في زيارة الوداع الأخير.. أوباما يجدّد عهدَ الدفاع عن رحم الإرهاب
صدى المسيرة – حسين الجنيد
يرى مراقبون أن زيارةَ الرئيس الأميركي بارك أوباما إلى المملكة العربية السعودية ربما حقّقت هدفَها الرئيسي، وهو السيطرة على إيقاع الخلافات المتزايدة ومحاولة حصرها في دائرة التهدئة، وذلك من خلال التأكيد على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وفق البيانات الصحفية للطرفين، لكنها بالتأكيد لم تعالج تلك الخلافات، والعودة بالعلاقات إلى عصرها الذهبي.
فعلى الرغم من محاولات الإعلام السعودي تصوير الزيارة بالناجحة على كافة الأصعدة، وأنها حققت أهدافها، إلا أن الوقائع تشير إلى عكس ذلك.
قناة “سي إن إن” الأمريكية، تناولت في تقريرٍ تلفزيوني مجريات هذه الزيارة، موضحةً أن استقبال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الرياض كان مختلفاً هذه المرة، وهو ما يدل على وجود بعض البرود في علاقة البلدين.
وأضافت أن التلفزيون السعودي الرسمي لم ينقل وقائع ومراسم وصول الرئيس الأمريكي كما هي العادة، أو حتى كما فعل مع بقية الرؤساء، الذين وصلوا لحضور القمة الخليجية، كذلك لم يكن الملك سلمان بن عبدالعزيز حاضراً في استقبال أوباما، واختفت القبلات كما هي عادة اللقاءات، (في إشارةٍ منها لصورة ولي العهد السعودي أثناء لقائه بالرئيس الأمريكي أوباما)، وَبالرغم من ذهاب الملك سلمان إلى المطار لاستقبال زعماء دول الخليج، بالإضافة إلى الملك المغربي، تساءلت عن غيابه في استقبال رئيس أعظم دولة في العالم.
وفي تناقضٍ لافتٍ يؤكد ما أشارت إليه القناة الأمريكية، ويفند مزاعم الإعلام السعودي بتضخيمه لنتائج هذه الزيارة، تصريحات أحد المسئولين الأمريكيين الذي حاول تبرير ذلك بقوله: “غياب الملك سلمان عن استقبال أوباما فور وصوله لا يُنظَرُ إليه كإهانة؛ حيث أن الرئيس الأمريكي نادراً ما يستقبل الزعماء الأجانب في المطار فور وصولهم إلى الولايات المتحدة”، إذا كان الأمر لا يستدعي الشعور بالإهانة، فما الداعي لأن يقوم مسئول بارز في الإدارة الأمريكية بتبرير هذا الموقف؛ كون البروتوكول المتبع يقضي بذلك؟
ومن جهته نسف الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق، الجهودَ التي بذلها الطرفُ الأمريكي والطرفُ السعودي في تصنُّع الابتسامات الزائفة أمام عدسات الكاميرات، وهم يصفون علاقة البلدين بالاستراتيجية، وأنها ساعيةٌ باتجاه آفاقٍ جديدة، في لقاءٍ تلفزيوني أجرته معه قناة “سي إن إن” الأمريكية ضمن إطار تغطيتها لوقائع الزيارة، بقوله: “الأيام الخوالي” بين المملكة والولايات المتحدة انتهت إلى غير رجعة، وأنه يجب أن “يعاد تقييم” العلاقة بين البلدين.
وأضاف: “برأيي الشخصي، أميركا تغيرت بمقدار ما تغيرنا نحن هنا. وهناك جانب إيجابي في تصرفات الرئيس أوباما وتصريحاته، أنها أيقظت الجميعَ على أن هناك تغييراً في أميركا، وأن علينا أن نتعامَلَ مع هذا التغيير”.
وتابع بقوله: “إلى أي مدى يمكننا أن نذهب في اعتمادنا على أميركا، وكم يمكننا أن نعتمدَ على ثباتِ توجُّهات القيادة الاميركية، وما الذي يمكن أن يجعلَ مصالحنا المشتركة تلتقي معاً، هذه أمور علينا أن نعيدَ تقييمَها”.
جازماً في ختام اللقاء: “لا أعتقد أنه علينا أن نتوقعَ من أي رئيس أميركي جديد العودة، كما قلتُ، إلى الأيام الخوالي حين كانت الأمور مختلفة”.
ما يُفهَمُ من التصريحات النارية التي أدلى بها الفيصل في لقائه مع القناة الأمريكية أن زيارة الرئيس الأمريكي كانت مجرد زيارةٍ “لتلطيف الأجواء” بين واشنطن والرياض، وأنها أقربُ لجلسة “مصارَحةٍ ومكاشفة” لحقيقة رؤية البلدين لكافة الملفات من منظور مصالحها الذاتية.
نتائجُ الزيارةِ بين التعهُّدات والتناقضات
ومن خلالِ قراءة نتائج هذه القمة التي تلخصت بتكرار التعهدات الأمريكية المعتادة، يتضح للمتابع حجمُ التناقض في تلك التعهدات مع حقيقة ما يجري.
فبعدَ اختتام أعمال القمة وفي جلستها الختامية، قال أوباما: “إن بلادَه ستطلق مع دول الخليج حواراً بعيدَ المدى لتطوير العلاقات الاقتصادية”، وهذا ما يوحي أن أزمةَ القانون الذي يناقشه الكونغرس قد خضعت للتجميد حالياً في عمليةٍ لابتزاز السعودية من بوابة الحرص الأمريكي المعهود على أمن حلفائها الخليجيين، ووقوفها إلى جانبهم في مسألة مكافحة الارهاب المدعوم والممول أساساً من قبل هذه المملكة.
كما وصف أوباما القمة بأنها “ناجحة بامتياز”، وتعهّد بدعم بلاده لردع ومواجهة أي عدوان يستهدف حُلفاءها وشركاءها.
وعلى الصعيد الإيراني، قال الرئيس الأميركي إن دولَ الخليج لا تزال لديها مخاوفُ عميقةٌ إزاءَ السلوك الإيراني رغم الاتفاق النووي، مضيفاً “سنعمل على أن تحترم إيران تعهداتها المتعلقة بالاتفاق”.
وأكد أوباما على أهمية بذل المزيد من الجهود في الحرب ضد تنظيم “داعش” ورحّب بالدور السعودي المهم في التحالف لمحاربة هذا التنظيم وارهابه، وفي هذه النقطة تناسى أوباما أن مراكزَ الدراسات والأبحاث في بلادة كلها أشارت أن البلدَ الذي يصفُه بالحليف في حرب دولته على الإرهاب هو الرحم الأول لهذا التنظيم وهذا الإرهاب.
وفيما يتعلق بالشأن اليمني، رحّب أوباما بوقف القتال مؤخراً في اليمن، حسب قوله، والتزام الملك بتقديم المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء اليمن، مراقبون سخروا من تصريحات أوباما هذه، متسائلين عن هذه المساعدات التي لم يرَها أو يلمسها أحد سوى باستمرار الغارات ودعم مرتزقتهم بالأموال والأسلحة لمواصلة تدمير اليمن وقتل شعبه، كما أسفرت هذه القمة من خلال اجتماع وزراء دفاع أعضاء المجلس ووزير الدفاع الأمريكي عن توصلهم لاتفاق بقضي بتسيير دوريات بحرية مشتركة منعاً لتهريب الأسلحة من إيران إلى الحوثيين، حسب تعبيرهم، في إشارةٍ واضحةٍ على استمرار فرض الحصار على الشعب اليمني.
وبخصوص الملف السوري، أبدى الرئيسُ الأمريكي دعمَه للسلام في سوريا وتأييده لخيارات الشعب السوري في تقرير مصيره من خلال الانتقال السياسي بعيدا عن الرئيس السوري، بشار الأسد، وهذا ما أثار استغرابَ العديد من المراقبين والمحللين في محاولةٍ منهم لاستيعاب ما يعنيه أوباما في دعمه لخيار الشعب السوري في تقرير مصيره، وقد قرر هو بالنيابة عنهم في استبعاد رئيسهم عن المشهد رغم إدراكه أن الغالبيةَ في سوريا تقفُ وتؤيد بقاء الأسد على رأس السلطة.
هذا وتناولت القمةُ العديدَ من الملفات أيضاً، كملف والملف العراقي وإمكانية دعم الحكومة العراقية في المناطق المحرَّرة من تنظيمِ “داعش” ومواصَلة الحملة العسكرية التي يقوم بها التحالفُ ضمن خطط مكافحة الإرهاب في العراق والمنطقة، إضافةً إلى الملف الليبي واللبناني.