نتنياهو في غزة.. هل اتسع الفتق على الراتق؟!

 

فهد الرباعي

وضع له الأمريكان سقفاً زمنياً لرد الاعتبار لجيشه الذي تهشمت صورته في عملية السابع من أُكتوبر -تشرين الأول- حين اجتاز الغزاويون السياج، وحطموا الصورة النمطية التي ظلت معبأةً بها المخيلة العربية لعقود عن الجيش الذي لا يُقهر، وذلك نِتاج حروب العرب في القرن الماضي مع “إسرائيل” التي تمتد من حرب ٤٨م إلى حرب ٥٦م أَو ما يعرف بالعدوان الثلاثي، ومنها إلى النكسة في ٦٧م، ومن ثم الحرب في أُكتوبر عام ٧٣م.

لكن الرواية التي جاءت بها المقاومة الفلسطينية صبيحة السابع من أُكتوبر الماضي، كانت تقول شيئاً آخر، وكانت مشاهد عدسات الإعلام العسكري لحماس، والإعلام الحربي لسرايا القدس تؤكّـد ذلك الشيء، كانت تقول إن مصطلح الجيش الذي لا يقهر مُجَـرّد فقاعة، بانت هشاشته، واتضح هوانه في غزة، بعد أن قدمت للجميع مشاهد العملية التي هاجمت البلدات المتاخمة للقطاع، وكيف اقتاد المقاومون جنود العدوّ من ثكناتهم أسرى، بعنفوان المقاوم الباحث عن أرضه.

وكان بإمْكَان المجرم بنيامين نتنياهو بعد الفشل العسكري والاستخباراتي أن ينخرط في مفاوضاتٍ مع فصائل المقاومة لإبرام صفقة تقضي بتبييض السجون من الأسرى، وبذلك سيوفر دماء جنوده المسفوكة اليوم في غزة، لكنه ذهب للخيار العسكري الذي اتضح اليوم وبعد ٨٠ يوماً من الحرب أنه قرارٌ عقيم، لا يلد إلا فشلاً بعد فشل، وهزيمةً من ورائها هزيمة، كان بإمْكَانه أن يوفر دماء قومه، لكن العرب قديماً كانت تقول: إن حتوف الرجال تحت بروق الطمع.

لقد جازف نتن ياهو بمستقبله السياسي، وقامر بجنوده في غزو القطاع، وظن حين أخذته العزة بالإثم، وحين قتل ما قرابته عشرين ألف فلسطيني جُلهم من الأطفال والنساء، وأحال البنية التحتية للقطاع إلى دمار، وبعد أن أطمئن إلى أمريكا التي حجّ قادتها إلى تل أبيب يُقدمون على سبيل التآمر كافة أشكال الدعم والمناصرة، ظن النتن أنه سيجعل المقاومة أثراً بعد عين، فرأى بعينه ما رأى من بأس المقاومة وعنفوانها على أرض غزة.

دخل نتن ياهو الحرب مدججاً بالأسلحة الأمريكية، ربما كان عليه أن يأخذ بما جاء في الأثر عن مبارك أن “المتغطي بالأمريكان عريان”، أَو كان عليه أن يعتبر ممن تركته أمريكا وحيداً يواجه مصيره كزلينسكي، وأشرف غني، وشاه إيران رضا بهلوي، وتلك هي أمريكا متى انتهت حاجتها إليك قدمتك قرباناً لمصالحها.

لم تحقّق الحرب في غزة حتى اليوم هدفاً واحداً من أهدافها على مدى ٨٠ يوماً، لا الرهائن حرّرت؛ ولا غزة سقطت، ولا مقاومتها استكانت، فقط خسائر نتن ياهو بالجملة وعلى كُـلّ اتّجاه، في البحر مثلاً سيجد نفسه في مأزق، وقد أغلق اليمنيون الحاملون راية العروبة، باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية الماخرة البحر الأحمر باتّجاه إيلات المحتلّة، والسفن التي تحمل المؤن إليها، ما يضعه ويضع حكومته أمام تضخمٍ اقتصادي هو الأول من نوعه منذ قيام الكيان.

وسيجد نفسه أمام جبهةٍ مستعرةٍ على الشمال مع حزب الله وهي الأُخرى تأخذ يوماً بعد آخر منحى تصاعدياً في ضراوتها وكلفتها، ناهيك عن كلفة الحرب في غزة والخسائر التي يتكبدها في جنوده وعتاده، وصورته الدموية التي قدمته للعالم كمجرم حرب ملوثة يداه بدماء الفلسطينيين، وقدمت “إسرائيل” للعالم، على أنها دولة غاصبة لأرض الفلسطينيين سالبة لأرواحهم.

فَـ”إسرائيل” ورئيس وزرائها المجرم لم يجدا حتى اليوم جواباً واحداً لسؤالٍ واحد من أسئلة الحرب!

يتساءل المراقبون! هل ثمة رهينة حرّرتها القوة؟! أَو ثمة انتصار أحرزته القوة؟! وهل هناك هدف من أهداف الحرب على غزة حقّقته “إسرائيل”؟! لا شيء من ذلك!

وليس ثمة انتصار، بل هي حقيقة واحدة فقط، أن الفتق قد اتسع على الراتق، وأن صورة “إسرائيل” قد ازدادت تهشماً فوق التهشم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com