسؤولية، وأهداف ومبادئ سامية، وشعور يجسد الإنسانية في كمالها وعدد من الثوابت التي شرع الله؛ مِن أجلِها الجهاد ومواجهة صهاينة العالم وغيرها..
من هذه المنطلقات جاءت عملية الطوفان، التي كشفت عدة حقائق حول اليهود، ومصداق القرآن الكريم في حديثه عنهم وتقديمه لهم، والكيان الصهيوني على وجه أخص، كما أكّـدت على جُملة من التفاصيل الأَسَاس التي أخفتها الأنظمة العربية عن شعوبها طيلة سنوات حول موقفهم من القضية الفلسطينية والتي تبلورت جميعها حول أوراق على طاولة اجتماع القمم العربية والمنظمات الإسلامية وفي غيرها من المؤتمرات التي حضرت القضية الفلسطينية فيها هزلًا لا ترتقي مواقفهم على غير التنديد والبيانات الهشة، والتي سخر منها حتى العدوّ الصهيوني نفسه فيما صدر عن قمة الرياض.
في سياق كُـلّ ذلك من تواطؤ عربي ومؤازرة غربية أمريكية لعدوان الكيان على غزة، وعجز الأنظمة أن تُسطِّر لها موقف من هذا العدوّ، جدد قادة المحور تأكيدهم المُستمرّ على نصرة غزة، ليس ذلك وحسب بل رفعوا سقف المساندة عمليًّا، وكما أشار سماحة السيد حسن الله، إلى أن “الجبهة اللبنانية دخلت المعركة من اليوم الثاني لعملية “طُـوفان الأقصى” فيما جاءت عدد من مواقع المساندة عبر جبهات المقاومة الإسلامية في كُـلّ من العراق واليمن.
وهنا بدأت معركة الإقليم، عبر دخول اليمن في مواقفه البارزة والواضحة رسمية وشعبيّة، ليسجل التاريخ: أن اليمن المُحاصر على رأس الدول التي أخذت معركة الطوفان بكل جدارة ووسام شرف، حين أشعل سماحة السيد القائد: عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- عدد من العمليات التي أقضَّت مضاجع إسرائيل في أم الرشراش وغيرها من المستوطنات، بالصواريخ المجنحة والطائرات المسيَّرة، اتضح للعدو مباشرةً أن يُعيد قلب أوراقه وترتيبها في حين كان اليمن ضمن الاحتمالات الأخيرة للدول في المعركة، فإذا هو يضعه على رأس قائمة الخوف المُحتَّم.
استبعد كيان العدوّ معركة البحر، ليخرج السيد القائد بوضع النقاط على الحروف ويعلن البحر “خط أحمر على إسرائيل” أَيَّـام من التصريح المبارك فإذا سفينة GALIk Lidar تَقتادُ إلى ميناء الحديدة، ضج لها العالم وتهادنت لها أنظمة العرب.
3 ديسمبر2023م عملية بطولية جديد في مياه اليمن الإقليمية والتي نفذتها القوات المُسلَّحة اليمنية البحرية، على سفينتين إسرائيليتين رفضتا الاستجابة للنداءات التحذيرية التي أطلقتها القوات البحرية، فما كان من رجال الله إلا استهدافهما بكل رباطة جأش.
عملية نوعية كُبرى حركت المياه الراكدة لدى أمريكا، ودول المنطقة، وأحرقت كيان العدوّ في عقر البحر الأحمر، يقف أمامها عاجزاً صاغراً، لتسارع الأنظمة العربية لقراءة المشهدية من جديد، والتي لم تقرأها من ركام الضحايا والإبادة الجماعية في القطاع.
مرحلة جديدة رسمت خارطة وقائعها اليمن من قلب الحصار والعدوان، ووضع معادلة النصر القريب للمقاومة في غزة وأهلها، تحول على إثر ذلك مياه البحر إلى نيران تُشعل السُفُن الإسرائيلية، لا هوادة في ذلك، والتأييد الشعبي والرسمي يدعم قرارات القوات المسلحة في ردع العدوان الإسرائيلي حتى يتوقف.
مشهد قلَّ أن وُجِدَ خلال عقود الاحتلال مُنذ 1945م إلى اليوم لم تكن الخيارات العربية غير التفاوض أَو التنصل أَو البيع أَو التنازل، أَو التقسيم، دون ترجمة فعلية لمواجهة كيان العدوّ بغض النظر عن كُـلّ الاحتمالات، كُـلّ ذلك اليوم يضع الشعب اليمني بقيادته ورجاله على رأس الشرف العربي في معركة مقدسة بلغ ضحيتها عشرات الآلاف من إخواننا في فلسطين، مع تحول المعركة إلى البحر المسجور تقف إسرائيل بين خيارات الاستسلام لتسقط بذلك أهدافها العمياء في قطاع غزة، أَو الخروج من المعركة وهذا ما يؤرِّقُ قراراتها، خَاصَّة، والنتن ياهو، يخضع لمحاكمة خلال الأيّام لعدد من قضايا الفساد وغيرها والتي ستكون نتائج هذه المعركة مِلَفًّا آخرَ يندرج ضمن مِلفاته السوداء.
على هذا السياق تتجلى ملامح النصر والبحر يستعر بالضربات اليمنية الباسلة، ومن هنا ومن آفاق البحرين الأحمر والعربي تستنصر غزة وتعلوها راية النصر، وإن غداً لناظره لقريب، حينها سيكتب التاريخ للأجيال عظمة الشعب اليمني وقيادته، وهزالة أنظمة التطبيع.