تظاهُـرةٌ من نوعٍ آخرَ
بقلم – هاشم أحمد شرف الدين
افتح عينَيكَ. فأنت كعربيٍّ مسلمٍ لا تعيش حُلْمَاً في المنامِ ولا ترى حُلمَ يقظة. إنك ترى شعبَ اليمنِ العزيز، خرجَ ليؤكِّـدَ للعالمِ بأسرِهِ أنه مع غزةَ الجريحةِ حتى الانتصار، وما بعدَ ما بعدَ الانتصار.
ها هو -بنخوتِهِ بحكمتِهِ وإيمانِه- يعبِّرُ في تظاهرتِه المليونيةِ في قلبِ عاصمتِهِ صنعاءَ بميدانِ السبعينِ، عن دعمِه القوي لشعبِ فلسطين، ويؤكّـد رفضَه البَاتَ للعدوانِ والحصارِ الإسرائيلي الذي يعاني منه أهالي غزةَ هاشمٍ منذُ سبعينَ يوماً.
إنه لا يُذكِي بتظاهرتِه شعلةَ الأملِ في قلوبِ الفلسطينيين المظلومين وحسب، بل يكتبُ -بأحرفٍ من نورٍ- تاريخاً جديدًا للتضامنِ العربيِ الإسلاميِ والإنسانيِ في زمنِ الخذلانِ والتواطؤ.
لم تكنِ الأجساد مَن حضرت، إنما الأرواح.
لم تكن الحناجرُ من هتفت، إنما القلوب.
لم تكنِ الأيادي من ارتفعت، إنما البنادقُ وعَلَمُ اليمنِ جنباً إلى جنبٍ مع عَلَمِ فلسطينَ سواءً بسواء.
فبإرادَة لا تُعد، وتَحَدٍّ لا يُحصى، واستعدادٍ تامٍّ للتضحيةِ والوقوفِ بجانبِ الحق، أكّـد هذا الشعبُ العزيزُ للعالمِ بأكملِه أنَ الضميرَ اليمنيَ لا يُمكنُ لأمريكا قمعُه، وأن صوتَ أحرار اليمن لا يُمكنها كَبْتُه، وأنه هو وحدُه صوتُ الحقٍّ المرتفعُ لمن لا صوتَ لهم، وأنه اليومَ قد صارَ أيقونةُ شعوبِ العالمِ المتطلعةِ للتحرّر مِن الهيمنةِ الأمريكية.
إنه الشعبُ الذي لم يعد يكتفي بإرسالِ الرسائلِ من خلالِ التظاهرات. فقد أرسى اليومَ – بهذهِ التظاهرةِ الضخمةِ وفي هذهِ اللحظةِ الفارقة – القواعدَ الصحيحةَ المتينةَ في صراعِ الأُمَّــة مع أعدائها. قواعدَ تقومُ على أَسَاس التحامِ الشعبِ مع القيادةِ، واعتصامهما معاً بحبلِ الله الواحدِ – سبحانه وتعالى – ضمنَ منهجيةٍ قرآنيةٍ جامعةٍ لا انفصال فيها أَو تعارضَ، ولا خلافَ يشوبُها أَو تنازع.
شعبٌ يرفضُ تفكيكَ روابطِ الإسلام والعروبةِ، ويرفضُ أن تُحصرَ القضيةُ الفلسطينيةُ في شعبِ فلسطين. فيؤكّـد أنَه على جميعِ شعوبِ العربِ والمسلمين أن تبقى متضامنةً مع بعضِها البعضِ في وجهِ أمريكا وإسرائيل وباقي أعدائها، وأن تبقى موّحدَةً ضدَ أي ظلمٍ أَو اضطهادٍ يواجهُه أيُّ شعبٍ منها.
أكرِمْ بِه مِن شعبٍ، وأنعِم بقائدِهِ الذي تتعاظمُ مكانتُه في قلوبِ أحرار الأُمَّــة والعالم، ويَعلو صوتُه يوماً فيوم، مدوياً في سماءِ العدالةِ والحريةِ، ليُخلِّدَ موقفَ اليمنِ في ذاكرةِ التاريخِ كموقفٍ عظيمٍ للتضامنِ العربي والإسلامي والإنساني، وكمصدرِ فخرٍ وعزةٍ وإلهامٍ للشعوبِ الحرةِ في هذا العالم، فتؤمن بأن التضامُنَ والعدالةَ قوةٌ لا يٌستهانُ بها، وأنَّه بالتوحّدِ والإرادَة يُمكِنُ تحقيقُ التغييرِ وإنهاء الظُلم، وإحرازُ الانتصار.