مضيقُ باب المندب والبحر الأحمر.. العبورُ غيرُ الآمن للسفن الصهيونية
اليمنُ استطاع تحقيقَ أهدافه وشركاتٌ دولية عملاقة بدأت في تغيير مسارها عبرَ طريق الرجاء الصالح
المسيرة – محمد الكامل:
نفّذت القواتُ البحرية اليمنية، أمس، مجدّدًا عمليةً عسكريةً ضد سفينتَينِ لهما ارتباطٌ بالكيان الصهيوني، الأولى تُدعى سفينة “سوان اتلانتك” كانت محملة بالنفط، والأُخرى سفينة “إم إس سي كلارا” كانت تحمل حاويات، وقد تم استهدافهما بطائرتَينِ بَحْريتَينِ.
وبحسب بيان القوات المسلحة اليمنية فَــإنَّ “استهداف السفينتين جاء بعد رفض طاقميهما الاستجابة لنداءات القوات البحرية اليمنية”، مجددة أنها “لن تتردّد في استهداف أية سفينة تخالف ما ورد في بياناتها السابقة”.
وخلال خمسة أَيَّـام فقط، استهدفت القوات المسلحة اليمنية 5 سفن كانت تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو طريق سهل ومختصر يوصل هذه السفن إلى ميناء “أم الرشراش” المحتلّ، والذي تسميه إسرائيل “إيلات”، حَيثُ جاء الاستهداف؛ بسَببِ مخالفات هذه السفن لتعليمات وتوجيهات القيادة العسكرية اليمنية التي اتخذت هذا القرار من منطلق إنساني يتمثل في الضغط على الكيان الصهيوني لفك الحصار المفروض على قطاع غزة وإدخَال الأدوية والغذاء.
ويرى الكثير من المتابعين للشأن اليمني أن القوات المسلحة اليمنية حقّقت أهدافها بنجاح، والدليل على ذلك إعلان الكثير من شركات النقل البحري العملاقة تغيير مسارها البحري لتسلك طريق الرجاء الصالح بدلاً عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو طريق شاق ومتعب، وسيتسبب في إرهاق الاقتصاد الإسرائيلي، وإنهاك الكثير من الشركات الناقلة.
ردعٌ استراتيجي مشروط:
ويرى عددٌ من الخبراء والمحللين العسكريين والسياسيين أن “عمليات القوات المسلحة اليمنية هي ردع استراتيجي لن يتوقف تحت أي ظرف إلا في حال تم إدخَال ما يحتاجه قطاع غزة من الغذاء والدواء وبقية المساعدات الأُخرى”.
ويقول الباحث في الشؤون العسكرية زين العابدين عثمان: “إن المواقف التي تسطره قواتنا المسلحة في منع السفن من الوصول إلى موانئ كيان العدوّ الصهيوني يعتبر موقفاً مبدئياً وقيمياً وإنسانياً، وإن هذه العمليات تأتي أولاً استجابةً لتوجيهات الله تعالى وللقيادة الثورية وشعبنا اليمني ومناشدات إخواننا في قطاع غزة”.
ويضيف في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن “هذا الموقف التاريخي يثبت معادلة الردع الاستراتيجي المشروط بفتح معابر قطاع غزة وإدخَال المساعدات والغذاء والدواء إلى سكان القطاع”، موضحًا أنه في حال رفض الشرط سيتم الاستمرار في تثبيت هذه المعادلة والاستمرار في منع أية سفينة من الوصول إلى كيان العدوّ الصهيوني من مياه البحرَين الأحمر والعربي.
ويؤكّـد عثمان أن “قواتنا المسلحة وعلى رأسها القوات البحرية لا تزال مُستمرّة بفضل الله تعالى في عملياتها النوعية في منع أية سفينة تتجه إلى كيان العدوّ من أية دولة، ومُستمرّة أَيْـضاً في استهداف أية سفينة تحاول تجاهل التحذيرات”، لافتاً إلى أنه “تم استهداف السفينة النرويجية “استريندا” وسفينة الحاويات “ميرسيك جبرلاتر” التي كانتا متجهتين إلى الكيان وحاولتا تجاوز نداءات تحذير القوات البحرية”.
وتبدأ القوات البحرية اليمنية بتوجيهِ إنذار للسفن المتجهة إلى الموانئ الصهيونية، وفي حال رفضها للتعليمات تعمل على توجيه رسائل نارية، ثم تلجأ إلى الاستهداف بالصواريخ البحرية والطائرات البحرية عند إصرار تلك السفن على المرور ومخالفة التعليمات.
وهنا يؤكّـد الخبير العسكري زين العابدين عثمان، أن “لدى القوات البحرية اليمنية القدرة الكاملة على تنفيذ عمليات هجومية ضد أية سفينة مخالفة للنداءات سواءً عبر سلاح الطيران المسيَّر أَو القوة الصاروخية حتى وإن كانت السفينة تخضع لحماية مباشرة من المدمّـرات والفرقاطات التابعة لأمريكا أَو بريطانيا”، مبينًا أنه “بإمْكَان القوة الصاروخية توجيه ضربات دقيقة جِـدًّا لما تمتلكه من نسخ من أنظمة صواريخ بر-بحر التي تم تطويرها ودمجها بتقنيات حديثة تتقدمها أنظمة الصواريخ الذكية “كروز” والصواريخ الباليستية التي تمتلك جميعها قدرات استهدافية بدقة القناصة وبهامش خطأ ضئيل جِـدًّا”.
ويتابع حديثه: “أَيْـضاً لدى القوات البحرية قدرة في مواجهة مختلف أنظمة الدفاع الصاروخي المعادي وما يترافق معها من أجهزة التشويش والحرب الإلكترونية التي تستخدمها المدمّـرات والسفن الحربية”.
وعليه فَــإنَّ أسطول المدمّـرات الأمريكية والبريطانية التي تم حشدها مؤخّراً للبحر الأحمر ومضيق باب المندب لن تستطيع حماية أية سفينة تجارية تتجه لكيان العدوّ الصهيوني، وهو ما حصل بالفعل وباتت تدركه الكثير من الشركات التجارية العملاقة، والتي لم تجد من خيار أمامها سوى تغيير مسارها والابتعاد عن مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
تحذيراتٌ مبكرة.. موقفٌ واضح:
وعلى الرغم من محاولة البعض التقليل من شأن هذه العمليات اليمنية في البحر الأحمر، إلا أن الأمريكيين والصهاينة يوضحون عبر وسائل إعلامهم مدى خطورتها، وإزعاجها على العدوّ الإسرائيلي الذي يرتكب جرائم إبادة بحق المدنيين وسكان قطاع غزة.
وفي السياق يوضح الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أنيس الأصبحي، أن “كيان العدوّ الإسرائيلي يمثل تهديداً مباشراً لدول المشرق العربي، من خلال احتلالها لكامل فلسطينَ وهضبة الجولان ومزارع شبعا، إضافة إلى تهديدها غير المباشر لكل الدول العربية انطلاقاً من نظرية الأمن القومي الإسرائيلي المُدَّعاة”.
ويضيف الأصبحي في تصريحٍ خاص لصحيفة “المسيرة” أن “الكيان الصهيوني يعمل على إضعاف الدول العربية عن طريق تفتيتها إلى كانتونات طائفية ودينية، وأن هذه النظرية بمثابة ضمانات فعلية لأمن إسرائيل في المحيط العربي والقائمة على تفتيت العالم العربي إلى دويلات طائفية متناحرة لإضعافها”.
ويرى “أننا كأمةٍ مسلمة، في مختلف شعوبنا، نعاني من هذا الخطر الإسرائيلي اليهودي الصهيوني الذي يهدّدنا ويستهدفنا جميعاً؛ وبالتالي نحن معنيون ولنا الحق في أن نتحَرّك تجاه خطرٍ يستهدفنا، إضافة إلى أننا كأمةٍ مسلمة بكل شعوبها في موقع المسؤولية الدينية أمام الله “سبحانه وتعالى” في أن يكون لنا موقف، وأن نتحَرّك في التصدي لهذا الخطر بكل الاعتبارات، على اعتبار أن فلسطين شعباً وأرضاً جزءٌ من هذه الأُمَّــة، وكذلك اعتبار العدوّ الإسرائيلي عدواً يشكِّل خطراً وتهديداً علينا جميعاً”.
وحول مخاطر التحَرّكات الأمريكية وموقفنا منها وتحذيرات الشهيد القائد منذ وقت مبكر يقول الأصبحي: “إننا ندرك وننظر للأحداث وتحليلها ومخاطر التحَرّك الأمريكي الصهيوني في المنطقة، فقد حذّر منها مبكراً الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م التي افتعلتها الإدارةُ الأمريكية والصهيونية للسيطرة على المنطقة؛ وذلك لتأمين كيان العدوّ الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية ومحور المقاومة ورسم خرائط بما يسمَّى الشرق الأوسط الكبير/الجديد وتقسيم المنطقة وتمرير مشروع كيان العدوّ الصهيوني التوراتية والهيمنة على الثروات”.
ويوضح أن “الموقف الواضح الذي تبناه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي وقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، واليمنيون ضد كيان العدوّ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كقضية مركزية ومحورية وباتت حقيقة واضحة وثابتة من حاضر اليمن ومستقبله، مؤكّـداً أنه لم يعد بإمْكَان أية قوة إقليمية أَو دولية القفز عليهم أَو تجاهلهم، مُشيراً إلى تعاظم قدراتهم الصاروخية المتنوعة بما يهدّد حركة الملاحة الإسرائيلية في البحرين العربي والأحمر، اللذَين يشكّلان معبراً إلزامياً لكيان العدوّ الإسرائيلي من المحيط الهندي وإليه”.
ويلفت إلى أن “ذلك الموقف الواضح الذي يتبناه اليمن ضد كيان الاحتلال يشكل أحد الدوافع الرئيسية لاشتراك الصهاينة في الحرب على اليمن بشكل مباشر، وتشمل هذه المشاركة، التخطيط والتدريب والدعم الاستخباراتي والمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية”، مؤكّـداً أن “الكيان الصهيوني يعتقد بوضوح وبرسوخ أن وجود قوة ثورية تتحكم في اليمن وباب المندب ستوجّـه ضربة قاصمة للمشروع الصهيوني”.
ويوضح الأصبحي أن “العدوان السعوديّ الإماراتي على اليمن يندرج تحت المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة وعلى باب المندب الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء تحالف دولي تحت مسمى مواجهة التهديدات في المياه الإقليمية في البحر الأحمر وباب المندب، بينما هو في الحقيقة تحالف دولي لحماية السفن الإسرائيلية ويضم مرتزِقة العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن وفي مقدمتهم المرتزِق طارق عفاش إلى جانب بريطانيا وفرنسا إلى جانب دول أُخرى”
ويقول الأصبحي: “إن لم تكن الحرب العدوانية على اليمن هي قلب مشروع التطبيع ودخول دول العدوان في الحقبة للمشروع «الإسرائيلي الصهيوني»، فَــإنَّها في الحد الأدنى رئته؛ ولذلك فَــإنَّ الجميع لم ينظروا إلى هذه الحرب من منظور استراتيجي صحيح، وصغروها إلى مستوىً متدنٍّ لا يليقُ مطلقاً بأهدافها الاستراتيجية الكبرى، وارتباطها بإعادة صياغة الأوزان الاستراتيجية في الإقليم، وإحداث تغيير جيوستراتيجى كامل في بنيته، هو أشد ما يكون ارتباطاً بالدخول في الحقبة للمشروع الصهيوأمريكي ومشروع «الإسرائيلية» الجديدة، وأكثر ما يكون اتصالاً بخنق قلب الإقليم، وإعادة تعريف حدوده”.
ويبين أن هذا هو ما عملت؛ مِن أجلِه دول العدوان السعوديّ الإماراتي وبدعم أمريكي بريطاني إسرائيلي، مؤكّـداً أن “العدوّ ومرتزِقتهم تدرّجوا من فشل إلى فشل مع كُـلّ ما أحدثه من قتل ودمار ومجازر وحصار، تبعثرت نخبة جيوشهم وأسلحتهم وطائراتهم تحت أقدام المجاهدين والجيش اليمنى والمقاومين الأبطال التي انغرست أوتاداً لا تتأرجح وإيمانهم بالله تعالى بالنصر”، مضيفاً: “وتم إفشال خطرهم وبفضل القيادة الثورية الحكيمة التي استمد منه الشعب اليمني الأبي حاملاً في أحشائه قدرة وقوة وصموداً ومخزونا نضالياً كَبيراً يستمد قوته واستمراريته من معين التاريخ وفلسفة وجغرافية وعبقرية الموقع”.
ويؤكّـد الأصبحي أن “فرض الحصار اليمني على الكيان الصهيوني “فعال” ليس فقط لما وصل إليه من نتائج موجعة للاقتصاد الإسرائيلي وتعطيل الكامل لميناء “أم الرشراش” المسمى “بإيلات” ولكن لعدم قدرة كيان العدوّ على الرد وضيق خياراته الاستراتيجية، إضافة إلى ضرائب الحرب التي تجنيها شركات الشحن البحري الكبري؛ بسَببِ خطر تعرضها للاستهداف”.
ويرى أن “هذه الخطوات ستشكل ضغطاً كَبيراً على الكيان الصهيوني لإيقاف عدوانه على غزة ورفع الحصار المفروض على سكانها، وسيتم إدخَال الأدوية والغذاء والوقود وهو موقف ثابت أكّـدته القوات المسلحة اليمنية في كُـلّ بياناتها واستعدادها الكامل في توسيع عملياتها العسكرية ضد كيان العدوّ في حال استمرار الحصار والمجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني”، موضحًا أن “تصرفات الكيان الصهيوني الإجرامية تهدّد الأمن والسلم الدوليين وأن التصدي لها ولأنشطتها العدوانية أمر مهم لأمن وسلام المنطقة والعالم وأن اليمن حريصة على الأمن البحري وسلامة الممرات المائية والقوات البحرية اليمنية ملتزمة بحماية المياه الإقليمية اليمنية بموجب صلاحياتها السيادية”.
ويواصل حديثه: “بعد ما أكّـدت معركة “طُـوفان الأقصى” أن لا وجود لقانون دولي أَو قانون إنساني أَو شرعية دولية؛ لأَنَّ الإدارة الأمريكية داست على هذه القوانين بشكل كامل؛ مما يؤكّـد أن العالم تحكمه شريعة الغاب وقانون القوة”، منوِّهًا إلى استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو، ومنع اتِّخاذ قرار في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وحرب الإبادة ضد شعبنا؛ وهو ما يؤكّـد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي العدوُّ الأولُ للشعب الفلسطيني.
ويؤكّـد أن “اليمن اليوم وبثورته المباركة وقائده السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه الله- والقوات المسلحة انطلق ليستعيد مكانته الجيوسياسية والاستراتيجية وليبني مكاناً لهزيمة المشروع الصهيوني ويضع كُـلّ المنطقة على بوابة تحولات استراتيجية، ويمثل مركَزَ الثقل الجيوسياسي في السياسات الدولية وتحولاتها لا يمكن القفز عليه، وسيكون بذلك ذخراً استراتيجياً لفلسطين والشعب الفلسطيني”.