غزةُ الصمود
حمزة حسين الديلمي
تجاوز عدد الشهداء في غزة أكثر من (18000) شهيد، في (1550) مجزرة من بدء الحرب الوحشية، بينهم (7.112) طفلاً وَ(4.885) امرأة.
أمور كثيرة تتزاحم وتتكدس على العقل أمام هذه الأرقام، لكن أهمها أن هذا العالم يتعامل مع المسلمين كالحشرات! لا أقول حتى حيوانات، فَــإنَّه لو قامت دولة ما بإبادة هذا العدد من حيوانٍ ما لهبَّت له منظمات التوازن البيئي وحقوق الحيوان!!
حتى المنظمات النسوية ومنظمات حقوق الطفل، التي تشتعل وتملأ الدنيا صراخاً عن حقوق الشذوذ والتعري والتحول الجنسي لا تتعامل مع سبعة آلاف طفل وخمسة آلاف امرأة كما تتعامل مع قضية طفل واحد يعاني من صعوبة التحول الجنسي، أَو امرأة واحدة تعاني من “حريتها الجنسية المكبوتة” في ممارسة الشذوذ!
حتى الحكام العرب أنفسهم، ما من واحد فيهم ترى في كلامه ولا في سلوكه حرقة حقيقية ورفضاً صادقاً لما يحدث، ولا فكر أحدهم في سحب سفيره أَو طرد سفير الصهاينة أَو إغلاق سفارتهم أَو مراجعة الاتّفاقيات المبرمة بينهم أَو وقف التنسيق الأمني معهم.
بل على العكس تظهر تهديداتهم وأنيابهم تجاه القوات البحرية اليمنية التي تساند غزة بمنع مرور السفن إلى دولة الاحتلال، معلنين عن تشكل تحالف دولي عبر أدواتهم من العملاء لمواجهة ما أسموه التهديدات في البحر الأحمر المخالفة للقانون الدولي حسب تعبيرهم، دون أن يخبرونا أين كان هذا القانون الدولي خلال العدوان على اليمن وأين هو عما يجري اليوم في غزة من حصار وإبادة ووحشية تجاوزت كُـلّ تصور!!
تأملوا معي.. دولة الاحتلال دولة أمنية متفوقة في مجال الأمن تفوقاً يُصنف عالميًّا، ثم هي دولة عسكرية، الجيش هو قلبها ومركزها، والشعب كله تقريبًا على قوة الاحتياط في هذه الدولة، ثم هي محروسة بأطواق من العملاء المخلصين الذين يحمونها لا عن الشعوب العربية فحسب، بل يساهمون معها في سحق الفلسطينيين وتركيعهم وحصارهم، ثم هي دولة ممدودة بحبل متصل من المساعدات العسكرية والمالية والتقنية والفنية من القوة العظمى العالمية! ومع ذلك كله عجزت عن تحرير حتى أسير واحد من أسراها عبر العمليات العسكرية التي تشنها منذ ما يقارب ثلاثة أشهر وهذا يدل على مدى قوة وتماسك المقاومة بل وأُسطورية صمودها.
ومع كُـلّ هذه الظروف رأت دولة الاحتلال أنها بحاجة إلى “تسليح الشعب” لمزيد من تأمين الجبهة الداخلية، ولمزيد من إسناد حالتها العسكرية!
قارن هذا المشهد المتراكب المتراكم.. بعالمنا العربي الذي نزع فيه السلاح من الشعوب، ونسيت الشعوب فيها ثقافة السلاح، حتى صارت حرفياً كالدجاج والخراف بين يدي الجزار، مهما كثر عددها تفرقها رصاصة وقنبلة مسيلة للدموع!!
ولهذا، فما إن يدخل الاحتلال إلى بلد فيهزم جيشها الرسمي (أو بالأحرى: ينسحب الجيش فارًّا أمام جيش المحتلّ) حتى يستريح المحتلّ في ديارها؛ لأَنَّه لا يجد شعبًا مسلحًا قادرًا على قضّ مضجعه وهدم مستقره!
لقد كانت الخطوة الأولى في كُـلّ قصة احتلال: نزع السلاح من الشعوب، وكذلك كانت الخطوة الأولى في كُـلّ قصة طغيان معاصر!!