أهدافُ الصهاينة على طبق من عرب
بلقيس علي السلطان
شغل الحديث عن المنافقين والمتخاذلين حيزاً كَبيراً في القرآن الكريم؛ لما للنفاق والتخاذل من تأثير كبير على واقع الأُمَّــة وتمكين للأعداء من تدمير الأُمَّــة وتحقيق أهدافهم الرامية إلى تدمير البشرية والسيطرة على الثروات في العالم، وتدمير السلطة الدينية وإبدالها بسلطة جوفاء أَسَاسها طمس الهُــوِيَّة وإبدالها بمفاهيم وعناوين تتحدث عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والحرية والتحرّر وإقناع العالم بأن الدين لا يجدي نفعاً للشعوب، وبأن الإنسان سيرتقي ويتقدم بالقدر الذي يتخلى فيه عن دينه والتزاماته، فوجهت بوصلة التحريف الديني نحو الجماعات الإرهابية لكي تعكس الصورة الخبيثة بأن الدين معناه القتل والتدمير والذبح والانتهاكات المختلفة، كما وجهت بوصلة الانحراف نحو مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والمدن السينمائية.. وغيرها، التي رسخت في أذهان الشباب بأن الالتزام الديني والتمسك بالهُــوِيَّة الإيمانية تخلف ورجعية وجهل.
عمل الأعراب المنافقون بدءًا من الحكام العرب العملاء، ثم العلماء والشيوخ المحسوبين على الدين، وانتهاءً بوسائل الإعلام العميلة والتي تخدم الأهداف الصهيونية في العالم، عملوا على ترسيخ المفاهيم الظلامية والمبادئ المنحرفة في عقول الشعوب، ومنها ترسيخ مسمى السلام الذي واقعه ذل واستسلام بدلاً عن الجهاد في سبيل الله، وتقديم طغاة الأرض بأنهم رعاة للسلام وقادة لنهضة العالم في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والصناعية… إلخ، وكذلك تعزيز الانتماء الجغرافي للأوطان بدلاً عن ترسيخ الانتماء الأخوي والرابطة الإيمانية التي تتبدد على أَسَاسها وتتلاشى كُـلّ الأبعاد الجغرافية التي أحدثها المستعمرون عبر التاريخ؛ مِن أجل تنفيذ خططهم وأهدافهم بسهولة.
في مؤتمر كامبل عام ١٩٠٥م قام كامبل بتوزيع خرائط الوطن العربي على أعضاء المؤتمر وقال لهم: ماذا تلاحظون؟
إنهم يمتلكون ديناً واحداً وَجغرافيا موحدة، ولغة واحدة وثروات هائلة تمكّنهم من أن يكونوا أُمَّـة واحدة قوية، وهم يفتقرون فقط إلى قيادة صالحة تقودهم نحو التقدم والتطور والنهوض، لذلك سنعمل على زرع كيان غريب في داخلهم يعمل على تجزئتهم وتفريقهم ويكون ولاءه المطلق للغرب، فكان نتاج ذلك المؤتمر زرع الكيان الصهيوني في قلب الأُمَّــة بموافقة من السعودي العميل الأكبر للغرب الذي وقع على اتّفاقية سايكس بيكو التي تمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين فكان مما وقع عليه في هذه الاتّفاقية قوله: (أقر واعترف ألف مرة بإعطاء اليهود المساكين وطناً قومياً…).
وبالفعل تم إدخَال اليهود إلى فلسطين تحت موافقة لعملاء الصهاينة المحسوبين على العرب والمسلمين وتدجين الحكام الذين تم اختيارهم بعناية لخدمة المحتلّ وتسخير أوطانهم وثرواتها لخدمة الصهاينة مقابل المكوث في السلطة!
ومع تعاقب الأحداث ومرور الزمن ظهرت عمالة الحكام العرب وتواطؤهم مع الكيان الصهيوني، بتخفيف الخطاب الإعلامي وانتقاء ألفاظ إعلامية تجعل الشعوب تتقبل الوجود الصهيوني في الوسط العربي وتمهد لتقبل الشعوب لحركات التطبيع التي أعلنها الحكام، والرضى بفتح السفارات في العواصم العربية كما فعلت مصر والأردن والمغرب أولاً ومن لحق بركبها مؤخّراً كالإمارات والبحرين وغيرهم، وكذلك قاموا بتغيير المناهج واجتثاث الآيات التي تفرض على المؤمنين الجهاد ضد طغاة الأرض وَنصرة إخوتهم المؤمنين في كُـلّ مكان، إلى أن وصلوا إلى تبرير كُـلّ المجازر والانتهاكات التي يقوم بها الصهاينة بحق الشعوب العربية والإسلامية وفي مقدمتهم ما يحدث للفلسطينيين من إبادات جماعية بشكل لم يسبق له مثيل في أي طغيان في العالم.
اليوم وبعد عملية “طُـوفان الأقصى” العظيمة، برز الدور الأكبر للعملاء والخونة من مساندة ودعم الصهاينة في مختلف الأوجه، وتقييد دور الشعوب في نصرة إخوانهم في غزة، حتى وصل الحال بمنع التظاهرات المندّدة بما يحدث من مجازر وإبادة للشعب الفلسطيني في مختلف مدن فلسطين وأهمها غزة، وكذلك المساندة العلنية للاحتلال الصهيوني بدعمه اقتصاديًّا وعسكرياً وفتح جسر جوي وبري لإمدَاد الصهاينة بكل ما يحتاجونه في عملية الإبادة والتدمير لشعب فلسطين الحر، وكذلك المشاركة في الدفاع عن الصهاينة باعتراض الصواريخ التي تطلق من اليمن ردعاً لليهود على جرائمهم؛ بل ووصل الحال إلى الاشتراك في التحالف الأمريكي الذي يساند الصهاينة بكل ثقله، وتحت مبرّر الدفاع عن الملاحة في البحر الأحمر بينما الحقيقة هي الدفاع عن الكيان الصهيوني؛ كونه مشروعهم الناجح الذي يراهنون عليه في تدمير الإسلام، ونهب الثروات والسيطرة على العالم.
لم تكن مواقف المتخاذلين والمنافقين من الأعراب بمحض الصدفة، بل هي مواقف تم العمل لها والتخطيط؛ مِن أجلِها على مدى أعوام وأعوام، فأدخلوا الشعوب في قمقم الحكام العملاء الظالمين الذين قيدوا مواقفهم ودورهم البارز في نصرة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية الأُخرى، التي دخلت في دائرة البغي والاعتداء الإسرائيلي والأمريكي كالعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان.
لقد عرف الغرب منذ وقتٍ مبكر الأسس العامة التي تقوم عليها الأُمَّــة فعملوا على ضربها وتقييدها ومنها القيادة الواحدة الصالحة، فاستخدموا الحكام لتقديم خططهم وتنفيذها على طبق عربي ومنها ما فعله الحكام العرب من تشكيل تحالف للحرب على اليمن، ويفعلونه اليوم من دعمٍ معلن وغير معلن من دعم كامل للصهاينة في إبادة شعب غزة وتقديم جثامينهم وتدمير مدينتهم كقربان للصهاينة؛ مِن أجل بقائهم على كراسي السلطة البغيضة، فأصبحت الشعوب متعطشة للمواقف الحرة التي تمنح لهم العزة والكرامة والتي تكسر في داخلهم المفاهيم المغلوطة، التي جعلت من إسرائيل جيشاً عظيماً تصعب هزيمته وبأن أمريكا دولة لها كلمتها المسموعة في العالم، حتى جاء “طُـوفان الأقصى” الذي جرف هذه المفاهيم وأظهر الحقائق التي لم تكن لتظهر لولا أن حدث.
فكان الموقف اليمني المساند للمجاهدين في فلسطين من دعم عسكري وشعبي وقيادي بقيادة القائد الذي خافوا من ظهوره في مؤتمر كامبل قبل أكثر من مِئة عام، فظهر صارخاً بالموت لهم وبتهديد وجودهم، وبمواقف عملية جعلت الشعوب العربية تتنفس الصعداء وتستعيد الثقة بربها الذي وعد من يتحَرّكون في سبيله بالنصر والحرية والثقة بأن هناك قادة ربانيين يستطيعون قلب المعادلات؛ لأَنَّ تحَرّكهم وفق المنهجية القرآنية، والثقة بنفسها كشعوب قوية تستطيع سحق الطغاة إذَا ما كانت كما وصفها الله كالبنيان المرصوص ومعتصمة بحبل الله، وترفض التولي لليهود والنصارى وتقاتل في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم، هذه هي الشعوب التي خاف منها اليهود وحاولوا إخضاعها وتركيعها وتقييد عنفوانها وقوتها، فهل آن الأوان لهذه الشعوب أن تفيق من سباتها وتلتف حول القائد الذي علم الأعداء به قبل أن تعرفه الشعوب؟
أم أن هذه الدروس لم تكن كافية لتعلم الشعوب بأن الدور سيأتي على كُـلّ شعب على حدة حتى يتم استئصال العرب والمسلمين من العالم؟
أسئلة الأيّام القادمة كفيلة بالإجَابَة عنها؛ لكن الإجَابَة على جميع التساؤُلات قد أجاب القرآن عنها من خلال سرد الأحداث للأمم السابقة التي بغي عليها، وكيف كانت نهاية الطغاة علي يد المخلصين الثابتين الذين يلتفون حول قائد واحد وتحت عنوان في سبيل الله فحق لهم النصر والغلبة، وحق على أعدائهم الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة، والعاقبة للمتقين.