الاقتصادُ الأمريكي والصيني.. التراجُعُ والصعودُ إلى أين؟!

 

أحمد عبدالله الرازحي

يُشكل الاقتصاد العصب العالمي الذي فرض هيمنة أمريكا على بقية دول العالم، الهيمنة الاقتصادية يتلوها السياسية والعسكرية، فمن يتحكم بالاقتصاد ويهيمن اقتصاديًّا سيكون القائد المستقبلي بلا شك.

وهُنا نعود قليلاً للتاريخ للمقارنة بلغة الأرقام بين الناتج المحلي العالمي لأمريكا والصين في الماضي والحاضر وعليه تتضح الرؤية ويبدو المستقبل أوضح لمن سيكون لهُ الدور البارز في التحكم بالناتج المحلي العالمي والهيمنة الاقتصادية.

بلغة الأرقام المُختصرة كان الناتج المحلي العالمي لأمريكا في عام ٦٠ يُعادل ٤٠ % من الناتج المحلي للعالم، ولكنهُ تراجع بشكل كبير..

ففي عام ٢٠١٤ تراجع الناتج المحلي العالمي لأمريكا وأصبح ٢٠ % من الناتج المحلي العالمي، كان الأول عالميًّا وما زال في العام نفسه هو الأول لكنهُ فقد ٥٠ % من حجم الإنتاج سابقًا، وهذا تراجع كبير ومؤشر خطير للاقتصاد الأمريكي..!!

وفي المقابل صعود قوى لم تكن مذكورة سابقًا، مثلاً الصين في ٢٠١٦ كان حجمها من الناتج المحلي ١٤ إلى ١٥ % وبشكل عام تضاعف الرقم حوالي ١٥ ضعفاً %؛ لأنه كان في الثمانينات يعادل أضعف رقم، يشبه تماماً ناتج هولندا التي تنتج حوالي ١ إلى ١ من ١٠ % من الناتج المحلي العالمي…

وهُنا بديهياً يستطيع أي قارئ معرفة من ينهار ومن يصعد كالشمس، إن الصين تشهد تقدماً كبيراً محلياً وعالميًّا وتتطور بشكل كبير، وهُناك أَيْـضاً دول كانت منهارة أصبح لها رقم اقتصادي ليس سهلاً.. بالمقابل تراجع كبير في الاقتصاد الأمريكي..

نحن أمام نظام عالمي قديم يتصدع ويتهالك، وَأَيْـضاً نحن أمام نظام عالمي جديد يتشكل، حتى لو لم يظهر بالشكل المطلوب، ومن يتابع هذا الشأن يلاحظ هذه المفارقات..

بالتالي تحاول أمريكا وحلفاؤها الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية عالميًّا بكل قوة ولكن دون جدوى، بالمقابل الصين وروسيا وحلفاؤهم يحاولون خلق واقع جديد، الوضع أصبح أشبه بمعسكرين معسكر يحافظ على وضعه بشكل أكثر ديمومة ومعسكر آخر بكل قوة يحاول خلق واقع جديد، وليس سهلاً أمام الصين؛ فقد ظهرت تقريبًا في شهر مارس حروب اقتصادية بين الصين وأمريكا، حَيثُ قام الرئيس الأمريكي بفرض تعرفة جمركية وعقوبات اقتصادية على الصين وعلى غيرها الكثير.

نشاهد أن أمريكا تحاول فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم ولكنها تتدهور وأصبحت في مرحلة الشيخوخة، ووضع الاقتصاد الأمريكي اختلف مما كان عليه في الستينيات حين كانت أمريكا هي صاحبة الاقتصاد الأقوى عالميًّا، ولكن الوضع القائم اليوم مُغاير، حَيثُ أصبحت هناك دول تنافس بناتجها الاقتصادي وتصعد مقابل انهيار الاقتصاد الأمريكي..

وكان لهذا التراجع الأمريكي تداعيات، منها أنها أصبحت تستورد أكثر مما تصدر، حتى وإن كانت ما زالت على صدارة دول العالم في الإنتاج إلا أنها تتراجع كَثيراً جِـدًّا وبالمقابل تصعد دول كالصين في هرم الاقتصاد العالمي..

وبحسب نمو اقتصاد الصين وإنتاجها فَـإنَّها مهيأة لأن تكون في غضون السنوات القادمة هي الدولة الأولى عالميًّا في الإنتاج المحلي العالمي أي تقريبًا في ٢٠٤٠ م أَو ٢٠٥٠ والصين ستكون رائدة الاقتصاد العالمي، وأمريكا ستكون في أسفل الهرم أَو المنتصف، وبالتأكيد سيعتبر انهياراً تاريخياً للاقتصاد الأمريكي وللهيمنة الأمريكية.

الخلاصة أن أمريكا أصبحت تنهار تدريجيًّا وبشكل كبير، وتتصاعد وتظهر أقطاب ودول جديدة بقوة اقتصادية وسياسية في العالم؛ مما جعل الهيمنة الأمريكية تنكمش وتشهد تراجعاً على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري بسبب سياساتها العدائية للشعوب وانتهاكها لحقوق الإنسان، وبالتالي في السنوات القادمة ستكون أمريكا مُجَـرّد بلد منبوذ وليس لهُ ثقله كما كانت في الماضي هي المتحكم عالميًّا، ولكنها اليوم باتت في الشيخوخة التي لا تجيد التعامل والمرونة والقدرة على التحكم بمصير العالم الجديد، الذي تشكل منذُ أكثر من ٢٠ عاماً مضت، وبدأ يظهر ويطفو للسطح، وبدأت الهيمنة الأمريكية تتلاشى وتتداعى للهلاك؛ نتيجة العدوانية والهمجية الصهيونية التي تتحكم بسياساتها الخارجية والداخلية، التي أَدَّت إلى ما هي عليه اليوم من انكماش وتراجع اقتصادي وسياسي وعسكري على مستوى العالم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com